في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها بيئة الإعلام الرقمي، يتزايد استهلاك الأفراد للأخبار والتعليق عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما يقومون بالتعليق فإنهم غالبًا ما يعبرون عن مشاعرهم والتي قد تكون إيجابية أو سلبية، واللافت أن تلك التعليقات العاطفية تقود أحيانًا إلى التطرف في الموقف، وتُقلّل الثقة في مصدر الأخبار، وتُؤثر على تكوين الرأي واتخاذ القرار.
ومما لا شك فيه أن العواطف ضرورية في بيئة المعلومات المعقدة اليوم، لأنها تجذب انتباه القرّاء، وتُؤثر على عمق معالجة المعلومات، ومن الملاحظ تزايد المشاعر في التفاعلات عبر الإنترنت – مثل تعليقات المستخدم على منصات التواصل الاجتماعي – ويفرض ذلك أهمية فهم دور العواطف في هذه التعليقات كبوابة لنقل المعلومات وإدراك الأخبار، وتكوين الرأي في العصر الرقمي.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “Computers in Human Behavior” دراسة لتتبع حركة العين للتحقيق في مدى اهتمام الأشخاص بالمحتوى العاطفي على وسائل التواصل الاجتماعي وتذكرهم له، وكذلك مدى اهتمامهم بالمحتوى السلبي والإيجابي والغاضب والمخيف، نستعرضها على النحو التالي:
عينة الدراسة
أجريت تلك الدراسة التجريبية في مختبر هولندي، حيث جلس 169 طالبًا أمام جهاز تعقُّب العين وعُرض عليهم ثلاثة منشورات إخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت تلك المنشورات عبارة عن قصص إخبارية مصطنعة مصممة لتشبه منشورات فيسبوك، وقد صاحب كل منشور أربعة تعليقات تفاوتت في مدى كونها عاطفية وغير عاطفية، إيجابية أو سلبية، غاضبة أو مثيرة للخوف.
وتم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين هما مجموعة المعالجة التجريبية ومجموعة المعالجة الضابطة، وتم منح المشاركين في المجموعة التجريبية 30 ثانية فقط لقراءة المنشورات. كان من المفترض أن تعكس هذه الحالة المعالجة التي تتطلب مجهودًا منخفضًا والتي ينخرط فيها الأشخاص عادةً عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فيما سمح للمشاركين في المجموعة الضابطة بقراءة المنشورات بعناية ودون حد زمني.
وجرى استخدام جهاز تتبع العين لقياس حركات عيون الطلاب، والتي استخدمها الباحثون لتقييم انتباههم البصري، حيث قام الباحثون بحساب وقت السكون للمشاركين مع كل تعليق وقصة إخبارية، ولاحقًا قاموا بقياس تقدير المشاركين للمشاركات من خلال الاستبيان.
نتائج الدراسة
كان الهدف من هذه الدراسة هو التحقق من مدى الاهتمام بالتعليقات العاطفية على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي ومدى حفظ محتواها، ولم تجد أن الأفراد كانوا أكثر انجذابًا للتعليقات العاطفية مقارنة بالتعليقات غير العاطفية. ومع ذلك خلصت لاختلافات في مقارنة النغمات العاطفية في التعليقات، حيث وجدت الدراسة أن الطلاب في مجموعة المعالجة التجريبية أظهروا أوقاتًا أطول للسكون مع التعليقات السلبية مقارنة بالتعليقات الإيجابية، وهو ما يشير إلى أنه عندما أُجبر الطلاب على قراءة التعليقات بسرعة، فإنهم يقرؤون التعليقات السلبية أكثر من التعليقات الإيجابية.
ورأى فريق الدراسة أن هذه النتائج تتماشى مع التحيز السلبي، والذي يعني أن الأشخاص يضعون أهمية أكبر على المعلومات السلبية من المعلومات الإيجابية. ومع ذلك، لم يكن من المرجح أن يتعرف المشاركون على المعلومات حول المشاركات السلبية مقارنة بالمنشورات الإيجابية، ويشير هذا إلى أن المشاركين ربما كان يمكن أن يتجنبوا هذه المعلومات السلبية حتى لا يتذكروها لاحقًا.
في المقابل، أظهر الطلاب في المجموعة الضابطة أوقاتًا أطول للسكون واهتمامًا أكبر بالتعليقات الغاضبة مقارنة بالتعليقات المخيفة، ويشير هذا إلى أنه عندما تم منح الطلاب متسعًا من الوقت لقراءة التعليقات، كان من المرجح أن يقرؤوا ويتذكروا تفاصيل القصة للتعليقات الغاضبة عن التعليقات المخيفة.
توصيات الدراسة
كشفت نتائج الدراسة عن رؤى حول التأثيرات التي يمكن أن تحدثها تعليقات المستخدم العاطفية السلبية على الانتباه ومعالجة المعلومات عندما يقرأ الأفراد الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أنها تكشف عن فرصة لمجموعة كبيرة من الدراسات الأخرى، فقد أظهرت أنه من المهم التمييز بين المشاعر السلبية المنفصلة (على سبيل المثال الغضب مقابل الخوف)، لأنها يمكن أن تؤثر على القراء بطرق مختلفة بشكل كبير.
وأوصت الدراسة بإجراء بحوث مستقبلية من أبرزها اختبار تأثيرات المشاعر المختلفة والإشارات العاطفية واستراتيجيات المعالجة، بالإضافة إلى مختلف موفري الأخبار وتنسيقاتها وموضوعاتها. وأكدت ضرورة أن يأخذ البحث المستقبلي في الاعتبار كيف يمكن أن يثار الأشخاص عاطفيًا عند قراءة تعليقات عاطفية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن هذه الدراسة تُسهم في فهم أفضل لكيفية تأثير معالجة المعلومات المحملة بالعاطفة على تصورات القراء للقصص الإخبارية بشكل عام، كما أنها تفتح المجال أمام دراسات أخرى يراعى فيها الاختلافات بين شرائح الجمهور سواء من الناحية العمرية (كبار وصغار السن) أو من ناحية النوع (الرجل والمرأة).