ازدهرت خلال العامين الماضيين أنشطة التجارة والتسوق عبر منصات التواصل الاجتماعي، نظرًا لما تتميز به من سهولة وقدرة على الوصول للعملاء بسرعة، وبالقدر ذاته وصول الجمهور إلى المنتجات، وحققت تلك التجارة معدلات نمو متسارعة، فعلى سبيل المثال بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة 11 مليار دولار في العام الماضي 2021، بينما من المتوقع أن تمثل تجارة البث المباشر في الصين- بيع المنتجات عبر الفيديو المباشر على منصات مثل تيك توك – ما يصل إلى 20% أو 25% من المبيعات عبر الإنترنت في عام 2023 وهو ما دفع علامات تجارية متنوعة لتبني هذا التنسيق.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” الأمريكية مقالا يتناول سبب انجذاب المستهلكين إلى البث المباشر للتجارة، والدوافع التي تحفز الشركات على استخدام هذا التنسيق، فضلاً عن نوع النظام الأساسي الذي يجب اختياره، وكيفية اختيار المؤثرين، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
سبب انجذاب المستهلكين إلى البث المباشر للتجارة
يشاهد المستهلك في نموذج التجارة المباشرة عروض المنتجات التي يقدمها المؤثرون (يُطلق عليهم أيضًا اسم المضيفين أو المبدعين، ويشار إليهم باسم “قادة الرأي الرئيسيين” في الصين)، ويتم اختيار المضيفين بناءً على شخصيتهم أو تأثيرهم أو معرفتهم أو مزيج من هذه العوامل، فهم يساعدون في جعل التجربة مسلية للمشاركين.
وقد أظهرت الأبحاث أن الفيديو يحقق تفاعلًا أكبر مما تحققه النصوص أو الصور الفوتوغرافية. والآن بعد أن مضى على التجارة الإلكترونية التقليدية ربع قرن، يجد المستهلكون أن طرق عرض المنتجات في شكل نصوص أو صور باتت مسألة مملة، فأصبح من الصعب على مواقع الويب الأكثر شهرة – مثل أمازون- إثارة قدر كبير من الحماس، لا سيما بين الجيل ” “Z والمستهلكين الأصغر سنًا من جيل الألفية، لذا ليس من المستغرب أن تفضل هذه الشريحة من المستهلكين مقاطع الفيديو وتجارة البث المباشر.
ويعد انتشار الهواتف الذكية في كل مكان وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي من العوامل الدافعة أيضًا لهذا الإقبال، إذ خلصت العديد من الدراسات إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لها التأثير الأكبر على أنماط الشراء لدى مستهلكي الجيل ” “Z.
وعلى الرغم من أن معظم منصات الوسائط الاجتماعية الكبيرة في الولايات المتحدة تتبنى تجارة البث المباشر، يبدو أن التنسيق المفضل هو تيك توك، حيث يتمتع بميزة كونه مصممًا للفيديو، بينما يتم تحديث الأنظمة الأساسية الأخرى لاستيعاب الفيديو؛ كما أن أغلب جمهوره من الشباب – 41% من المستخدمين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا -، و90% من هؤلاء المستخدمين يفتحون التطبيق يوميًّا، وهو ما يعني أنه يوجد دائمًا جمهور تستهدفه العلامات التجارية على تيك توك.
وتخلق تجارة البث المباشر أيضًا إحساسًا بالانتماء للمجتمع، ففي حين أن التسوق التقليدي عبر الإنترنت هو أمر فردي، فإن التجارة عبر البث المباشر لها إحساس مشترك، وتتيح الفرصة لتكوين صداقات من خلال المشاركة في أحداث البث المباشر، فعلى سبيل المثال، يستخدم تيك توك خوارزمية لربط الأشخاص الذين لديهم اهتمامات مماثلة.
دوافع تحفز الشركات على استخدام ذلك التنسيق
أحد الأسباب الواضحة لتبني الشركات لتجارة البث المباشر هو زيادة الإيرادات على المدى القصير، ولكنها ليست السبب الوحيد؛ فوفقًا للمقابلات التي أجريت مع المديرين التنفيذيين في مجموعة من الشركات التي جربت التنسيق، هناك خمسة أهداف رئيسية:
- تحقيق مبيعات فورية: عادة ما يكون تعزيز المبيعات على المدى القصير هو الهدف للمنتجات والخدمات التي لا تكون باهظة الثمن أو معقدة. وفي الواقع، يرجع جزء كبير من نجاح منصة “Taobao Live” في الصين إلى البث المباشر في فئات المنتجات هذه.
- الوصول إلى شرائح مستهلكين جديدة: البث المباشر يعتبر أكثر شيوعًا بين أعضاء الجيل “Z” والشباب من جيل الألفية، الأمر الذي يجعله جذابًا للعديد من العلامات التجارية، لذا تعمد الأخيرة إلى الاستعانة بالمؤثرين، وتقيم فاعليات عبر قنواتهم على تيك توك؛ لأنهم أكثر قدرة على الوصول للشباب من القناة المملوكة للعلامة التجارية.
- طرح المنتجات الجديدة: أسهمت تجارة البث المباشر في تحقيق بعض النتائج المثيرة للشركات التي تطلق منتجات جديدة، مثل شركة جيمي تشو التي حققت نجاحًا كبيرًا في آسيا بإطلاق أحذية رياضية بأسعار عالية، وذلك من خلال الاستعانة بقادة الرأي الرئيسيين في فاعلية بث مباشر، حيث حصدت 16 مليون مشاهدة وباعت 300 زوج أحذية في دقائق معدودة.
- توعية المستهلكين: يعد البث المباشر وسيلة قوية ليس فقط لتوعية المستهلكين ببدائل المنتج أو فئاته، ولكن أيضًا لتعليم المستهلكين كيفية استخدام المنتج، ويظهر ذلك في عروض الأزياء وعروض الطهي.
- خلق ضجة: تولد أحداث التجارة المباشرة والإثارة التي يصنعها المضيفون مشاعر إيجابية تؤدي إلى الضجة، فعندما يتمتع المشاهدون بتجربة رائعة، فإنهم يتحدثون عنها بكثافة.
دليل للشركات
إذا بدأت شركة أو علامة تجارية الاعتماد على التجارة عبر البث المباشر، فعليها مراعاة العوامل الرئيسية الآتية:
- الدمج في استراتيجية التسويق الخاصة بك: البث المباشر ليس وسيلة تسويق مستقلة، بل مجرد قناة جديدة، ولذلك يجب أن يكون ما يتم تقديمه في البث المباشر متوافقًا مع خطط الإنتاج وأهداف الاتصال العامة للعلامة التجارية.
- التعرف على منحنى التعلم: يجب على المديرين طرح الأسئلة لتحسين نهجهم، مثل هل نصل إلى الجمهور الصحيح؟ هل نستخدم التكنولوجيا الصحيحة؟ هل المحتوى مناسب للجمهور؟ يقول المسؤولون التنفيذيون الذين يجرون أحداث تجارة البث المباشر عمومًا إن جهودهم الأولى كانت دون المستوى الأمثل، لكنهم تعلموا منها وبنوا عمليات ناجحة للأحداث المستقبلية.
- حدد المنصات المثلى: لدى العلامات التجارية مجموعة من الخيارات لتحديد المنصات الاجتماعية الأصلية التي سيتم الاعتماد عليها في إجراء التجارة المباشرة مثل تيك توك وإنستغرام وفيسبوك ويوتيوب، على أمل الاستفادة من جماهيرهم الهائلة؛ وأيضا منصات للتسوق مثل أمازون توفر إمكانات البث المباشر (Amazon Live) لمنح المشترين والبائعين طريقة جديدة للتفاعل؛ كما يمكّن موفرو البرامج، مثل “CommentSold” و”Bambuser” و”Firework”، الشركات من إدارة أحداث تجارية مباشرة على مواقع الويب والتطبيقات الخاصة بهم.
وبالنسبة للشركات، يعتمد اختيار النظام الأساسي إلى حد كبير على قطاعات السوق التي تحظى بالأولوية، لأن الأنظمة الأساسية المختلفة لها خصائص ديموغرافية مختلفة، ويجب أيضًا مراعاة المحتوى النموذجي المعروض على المنصات.
ضوابط اختيار المؤثرين
كقاعدة أساسية لا بد أن يكون هناك توافق بين شخصية العلامة التجارية والمؤثر. وقد تحتاج العلامات التجارية التي تستخدم أكثر من منصة إلى اختيار مجموعة متنوعة من المؤثرين. ويعتبر حجم المتابعين متغيرًا مهمًا عند اختيار المؤثر، لكن السؤال الذي يجب أن تطرحه العلامات التجارية يتمثل في: ما هو عدد المستهلكين الذي يُتوقع أن يجلبه المؤثر إلى حدث البث المباشر؟ وثمة بعض الجدل بين الشركات حول جدوى الاستعانة بفئة “ماكرو إنفلونسرز – Macro-Influencers” (هم الأشخاص الذين يمتلكون حجم متابعة يتراوح ما بين 40 ألفا ومليون متابع على أي شبكة اجتماعية)، مقابل “ميكرو إنفلونسرز– Micro-Influencers” (هم أناس عاديون أصبحوا معروفين بفضل معرفتهم التخصصية ولديهم ما بين ألف و40 ألف متابع على منصة اجتماعية واحدة(، علمًا بأن العملاء يعتبرون “ميكرو إنفلونسرز– Micro-Influencers” أكثر موثوقية.
وأخيرًا، يمكن قياس نجاح البث المباشر من خلال تتبع أربعة مقاييس، هي: حجم الجمهور، مشاركة الجمهور، المبيعات قصيرة المدى، والتأثير طويل المدى.