أضحت إدارة الأزمة وظيفة من وظائف الإدارة الحديثة لما تتعرض له المنظمة من أزمات مفاجئة دون سابق إنذار، الأمر الذي يستوجب منها إيجاد استراتيجيات تمكنها من مواجهة الحالات الطارئة والاستثنائية التي تطرأ على المنظمة من حين لآخر، ومنها ما يعرف بـ”استراتيجيات الاتصال الأزموي” أو “استراتيجيات الاتصال خلال الأزمات”، والتي تحوي استراتيجيات اتصالية متنوعة بتنوع الموقف الخاص بالأزمة، وهو الأمر الذي سلطت عليه الضوء دراسة نشرتها مجلة “الإعلام والمجتمع” بعنوان “استراتيجيات الاتصال الأزموي في تفعيل وظيفة إدارة الأزمات”، نستعرضها على النحو التالي:
استراتيجيات الاتصال خلال الأزمات:
في ظل سعي الإدارة لإنهاء أي أزمة بأقل الخسائر الممكنة، عليها أن تأخذ زمام المبادرة في إدارة الأحداث وعدم الاكتفاء برد الفعل فقط، فعندما تُوجه الانتقادات أو الاتهامات من أطراف خارجية؛ مثل المؤسسات الإعلامية والرأي العام والجهات الحكومية والرقابية أو من جماهيرها، فلا بد لها من تقديم استجابات اتصالية وإعلامية للدفاع عن نفسها، والعمل على تفهم الجماهير لسياستها والسعي لكسب ثقتهم وتأييدهم، وهي استراتيجيات اتصالية يقوم بها فريق إدارة الأزمات في أي منظمة، وتختلف هذه الاستراتيجيات باختلاف الأزمات التي استحدثت لأجلها ومنها:
- استراتيجية الصمت:
بعض المُنظمات تعتقد أن الرأي العام لا يعرف بالأزمة، وأن بإمكانها الحفاظ على سريتها من خلال التعتيم على أحداثها، وبالتالي لا يقومون بأي رد فعل اتصالي، وهنا تلجأ وسائل الإعلام إلى البحث عن المعلومات من مصادر أخرى مما قد يؤدي إلى الإضرار بسمعة المنظمة، لذا يطلق عليها البعض استراتيجية التجاهل، لأن في هذه الحالة تحاول المنظمة اجتناب الحديث عن الموضوع، وإذا واجهت ضغوطات إعلامية فإنها ستبرر موقفها الصامت بعدم القدرة على المجابهة بسبب إرهاصات الأزمة.
- استراتيجية الإنكار:
حيث تنكر المنظمة وجود أزمة وتقدم المعلومات التي توضح ذلك، ويمكن التمييز هنا بين النفي البسيط والنفي المعقد، وتعود معايير هذا التصنيف إلى درجة تورط المؤسسة في الحادث، عدد الضحايا والخسائر، طبيعة الجمهور المستهدف.
- استراتيجية حائط الصد:
لا تعترف الإدارة في هذه الاستراتيجية بالخطأ، وترفض الاستجابة لضغوط القوى الخارجية، وتحاول صد محاولات الأطراف الخارجية المتعددة للحصول على معلومات عن الموضوع، في نفس الوقت الذي تفسر فيه الجماهير ووسائل الإعلام ذلك بأنه إخفاء لأخطاء كبيرة، وبذلك تزداد انتقاداتهم السلبية. وتتعرض المنظمة التي تستخدم هذه الاستراتيجية لخطر اتجاهات سلبية لدى الرأي العام عنها، إلا أن هذه الاستراتيجية غير الفعالة تكون هي الاستراتيجية المطلوبة في بعض الأزمات؛ مثل تلك المتعلقة بأمور شخصية أو أخلاقية، أو قضايا معروضة أمام القضاء.
- استراتيجية التملص من المسؤولية:
تسعى المنظمات من خلال هذه الاستراتيجية إلى نفي كلي لمرحلتين، وهما مرحلة الأزمة الحالية والأزمة السابقة، والتظاهر في النهاية بموقف الجهل بالأزمة. وفي هذه الاستراتيجية تحاول المنظمة تحويل المسؤولية في وقوع الأزمة إلى جهات أخرى، وإظهار أنها ضحية هي الأخرى، وأن الأزمة مجرد حادث مؤسف.
- استراتيجية التبرير والإنذار:
تعترف المنظمة بالخطأ وتعتذر عنه بأكثر طريقة ملائمة ولبقة، وتعلن تبريراتها وتفسيراتها له من خلال إعداد دفاع يتضمن معلومات حقيقيّة يقدمها المتحدث الرّسمي للمنظمة. وهي من التكتيكات النّاجحة والفعالة في إدارة الأزمة.
- استراتيجية الدفاع الهجومي:
تعتمد هذه الاستراتيجية على تخفيض حدة الهجوم على المنظمة وذلك بعدة أساليب منها:
- حرص من المنظمة على اعتبارات الصالح العام.
- التركيز على الأعمال الإيجابية للمنظمة.
- التقليل من مصداقيّة الناقدين.
- مواساة وتعويض المتضررين.
- استراتيجية الهجوم المضاد
تتصرف المنظمة إعلاميًا في ظل هذه الاستراتيجية بشكل هجومي، من خلال تجميع وحشد القوى الناقدة ودفعها داخل مجال الأزمة، كما تعمل على تحطيم المقومات الأساسية التي اعتمدت عليها هذه الأطراف في مهاجمة المنظمة.
