إنفوجرافيكتقارير

الحماية الدولية للصحفيين خلال النزاعات المسلحة

أثار اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وإصابة زميلها علي السمودي أثناء تغطيتهما لاقتحام مخيم جنين بالضفة الغربية، موجة تنديد عربية ودولية، ومطالبات بفتح تحقيق فوري وشامل من أجل محاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة، وكذلك تساؤلات عن حدود الحماية الدولية التي يتمتع بها الصحفيون والمراسلون والإعلاميون أثناء تغطية الحروب والنزاعات المسلحة.

وقد بلغت ظاهرة الاعتداء على الصحفيين والإعلاميين حدًّا بالغًا من الخطورة على الرغم من وجود قواعد حماية دولية مقررة، لكن العديد من أطراف النزاعات سواء أكانوا دولًا أو جماعات مسلحة تتجاهلها، فالأمر لم يعد مجرد اعتداء فقط، بل ظاهرة تكتسي طابعًا ممنهجًا وفق استراتيجية محكمة في غالب الأحيان من قتل واختطاف واعتقال إلى قصف محطات الإذاعة والتلفزيون، وهو ما تجسد في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي تضمن مقتل وإصابة عدد من الصحفيين والإعلاميين العرب والأجانب جراء هجمات صاروخية وقصف أمريكي استهدف مقراتهم في بغداد وفي مقدمتها فندق فلسطين ببغداد الذي كان يستخدمه الإعلاميون لتغطية الغزو، فضلًا عن مقتل صحفيين أجانب على يد جماعات إرهابية في ظل النزاعات المسلحة بسوريا وليبيا وأفغانستان.

أما عن الأراضي الفلسطينية المحتلة تحديدا، لقي 48 صحفيًّا حتفهم منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، بحسب تقديرات لجنة دعم الصحفيين الفلسطينيين.

ومن هذا المنطلق، نسلط الضوء في التقرير التالي على طبيعة الانتهاكات التي يواجهها الصحفيون في مناطق الحروب والصراعات المسلحة، والأطر القانونية الدولية التي توفر الحماية لهم، مع توصيات في هذا الصدد.

  • فئات الصحفيين وطبيعة الانتهاكات التي يتعرضون لها

ميز القانون الدولي الإنساني بين الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة، والمراسلين الحربيين الملحقين بالقوات العسكرية، ويقع على عاتق الصحفيين مجموعة من الواجبات أثناء تغطية النزاعات المسلحة، تتمثل في عدم المشاركة في الأعمال العدائية، ارتداء المعدات اللازمة للوقاية؛ مثل الخوذ والسترات المضادة للرصاص والمدون عليها كلمة “صحافة – Press”، بالإضافة إلى الالتزام بأخلاقيات المهنة وآدابها.

وفي مقابل تلك الواجبات يتمتع الصحفي بحقوق وهي ليست امتيازات فئوية أو حقوقًا خاصة، بل إنها حقوق عامة يمارسها الصحفيون نيابة عن المجتمع بهدف النهوض برسالة الصحافة في كشف الحقائق، وتبصير الرأي العام، ويمكن تلخيصها في 3 نقاط: أولها حق الصحفي في الحصول على المعلومات، وعدم إجبار الصحفيين على إفشاء مصادر معلوماتهم، وعدم جواز توقيف الصحفيين.

لكن الواقع العملي على الأرض يشهد انتهاكات عديدة يتعرض لها الصحفيون خلال وجودهم في مناطق الحروب والنزاعات، وهي لا تختلف عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون الموجودون في مناطق النزاع المسلح، إذ إنها تمس حرمة الجسد والكرامة الإنسانية ومن أهم أشكالها القتل والضرب، والجرح المتعمد، والتعذيب، والاغتصاب، وتبقى الانتهاكات المانعة للحرية أو المقيدة لها من أنواع الانتهاكات المنتشرة التي يتعرض لها الصحفيون لأسباب قد يكون لها ما يبررها أو العكس، ومن أهم أشكالها الحبس والاعتقال والاختطاف والطرد.

يضاف إلى ذلك، الانتهاكات المعنوية المتمثلة في أفعال تهدف إلى إشاعة الرعب في نفوس الصحفيين أو إهانتهم للضغط عليهم من أجل توجيههم نحو نقل فكرة معينة تناسب سياسة بعض الأطراف المتنازعة أو حرمانهم من الأدوات التي من خلالها يستطيعون ممارسة أعمالهم.

  • الاتفاقيات والقرارات الدولية التي تؤطر الحماية القانونية للصحفيين

كفلت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 الحماية للصحفيين باعتبارهم أشخاصًا مدنيين، وتكفل حمايتهم أثناء النزاع المسلح، والذي قد ورد في المادة 79 و52 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الذي ينص على حماية الصحفيين بالنزاعات العسكرية والحماية العامة للأعيان المدنية. ويعتبر ما يتعرض له الصحفيون– الذين يمكن التعرف عليهم من خلال ما يرتديه في الميدان (السترة الواقية الخاصة بالصحافة)- من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بحسب ما جاء في المادتين 7 و8 من ميثاق روما (النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998.

بالإضافة إلى تلك المواثيق الدولية، كان لمجلس الأمن الدولي إسهام في هذا الإطار بإصداره  بالإجماع القرار رقم 1738 لعام 2003  بخصوص حماية الصحفيين في أوقات النزاع المسلح وقد تضمن ما يلي:

  • إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم في حالات النزاع المسلح.
  • ضرورة اعتبار الصحفيين أشخاصًا مدنيين يجب احترامهم وحمايتهم بصفتهم هذه، شريطة ألا يقدموا على أي عمل يضر بوصفهم كمدنيين.
  • الإشارة إلى أن المعدات والمنشآت الخاصة بوسائل الإعلام تُشكل أعيانًا مدنية، ولا يجوز أن تكون هدفًا لأي هجمات أو أعمال انتقامية.
  • إدانة أعمال التحريض على العنف ضد المدنيين في حالات النزاع المسلح.
  • مطالبة جميع الأطراف في أي نزاع مسلح بالامتثال التام للالتزامات المنطبقة عليهم بموجب القانون الدولي والمتعلقة بحماية المدنيين في النزاع المسلح بمن فيهم الصحفيون وموظفو وسائل الإعلام والأفراد المرتبطون بهم وبذل قصارى الجهد لمنع ارتكاب انتهاكات القانون الإنساني الدولي ضد المدنيين بما في ذلك الصحفيون.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن قواعد القانون الدولي الإنساني، قد أضفت صفة الشخص المدني على الصحفي، على الرغم من الاختلاف الواضح بينهما، فتتم معاملته بنفس معاملة الشخص المدني بالرغم من وظيفة الصحفي أثناء النزاعات المسلحة التي تجبرهم على الوجود في بؤر النزاع الخطرة رغبة منه في الحصول على سبق صحفي وتغطية الحدث أولًا بأول، بينما المدني دافعه الرئيسي أثناء النزاعات المسلحة الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن الخطر والاشتباكات، وهذا يستدعي النظر إلى وضع الصحفي بصفته تلك وليس بصفته مدنيًا.

وأخيرًا، ينبغي التأكيد على وجوب التحرك الفاعل نحو استحداث آليات فعالة تضمن ملاحقة ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الصحفيين في مناطق النزاعات والحروب، لأن الإفلات من العقاب يشجع على المزيد من الانتهاكات التي تصل لحد ممارسة إعدامات ميدانية للصحفيين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى