تقارير

نحو نظرية وسائل تواصل اجتماعي معيارية للعلاقات العامة

يعتبر بناء النظرية أمرًا ضروريًّا لفهم الظواهر والقرارات والممارسات سواء في العلوم الاجتماعية والإنسانية أو أي مجال بحثي آخر، وهناك فرق بين توسيع أو صقل نظرية موجودة بالفعل، وبين بناء أو اقتراح نظرية جديدة؛ إذ إنه من حين لآخر يحدث شيء ثوري يضطر العلماء لقبول واقع وحقائق جديدة يترتب عليها قبول نظرية ما.

وفي ظل التعقيد الذي تتسم به وسائل التواصل الاجتماعي، وجهود الباحثين من مختلف المجالات لدراسة التواصل في سياقات تلك المنصات المتنوعة، تشتد الحاجة إلى فهم أفضل لهذه المنصات وكيف يمكن أن تساعد في ممارسة العلاقات العامة؛ وهو ما سلطت عليه الضوء دراسة نشرتها مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية بعنوان “نحو نظرية وسائل تواصل اجتماعي معيارية للعلاقات العامة” ترجمها الدكتور جنيح أمين من جامعة محمد الصديق بن يحيى بالجزائر نستعرضها على النحو التالي:

 

  • تطبيق نظريات الإعلام في العلاقات العامة

يعامل العديد من الباحثين وسائل التواصل الاجتماعي على غرار وسائل الإعلام الجماهيري، بمعنى أنها أداة للتواصل بين المُرسِل والمُستقبِل، مستدعين أي نظرية اتصال جماهيري تناسب موضوع الدراسة، بل وفي كثير من الأحيان ينظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنها أدوات تراسل ذات اتجاه واحد لا تخدم أي غرض علائقي.

وفي مقابل تلك الرؤية، ظهر تيار يسعى لفهم وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها علاقات عامة وظاهرة اتصالية وليس مجرد ناقل للرسائل، مشيرين إلى أن وسائل التواصل تؤثر على الهوية الشخصية والعلاقات والشعور بالذات، الأمر الذي يحتم الحاجة إلى نظريات ومفاهيم قائمة على الخطابة والتواصل، حيث يحتاج أخصائي وباحث العلاقات العامة إلى تفسيرات تواصلية للظاهرة ومبررات لتركيز انتباهه من منطقة إلى أخرى.

كما يحتاج الباحثون والمهنيون إلى فهم أفضل لنظرية وسائل التواصل الاجتماعي نفسها، بدلا من التعامل مع هذه الوسائل كحل سحري يكون مجرد استخدامه كافيًا للنجاح، أو كأداة اتصال محايدة تمامًا لا تضفي شيئًا خاصًّا على الرسائل. وقد حدد الباحثون نظريات من الاتصال الجماهيري والسينما والاتصال الشخصي والفلسفة وغيرها من التخصصات كنظريات اجتماعية ذات صلة مثل الاستخدامات والإشباعات والتفاعل شبه الاجتماعي والحوار والأطر، ولكن لم تظهر حتى الآن أي نظريات يمكن تسميتها بـ “نظريات وسائل التواصل الاجتماعي للعلاقات العامة”.

 

  • مقاربات العلاقات العامة السائدة لوسائل التواصل الاجتماعي

سعت الدراسة لتتبع جذور وسائل التواصل الاجتماعي في أدبيات العلاقات العامة، حيث تم استخدام كلمة وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة في دراسة أجريت عام 1998، لكن الدراسة الأولى حول وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة لم تظهر في الأدبيات إلا في عام 2008، بالإضافة إلى ذلك كانت المدونات هي الأشكال الأولى لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم ذكرها لأول مرة في الأدبيات عام 2003 والمقالات العلمية المكتوبة عام 2006 وتم ذكر تويتر وفيسبوك لأول مرة عام 2008 وجرت دراستهما في عامي 2008 و2009 على التوالي.

وسرعان ما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت جزءًا مركزيًا في بحوث العلاقات العامة، وباتت هناك أربع مقاربات لتناول العلاقات العامة تتمثل في الحوار والالتزام والحضور الاجتماعي والصوت البشري التحادثي. ولأكثر من عقدين سعى الباحثون لتقييم ما إذا كان الإنترنت ولاحقًا وسائل التواصل الاجتماعي قادرة على العمل كأدوات اتصال حوارية.

 

  • نظرية وضعية أم قيمية

واعتبرت الدراسة أن السؤال الذي يحتاج إلى إثارة هو ما نوع النظرية التي نريد تطويرها لوسائل التواصل الاجتماعية في العلاقات العامة؟ فبينما تصف النظريات الوضعية الممارسة الفعلية فإن النظريات المعيارية هي قيمية وتخدم وظيفة أخلاقية، مشيرة إلى أنه يمكن بالطبع تطبيق المقاربتين عند النظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي من منظور الحوار والالتزام.

ونوهت أن العديد من الدراسات رصدت إمكانات الحوار عبر منصات التواصل الاجتماعي والتي تمثلت في التغذية العكسية الحوارية والمعلومات المفيدة، وتشجيع الزيارات المتكررة، مشيرة إلى أن الحوار بشكل عام يتضمن أيضًا عددًا من الميزات الأخرى مثل الثقة والتقدير الإيجابي غير المشروط والرغبة في التغيير.

هذا وتتضمن المقاربة الحوارية للعلاقات العامة جهودًا لبناء علاقات غير زائفة بين الأشخاص أو على الأقل لإجراء محادثات تنطوي على الثقة، ومعالجة قضايا المخاطر والسلطة والتسلسل الهرمي.  بالإضافة إلى ذلك يعد الالتزام واحدًا من مفاتيح ممارسة العلاقات العامة الحوارية، ولذلك الالتزام آثار إيجابية فهو يستخدم كأداة لتحفيز الموظفين وجذب العملاء، بالإضافة إلى أنه كنشاط أخلاقي يُوجِد حالة من الثقة وحُسن النية للمنظمات والموظفين وأصحاب المصلحة والجماهير.

أما عن الحضور الاجتماعي والصوت البشري التحادثي فقد اكتسب الأخير بعض الزخم من منطلق النظر إليه كوسيلة مفيدة للتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم وصفه بأنه طريقة جديدة لحديث الشركات المتميزة عن الاتصالات التجارية والتسويقية التقليدية، فهو مثل الخطاب الإداري لا ينطوي على أي التزام حقيقي، ويحاول فقط أن يبدو أكثر حميمية.

 

وختامًا، نخلص مما سبق إلى أن معظم دارسي وباحثي العلاقات العامة تعاملوا مع وسائل التواصل الاجتماعي -بنظرة قاصرة- كقناة اتصال مفيدة في وقت الأزمات وإدارة القضايا وخدمة العملاء والتسويق وتعزيز صورة العلامات التجارية وزيادة أرباحها، وكأداة للتغيير الاجتماعي وإجراء اتصالات للصالح العام، غير أن أحدًا لم يبذل الجهد الكافي لتطوير نظرية لتحليل أنشطة العلاقات العامة عبر منصات التواصل الاجتماعي تُحدد تكتيكات لاستخدام هذه الوسائل في العلاقات العامة، وتضع معايير لقياس فاعلية الرسائل مع مراعاة خصوصية كل منصة، وقبل كل ذلك تحديد الضوابط والقيود الأخلاقية لممارسة العلاقات العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى