تقارير

سيكولوجية المؤثر وقبائل المتأثرين في البيئة الرقمية

أصبحت مدونات الفيديو للمؤثرين بمثابة منصات جذابة للمتابعين على مختلف مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وباتت مشاهدتها تمثل جزءًا كبيرًا من الاستهلاك اليومي للمتأثرين، مما جعل وسائل الإعلام تستعين بالمؤثرين في برامجها، فأحدثت تحولًا في الأنشطة الإعلامية والاتصالية والتسويقية والثقافية والاجتماعية والسياسية على حد سواء.

وقد أدى تطور تكنولوجيا الإعلام في اتجاه الرقمنة والذكاء الاصطناعي لتغيير في البيئة المعيشية للأفراد وأنماط الاستهلاك إلى حد كبير، وكذلك في دور الجمهور حيث أصبحت الحدود بين المتلقي والمرسل غير واضحة.

وفي هذا الإطار، تناولت دراسة بعنوان “سيكولوجية المؤثر وقبائل المتأثرين في البيئة الرقمية” المؤثرين والجمهور من الناحية السيكولوجية، نستعرضها على النحو التالي:

 

الخصائص السيكولوجية التأثيرية للمؤثرين

سلطت الدراسة الضوء على خصائص سيكولوجية تأثيرية بتمتع بها المؤثرين، وتمثلت فيما يلي:

  • السلطة والخبرة: يكون لدى المؤثرين معرفة متخصصة لبناء الأراء والقدرة على التغيير في الآراء أو السلوك لاعتقاد المتأثرين أن هؤلاء المؤثرين يمتلكون معلومات دقيقة، فباتباعهم يعتقدون أنهم يتخذون خيارات جيدة؛ كما يمتلك المؤثرون السلطة من عدد المتابعين لهم والمعلقين على مقاطعهم المصورة خاصة التى تبث مباشرة، وهو ما يجعلهم يظهرون كمراكز إعلامية لدرجة أن وسائل الإعلام تقوم بتوظيفهم لزيادة عدد المشاهدين.
  • القرب الاجتماعي أو المسافة الاجتماعية: قد ينظر المتأثر إلى المؤثر باعتباره نموذجا يحتذى به، ويكون أكثر ارتباطًا به من النماذج الأخرى (المشاهير، الرياضيين وما إلى ذلك)، وبهذه الطريقة يكون للمؤثرين قرب اجتماعي من المتابع وهو ما يجعل من السهل على المتابعين نسخ سلوك المؤثر على غرار ما يفعلون مع الأصدقاء أو المعارف.
  • الإثبات الاجتماعي والتوافق الثقافي والحاجة للانتماء:

يركز علم نفس المؤثر في حاجة الجمهور إلى الانتماء، فإذا وجدوا قرارا يحظي بشعبية لدى أشخاص آخرين، فيمكنهم اتخاذ القرار نفسه بأمان، لأنه تم التحقق من صحته، وعلى سبيل المثال عندما يروج المؤثر لعلامة تجارية أو منتج يمكنه إنشاء تأثير توافق نفسي على متابعيه.

 

قبائل المتأثرين المستهلكين وطبوغرافيا التواصل في البيئة الرقمية

تتشكل قبائل المتأثرين الاستهلاكيين عندما ينجذب المستخدمون إلى مؤثر أو فكرة، حيث يشترك هؤلاء المستهلكون في الكثير من نفس القيم وبالتالي يتبعون تفضيلات المؤثر، ويحاولون بشكل أساسي تأكيد هويتهم وعضويتهم داخل المجموعة من خلال سلوكهم الشرائي، ويربط الأفراد هنا عقدًا اجتماعيًا إذ يرغبوا في الحفاظ على مجموعاتهم الاجتماعية، لذا فهم يتوافقون مع قواعد المجموعة وهو ما يحدث في اليوتيوب والفيسبوك والإنستغرام، وإلا تعرضوا للاستبعاد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك خاصية تجذب المتأثرين وتجعلهم يشكلون قبائل افتراضية يتزعمها المؤثر وهى تبادل المعاملة بالمثل، فنظرًا لوجود اتصال شخصي متصور، ينبغي أن يكون المؤثر على استعداد لتقديم المساعدة للمتأثرين بالإجابة عن تعليقاتهم والإعجاب، فالمؤثر الذى يجيب على التعليقات ويكون لطيفًا مع متابعيه يكون قادرًا على طلب المزيد في المقابل.

وبجانب جاذبية التحيز، فقد تستند المصداقية المتصورة للمؤثر في الواقع إلى جاذبيته، كما لابد من التأكيد على تواتر التعرض، إذ يؤثر تكرار التعرض بشكل مباشر على ولاء المتأثرين لمجموعة ثقافية أو مؤثر، فكلما تم التعرض لنفس المحتوى زاد احتمال قبوله.

 

طبوغرافيا التواصل بين المؤثرين والمتأثرين في البيئة الرقمية

يستخدم المؤثرون مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع المتابعين المتأثرين، ويتم ذلك من خلال تبادل المعلومات عن الحياة اليومية بمختلف تفاصيلها من خلال عرض الصور ونشر التعليقات، ما يجعلهم قريبون من معجبيهم سيكولوجيًا وسوسيولوجيًا وثقافيًا، إضافة إلى أنهم يتواصلون عن طريق الأيقونات التى تعبر عن حالتهم النفسية وعواطفهم ومشاعرهم تجاه منشور معين لأصدقائهم.

ويستهدف المؤثرون التعبير عن الذات من خلال تغيير بياناتهم اليومية وملفاتهم الشخصية مرة واحدة إلى ثلاث مرات في الأسبوع، وهناك من يقوم بتحديث ملفه الشخصي كل بضعة أشهر، مما يدل على أنهم يستخدمون منصاتهم كشكل من أشكال الترويج الذاتي والتعبير عن الذات.

من جهة أخرى، يعد التفاعل الاجتماعي أساس نجاح العلاقة التواصلية بين المؤثر والمتأثرين وهو جزء رئيسي من مجموع العلاقات الاجتماعية، ويمكن أن يتخذ التفاعل أشكالًا عديدة، حيث يمكن التواصل عن طريق الألعاب أو تدوين المشاعر بشأن قضية معينة وأحيانًا يطرحون القضايا والأسئلة للنقاش ليكون هناك تفاعلات ونشاطات اجتماعية مستمرة.

وتـأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المؤثرين يكتسبون المزيد من القوة من خلال القدرة  على إنتاج المحتوى وتوزيعه بمساعدة التكنولوجيا الرقمية، كما أنهم قادرون على إنشاء ومشاركة أفكارهم وإعادة إبداعاتهم في البيئة الرقمية، أي يزاوجون بين الاتصال المنفعي باعتبار المؤثر مهنة، وبين تواصل إمتاع الذات حيث يستمتعون بالتواصل مع معجبيهم دون حواجز.

وختامًا، استطاع المؤثرون بفضل التكنولوجيا الرقمية بناء نموذج اجتماعي جديد عبر الإنترنت يقوم على تشكيل قبائل افتراضية يكون كل مؤثر بما يمتلك من شعبية بمثابة شيخ قبيلته، وهو ما يمكن تسميته بقبلية ما بعد الحداثة والتى تسمح بإحساس أكبر بالتماسك والانتماء بين المؤثرين والمتأثرين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى