دراسات

العلاقات العامة الرقمية

 

في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، وموجة الرقمنة التي يشهدها العالم وانعكاسها على عمليات الاتصال المؤسسي، تنامى التوجه نحو تبني الآليات الرقمية في مجال العلاقات العامة، وذلك مع كبر حجم المنظمات واتساع رقعة انتشارها وزيادة أعداد المتعاملين معها.

وقد ألغت تلك الوسائل الرقمية حدود الزمان والمكان، وسهلت من عملية التواصل والحوار، وبناء العلاقات بين المنظمات والجماهير، وبالتالي فإن اتجاه ممارسي العلاقات العامة نحو استخدام الوسائل الرقمية والتفاعلية يعد خطوة لازمة للتكيف مع التغيرات، فقد فرضتها التحولات الرقمية والتي تسارعت وتيرتها مع الأزمات المتلاحقة التي يمر بها العالم، وآخرها أزمة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.

وقد سلطت دراسة نشرتها مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية، تحت عنوان “العلاقات العامة الرقمية: مراجعة نظرية للمفهوم وعوامل الظهور والتحديات” الضوء على تلك المسألة بهدف تقديم تأصيل علمي لمفهوم العلاقات العامة الرقمية وخصائصها، وتوضيح التمايز بينها وبين العلاقات العامة التقليدية، والتحديات التي تواجهها.

  • مفهوم العلاقات العامة الرقمية

يُقصد بالعلاقات العامة الرقمية أنها إدارة الاتصال بين المنظمة وجمهورها من خلال استخدام تطبيقات الإنترنت بما تتضمنه هذه التطبيقات من الموقع الإلكتروني والألعاب الإلكترونية وخدمات الرسائل النصية التي تقدم المعلومات عبر الإنترنت، ودمج النصوص والجرافيك والصور ومقاطع الفيديو.

ويمكن تصنيف العلاقات العامة الرقمية إلى فئتين من حيث التطور ومجالات توظيف التقنيات الرقمية، أولًا العلاقات العامة التي تستخدم تطبيقات (Web 01) وتعتمد على الموقع الإلكتروني والبريد الإلكتروني. وثانيًا العلاقات العامة التي تستخدم تطبيقات (Web 02) وتستند إلى وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر والمدونات واليوتيوب وغيرها.

واعتمدت الدراسة تعريفًا جامعًا مختصرًا للعلاقات العامة الرقمية بأنها “جهود وأنشطة العلاقات العامة المخططة والمقصودة وممارستها عبر الوسائل والنظم الرقمية الحديثة”. وبذلك تنقسم مكونات العلاقات العامة الرقمية إلى ما يلي:

  • جهود وأنشطة العلاقات العامة: حيث لم يحصر التعريف العلاقات العامة الرقمية في ممارسة الأنشطة الاتصالية فقط، ذلك لأن العلاقات العامة تتضمن أنشطة أخرى غير النشاط الاتصالي، ويمكن ممارستها عبر الوسائل الرقمية، مثل البحث وجمع المعلومات، حيث يتم إجراء استطلاعات الرأي عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يمكن لإدارات العلاقات العامة إجراء دراسات تتبعية لما يقوله الأفراد عن المنظمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحليل آراء وتعليقات الجمهور والرد عليها، كما يمكن وضع خطط العلاقات العامة، وتقويم برامجها من خلال التعرف على ردود الجماهير نحو تلك البرامج عبر الوسائل الرقمية التي تتيح التفاعل والحوار بين المنظمات والجمهور.
  • المخططة والمقصودة: يُقصد بها أن جهود العلاقات العامة وأنشطتها ليست عشوائية،  بل تُبنى وفقًا لمعلومات وخطط مدروسة، وهذه الجهود مقصودة أي تسعى لتحقيق أهداف معينة.
  • الوسائل الرقمية: تشير الوسائل في مجال الإعلام إلى الوسيط الاتصالي المستخدم في نقل الرسالة، وهذا يشمل هنا كل الوسائل الرقمية؛ مثل الحاسبات الآلية، وشبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمدونات، والهواتف الذكية، وغيرها.
  • النظم الرقمية: تشمل هنا مجموعة البرامج والتطبيقات المستخدمة في ترميز المعلومات ومعالجتها وتبادلها عبر الوسائل الرقمية، ومنها تطبيقات الحاسب الآلي؛ مثل برامج معالجة الصور، وحفظ واسترجاع المعلومات، وتطبيقات الهواتف المحمولة، وتطبيقات تحرير ومعالجة الصور والفيديوهات، وغيرها.
  • الفروق بين العلاقات العامة الرقمية والتقليدية

يمكن القول بأن العلاقات العامة الرقمية هي امتداد للعلاقات العامة التقليدية، فهما تسعيان لتحقيق ذات الأهداف، وتمران بنفس المراحل من بحث وتخطيط واتصال وتنسيق، لكن الاختلاف بينهما في الوسائل المستخدمة في تنفيذ الجهود والأنشطة، حيث تستخدم العلاقات العامة الرقمية وسائل ونظمًا رقمية حديثة، وتتمثل أبرز الفروق فيما يلي:

  • الوسيلة الاتصالية: تستخدم العلاقات العامة التقليدية وسائل الاتصال الشخصي والجمعي من محاضرات ولقاءات ومؤتمرات وندوات إلى جانب الاتصال الجماهيري من تلفزيون وراديو وصحف ومجلات وبروشورات وملصقات في نقل الرسالة المطلوب إيصالها للجمهور المستهدَف، أما العلاقات العامة الرقمية تستخدم المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والمدونات وأجهزة الهاتف الذكية وتطبيقاتها.
  • التحكم بالمحتوى الإعلامي: في العلاقات العامة التقليدية يتعرض المحتوى الذي تنشره للفلترة من قبل حراس البوابة في وسائل الإعلام التقليدية، ويتم ترشيح المحتوى وفقًا لما يتناسب مع سياسة تحرير الوسيلة الإعلامية، والمحتوى الوحيد الذي يتم التحكم به من قبل العلاقات العامة التقليدية هو الإعلانات، فضلًا عن المحتوى الذي يتم نشره عبر النشرات والمجلات التي تصدرها المنظمة، أما في العلاقات العامة الرقمية فقد سمحت الوسائل الرقمية للعلاقات العامة بالتواصل مباشرة مع الجمهور ودون مرور بحارس البوابة، وأصبح بالإمكان نشر المحتوى الذي ترفضه أو تتحكم فيه وسائل الإعلام التقليدية، والحصول على استجابة وردود أسرع من الجمهور.
  • الاتصال الخطي مقابل الاتصال المزدوج: يمكن القول بأن العلاقات العامة التقليدية ظلت خلال عقود تمارس نموذجي الوكالة الصحفية والإعلام العام (الاتصال الخطي) بدرجة كبيرة، أما العلاقات العامة الرقمية فاعتمدت بدرجة أعلى على الاتصال المزدوج في ممارسة نشاطها، مستفيدة في ذلك من الوسائل الرقمية التفاعلية، وتبادل الأدوار بين أطراف العملية الاتصالية.
  • الجمهور المتلقي مقابل الجمهور المشارك، فالأول يُعبّر عن حال الجمهور في حالة العلاقات العامة التقليدية، والثاني هو وضع الجمهور في ظل الرقمية.
  • خصائص العلاقات العامة الرقمية والتحديات التي تواجهها

التفاعلية والتزامنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي واللاتزامنية من خلال رسائل البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى سيطرة المستخدم، حيث قدرة الفرد على اختيار التوقيت المناسب والمحتوى، بجانب الاتصال ثنائي الاتجاه، ولا مركزية الاتصال أي تفتيت الجماهير عبر تقديم رسائل متعددة تُلائم الأفراد والجماعات الصغيرة.

أما عن التحديات التي تواجه العلاقات العامة الرقمية، فتتمثل في حاجة ممارسيها إلى التعلم والتدريب على الأدوات والوسائل الرقمية الحديثة، وتوظيفها لخدمة أهداف وأنشطة العلاقات العامة، بجانب مزج التخصص مع الأدوات الرقمية الحديثة، فالعلاقات العامة لا يمكنها أن تعمل بمعزل عن المتغيرات والتطورات التقنية، وكذلك توظيف الأساليب الإقناعية والكتابة الإبداعية في صياغة رسائل ومحتوى يحقق أهداف المنظمة، ويلبي طموحات وتطلعات جماهيرها.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن العلاقات العامة الرقمية تفتح آفاقًا جديدة للتواصل بين المنظمة والجمهور، وتسهم في تحرر المؤسسة من القيود على رسائلها عبر وسائل الاتصال التقليدية، غير أن التوظيف الفاعل والكفء للعلاقات العامة الرقمية يعتمد في المقام الأول على نشر معلومات متعددة الوسائط تُسهّل عملية تفاعل ومشاركة الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى