في ظل التنافس بين الشركات والعلامات التجارية الفاخرة على استقطاب العملاء، يُلجأ إلى اتباع استراتيجيات تسويقية ومداخل ترويجية متعددة؛ من بينهااستراتيجية “التسويق بالندرة– scarcity marketing”، التي تقوم على التوفر المحدود للمنتج لجذب العملاء لشراء السلعة، في حين يشعر العملاء بالرضا من الحصول على تلك المنتجات الحصرية أو النادرة ذات الجودة العالية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلامات التجارية الفاخرة تتمكن من جذب العملاء حتى أثناء الانكماش الاقتصادي، فعندما كان الركود يلقي عبئًا ثقيلًا على المستهلكين في عام 2011، شهدت سوق السلع الفاخرة نموًّا بنسبة 10%، إذ أبلغت العديد من الشركات الفاخرة، مثل Tiffany & Co و Louis Vuitton Moet Hennessy Group ، عن زيادة بنسبة 20% تقريبًا في المبيعات في ذلك العام، ما يثير تساؤلًا حول التكتيكات التي تستخدمها العلامات التجارية الفاخرة لتحقيق مبيعات عالية وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
● ما استراتيجية التسويق بالندرة؟
يعتبر التسويق بالندرة أسلوبًا تستخدمه فرق التسويق لتشجيع العملاء على الشراء قبل نفاد المنتج أو انتهاء الخصم، حيث يتم طرح عروض ترويجية لفترة قصيرة، لاستهداف العملاء الذين يكونون أكثر ميلًا لإجراء عملية شراء للتأكد من حصولهم على المنتج قبل نفاده.
وتتعدد أساليب التسويق بالندرة التي تساعد على زيادة المبيعات، ومن بينها اقتراب نفاد المنتجات من المخزون الذي يشجع العملاء المترددين على سرعة إجراء عملية الشراء، وكذلك خصومات الوصول المبكر، وهي عبارة عن تخفيضات أسعار للعملاء المخلصين للحصول على السلعة قبل أي شخص آخر، وأيضا المكافأة لفترة محدودة، حيث يتم استخدام هذا التكتيك عندما يكون لديك الكثير من المنتجات المخزنة بشكل زائد ولا ينتج عن طرحها كمكافأة خسارة لشركتك، فهذا الأسلوب يشجع المتسوقين على الشراء. ومن بين الأساليب أيضًا تسليم المنتج في نفس اليوم أو اليوم التالي، وكذلك إظهار عددالعملاء المهتمين بشراء المنتج.
● مزايا وعيوب التسويق بالندرة
يستتبع تطبيق استراتيجية التسويق بالندرة العديد من المزايا وكذلك العيوب، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
أولًا: فوائد استخدام التسويق بالندرة:
- يخلق المزيد من الطلب على المنتجات: غالبًا ما يؤدي التسويق بالندرة إلى زيادة الطلب على المنتجات لأنه يقلل من توفرها ويزيد من حصريتها. وقد يساعد هذا الطلب في نشر الوعي بالمنتج عندما يشاركه العملاء مع الأصدقاء، ويجعل المتسوق المهتم أكثر حماسًا للحصول على المنتج أو الشراء بالسعر المطروح.
- تحفيز العملاء على الشراء بدلاً من الانتظار: يفضل بعض العملاء التفكير لفترة طويلة قبل أن يقرروا الشراء، وهذا ما يؤدي غالبًا إلى تباطؤ اتجاه العميل لاقتناء المنتج، لكن مع استخدام التسويق بالندرة، يتولد شعور أقوى بالإلحاح لتحفيز هؤلاء العملاء على الشراء قبل نفاد المنتج أو انتهاء فترة السعرالمخفض.
- تحسن النظرة إلى الشركة الناتج عن الإحالات: عادةً ما يشارك العملاء المعلومات حول العروض والعناصر الحصرية مع أصدقائهم وعائلاتهم، لذا فإن استخدام تكتيكات الندرة في الدعاية والإعلانات يمكن أن يزيد من رؤية شركتك، ويزيد من قاعدة عملائك. كما يمكن أن يؤدي استخدام مؤشرات الندرة عبرالإنترنت، مثل أجهزة ضبط الوقت (أي وضع عداد زمني تنازلي عن موعد انتهاء العرض)، مع التسويق الرقمي إلى تحسين احتمالية إقبال العملاء علىالشراء.