وتصلح هذه الاستراتيجية للاستخدام في حالة تعرض المنظمة لحملة تشهير أو تناول أحداث الأزمة بشكل غير منصف، عبر اختلاق وقائع غير حقيقية وذكر قصص وهمية، وقد تستخدم المنظمة هنا حقها في اللجوء للقضاء.
- استراتيجية الأفعال التصحيحية
تقوم على الاعتراف بالمشكلة والتأكيد على العمل لمنع تكرارها، وذكر الخطوات التي تم اتخاذها لإصلاح الأضرار النّاجمة عن الأزمة، والتصريح بسياسة المنظمة المستقبلية في هذا الشأن، ويتميز أسلوب الخطاب الإعلامي فيها بالصدق والصراحة وتحري الدقة.
وتلقى هذه الاستراتيجية معارضة شديدة من المسؤولين القانونيين للمنظمة، لأن الاعتراف بالخطأ قد يؤدي إلى استخدام ذلك في رفع دعاوى قضائية ضدها، وقد يسبب لها خسائر مادية فادحة.
نماذج استراتيجيات الاتصال خلال الأزمات:
قدم المتخصصون مجموعة من النماذج التي يُمكن من خلالها التعامل مع الأزمات في مختلف مراحل إدارتها، من أهمها:
- النموذج المتوازن لإدارة اتصال الأزمة، يتم من خلال أربع مراحل وهي:
– إدارة القضايا: وتشمل مسح البيئة والبحث عن التوجهات التي قد تؤثّر على المنظمة مستقبلًا وجمع معلومات ثم تطوير استراتيجية اتصالية تمنع وقوع الأزمة.
– التخطيط من أجل المنع: وذلك عن طريق استحداث سياسة وقائية والتّحضير لخطط عامة أو خاصة، وتحديد الرسائل والوسائل والأهداف في خطة الاتصال.
– الأزمة: تعمل المنظمة أثناء الأزمة على تكوين فريق إدارة الأزمة، وتحليل التغطية السلبية لوسائل الإعلام، وتجديد الخطة متى تطلب الأمر ذلك، ثم العمل على استهداف الجماهير المناسبة وكسب تأييدها.
– ما بعد الأزمة: مواصلة الاتصال بالجمهور وبوسائل الإعلام، وإمدادهم بالمعلومات الجديدة والتقييم العام لخطة الأزمة، وتحديد مستوى نجاحها مع تحسينها وفقًا للتغذية العكسية المرتدة من توجهات الجمهور.
- نموذج جون بارنت:
قدم مجموعة من الاعتبارات الاستراتيجية التي ترتبط بإدارة الأزمة التي تعتبر في الأساس قضية استراتيجية، معتبرًا أن حل الأزمة استراتيجيًّا يتطلب من المدير ست مهام أساسية؛ وضع الأهداف، تحليل البيئة، صياغة الاستراتيجية، تقويم الاستراتيجية، تنفيذ الاستراتيجية، وأخيرًا الرقابة والسيطرة على الاستراتيجية.
ووفقًا لهذا النموذج فإن إدارة الأزمة تتم في ثلاثة أنشطة رئيسية:
- تحديد الأزمة: تتطلب القيام بتحليل بيئة المنظمة وتحديد الأهداف وفقًا لبحوث دقيقة ومركزة.
- مواجهة الأزمة: تتضمن هذه الخطوة صياغة استراتيجية لإدارة الأزمة، وتقويم البدائل المُحتملة لهذه الاستراتيجية.
- إعادة ترتيب أوضاع المنظمة: تشمل تنفيذ الاستراتيجية والرقابة عليها لحل الأزمة.
- نموذج لوكازيسكي:
يتضمّن عدّة مراحل للأهداف المعيارية للاتصال أثناء إدارة الأزمة، وذلك على النحو التالي:
- السياسة العامة للاتصال: وقد وضع لها عدّة معايير أساسيّة أهمها الانفتاح على الآخرين، والقدرة على الوصول إليهم، والرّد عليهم، والاستجابة الفوريّة.
- أولوية الاتصال: وهناك عدة اعتبارات لأولوية الاتصال يمكن ترتيبها كما يلي:
- الأولوية الأولى: خاصة بالمتأثرين مباشرة بالأزمة وهم الضحايا.
- الأولوية الثانية: العاملون وقد يكونون من الضحايا أيضًا.
- الأولوية الثالثة: تمثل الأفراد الذين تأثروا بشكل غير مباشر بالأزمة.
- الأولوية الرابعة: وسائل الاتصال والإعلام.
- القواعد الأساسية في الاتصال: الاتصال بالأفراد الأكثر تضررًا، الإعلام المحلي هو الأفضل، توجيه الخطاب بشكل مُوحد، اتخاذ القرارات الواضحة من خلال خطة إعلامية، التركيز على البعد الأخلاقي والإنساني في إدارة الأزمة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المنظمات بمختلف أشكالها ونشاطاتها ليست بمنأى عن الأزمات التّي تُهدد كيانها وبقاءها في السوق، لذلك من الضروري أن يكون لديها مجموعة من الاستراتيجيات الاتصالية القادرة على مواجهة تلك الأزمات والتغلب عليها.