في أحدث التطورات على صعيد “الصحافة المرئية-visual journalism”، بدأت غرف الأخبار مؤخرًا في استخدام الفيديو بنطاق 360 درجة الذي يلتقط رؤية شاملة لإنتاج كل من الأخبار والقصص المميزة. ونظرًا لعرضه متعدد الاتجاهات، فإن الفيديو بتقنية 360 درجة لديه القدرة على تقديم المزيد من المعلومات مقارنة بالفيديو التقليدي، ويمكن لميزاته الغامرة أن تعزز إحساس المشاهد بالوجود ما يجعله ينخرط عاطفيًا بشكل أكبر في القصة.
كما أن السهولة النسبية التي يمكن من خلالها إنتاج مقاطع الفيديو هذه تجعلها أكثر جاذبية للمحررين من بعض الأشكال الأخرى لـ”الصحافة الغامرة- immersive journalism”، إلا أن هذا النمط من الصحافة لا يخلو من إشكاليات تتعلق بالأبعاد والمعايير الأخلاقية لممارسة الصحافة، وهو ما نستعرضه خلال التقرير التالي:
- خطوات إنتاج قصص إخبارية باستخدام تقنية 360 درجة
استعرضت دراسة للدكتورة سلوى أحمد الشريف الأستاذ بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا نشرتها المجلة العلمية لبحوث الصحافة، خطوات إنتاج قصص إخبارية باستخدام تقنية 360 درجة وجاءت على النحو التالي:
- فهم التقنية: فالقصص الإخبارية بتقنية الـ360 درجة عبارة عن مقاطع فيديو يتم تصوير كل زواياها في نفس الوقت باستخدام كاميرا بانورامية تلتقط جميع الاتجاهات، فيصبح للجمهور القدرة على رؤية الزاوية التي يختارها للنظر منها أثناء سرد القصة الإخبارية.
- اختيار القصة: فهذه التقنية لا تناسب جميع القصص الإخبارية، بل هناك سمات تساعد في تحديد مدى ملاءمة هذه التقنية للقصة الإخبارية، ومن أبرزها:
- الشخصية: من الأفضل إيجاد طريقة لعرض القصة بأعين أكثر المتأثرين بها، فبدلا من إخبار الجمهور عن القصة يتم عرضها في إطار قصة مرتبطة بشخصية ما.
- الموقع: يجب اختيار بيئة مثيرة لاهتمام الجمهور كأن تركز القصص الإخبارية بتقنية الـ360 درجة على أماكن يصعب الوصول إليها في الحقيقة كأماكن الصراعات والأزمات.
- الأحداث: أفضل مشاهد القصة الإخبارية المصورة هي التي تسمح للجمهور بالإحساس بالتأثيرات الحقيقية للمشهد، أو تلك التي يشاهد فيها حدثا أثناء وقوعه، لذا لا بد من طرح تساؤل هل تشمل القصة على أي جوانب سوف يسهل فهمها إن قدمت بهذه التقنية؟
- تجهيز المعدات: يمكن استخدام كاميرا احترافية تدعم التصوير بتقنية 360 درجة، أو استخدام تطبيقات تدعم التقنية وتجعل كاميرا الهاتف بديلة للكاميرا الاحترافية. الخيار هنا يتحدد وفق الإمكانيات المتاحة، بالإضافة لمعدات إضافية للكاميرا، مثل بطاريات خارجية وقضيب تمديد ورأس كروي للحامل الثلاثي، وميكروفونات قابلة للتعليق لتسجيل المقابلات والمقاطع الصوتية المحيطة والإضاءة.
- تصميم نموذج القصة المصورة “Storyboard”: والإعداد للقصة جيدا سواء قبل التصوير من خلال التخطيط للمشاهد التي ستصورها، واختيار أماكن وضع الكاميرا والتصوير بطريقة تثري القصة، أو قبل المقابلة الأساسية مع الشخصية الرئيسية للقصة، حيث لا بد من امتلاك فهم دقيق للشخصية والقصة، أو أثناء المقابلة فلا بد من طرح أسئلة مفتوحة، وكذلك المحافظة على التواصل البصري مع شخصية أثناء المقابلة أو أثناء التسجيل أمام الكاميرا والاختباء حتى لا تظهر في الصورة.
- المونتاج المبدئي، ويشمل خطوات المونتاج وإدارة البيانات والتنظيم وتجميع الصور، حيث يتم تجميع الملفات معا بحيث تتاح رؤية المشهد من زوايا متنوعة.
- النشر والتوزيع من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي تدعم التقنية مثل اليوتيوب والفيسبوك.
- إشكاليات أخلاقية حول ممارسة الصحافة بتقنية 360 درجة
رغم الترحيب بمقاطع الفيديو بتقنية 360 درجة لتمكينها الجماهير من الانغماس في بيئات ومواقف جديدة، مما يسمح بفهم أكبر والتفاعل مع “الأخبار”، فإن بحثا جديدا أجرته الأكاديمية في جامعة ستانفورد، تانيا أيتامورتو خلص إلى أن هناك بعض الجوانب السلبية الخطيرة لتلك الصحافة، حيث تعتمد معظم مقاطع الفيديو على المشاركة العاطفية المفرطة، ودرامية الأحداث مع إغفال بعض القواعد الكلاسيكية لما يجعل الصحافة جيدة.
ووفقًا لدراسة أيتامورتو التي نُشرت مؤخرًا في مجلة “New Media & Society”، غالبًا ما تخاطر مقاطع الفيديو بتقنية 360 درجة بتغيير الحقيقة، حيث يغلب المراسلون الرسائل الأيديولوجية والشخصية في مقاطع الفيديو الخاصة بهم، ما يجعل التقارير الصحفية تتحول إلى أسلوب اتصال أقرب إلى الإعلان أو العلاقات العامة أو الدعاية.
وتسلط الدراسة أيضًا الضوء على مفارقتين تميزان الصحافة بتقنية 360 درجة. الأولى تتمثل في أن العرض بزاوية 360 درجة يوفر تمثيلاً أكثر دقة للأحداث، لكن حرية المشاهد في اختيار مجال الرؤية يمكن أن تؤدي إلى تكوين صورة أقل دقة للقصة الخبرية.
أما المفارقة الثانية فتتعلق بالتلاعب بالصور، فالصحفيون يتنازلون عن المفاهيم التقليدية للدقة والموضوعية، ما يؤدي هذا إلى عدم وضوح الحدود بشكل متزايد بين الصحافة وممارسات الاتصال الأخرى مثل الدعاية والإعلان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقنيات التلاعب الجديدة والمعقدة تسمح للصحفيين بإضافة أو إزالة مواد في فيديو وثائقي بزاوية 360 درجة من خلال استخدام “الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر- computer-generated imagery”، و”المسح التصويري- photogrammetry”، و”الفيديو المجسم- volumetric video”، وتشكل طرق التلاعب المتقدمة هذه تحديات للحدود المعيارية للصحافة المرئية والكود الأخلاقي، الذي يقيد تغيير الصورة في الصحافة المرئية، بما في ذلك الفيديو بنطاق 360 درجة.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول، بأن القصص الصحفية بتقنية 360 درجة نموذج عملي للصحافة الغامرة التي توفر تجارب تفاعلية بين الجمهور والقصة الخبرية، فهي تتيح الفرصة لإمكانية مشاركة الجمهور، متجاوزة السرد التقليدي للقصص الصحفية، لكن “الرؤية الكروية- spherical view” تعقد فكرة الدقة، فقد يفوت المشاهد عناصر مهمة في القصة، وبالتالي يحصل على صورة جزئية فقط، بدلاً من الصورة الكاملة للقصة.