ثانيًا: عيوب التسويق بالندرة والتغلب عليها:
- يلفت الانتباه بعيدًا عن المنتج: يمكن للتسويق العاجل أحيانًا أن يصرف الانتباه عن المنتجات إذا جعلت العد التنازلي والمخزون المحدود واضحًا للغاية، أو ركزت على تفرد المنتج أو السلعة بدلاً من الفائدة، لذلك حاول الموازنة بين تقنيات التسويق بالندرة وبين المعلومات حول جودة المنتج، وكيف يمكن أن تعود بالفائدة على حياة العميل والقيمة التي تجلبها.
- يسبب ضغوطًا على العملاء: قد يشجع التسويق بالندرة بعض المتسوقين، لكنه قد يسبب ضغطًا على البعض الآخر لإجراء عمليات شراء، وقد يثنيهم عنالتسوق بسبب التحديات المحتملة. وللتغلب على ذلك، يجب استخدام أساليب الندرة بشكل غير متكرر لجعلها أكثر خصوصية والسماح للعملاء بأخذ وقتهم فيالشراء.
- لا يؤدي دائمًا إلى زيادة قاعدة العملاء: بينما يمكن لتقنيات الندرة أن تزيد من قاعدة عملائك عند مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي أو بين الأصدقاء، قد يقوم بعض المتسوقين بالشراء مرة واحدة فقط ولا يصبحون عملاء مخلصين للعلامة التجارية.
ويمكنك مواجهة ذلك عن طريق إرسال بعض الخصومات للعملاء الحاليين فقط، كالموجودين في قائمة بريدك الإلكتروني.
● تجربة شركة آبل مع التسويق بالندرة:
تعتبر شركة آبل من النماذج الأكثر بروزًا على استخدام استراتيجية التسويق بالندرة، فهي تدرك أن تلك الاستراتيجية تمكنها من تسريع الطلب على المنتج،حيث تشجع هذه الندرة الزائفة على الشراء في وقت أقرب وربما شراء أكثر من المعتاد.
ويظهر ذلك في تصميم الدعاية قبل إطلاق الإصدار الجديد من آيفون في الأسواق، ليس فقط لتغذية الطلب، ولكن لخلق الوهم بأن الإمدادات ستكون محدودةفتستخدم عبارات مثل “الكمية محدودة“، أو “الأولوية لأسبقية الحضور“، وهو ما يؤدي إلى طوابير طويلة أمام نقاط بيع المنتج.
ووفقا لنظريات علم النفس ترتبط قيمة الندرة هذه بمفهومي الدليل الاجتماعي والالتزام؛ إذ يمثل الدليل الاجتماعي الاعتقاد بأن الناس يحكمون على منتج ما أنه عالي الجودة نظراً إلى ندرته، فيما يشير مفهوم الالتزام إلى ازدياد رغبة الناس في شيء يريدونه عند عدم قدرتهم على امتلاكه، بحسب مجلة “هارفاردبيزنس ريفيو” الأمريكية.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن آبل تستخدم بجانب التسويق بالندرة استراتيجية “التقادم المخطط– Planned Obsolescence” التي تقضي بتصميم المنتجات بحيث تكون قابلة للاستخدام لمدة زمنية محددة، وبعد انقضائها تصبح غير مفيدة أو ملائمة، ويجب استبدالها من خلال منتجات محدّثة، حيث تهدف من وراء هذه الاستراتيجية إلى ضمان الطلب المستقبلي على منتجاتها.
وختامًا، لقد تغيرت أساليب التسويق بشكل كبير على مر العقود، ومع ذلك تمكنت العلامات التجارية الفاخرة من الحفاظ على مكانتها القوية والطلب على منتجاتها، نظرًا لاتباعها استراتيجيات تسويقية تلعب على وتر الجوانب النفسية والعاطفية لدى العملاء ورغبتهم في التفرد والتميز، فضلًا عن الاتجاه نحو خلق تجربة فاخرة في العالم الرقمي عبر استخدام أساليب التسويق الرقمي المتطورة، والتسويق المؤثر ومنصات الوسائط الاجتماعية بشكل استراتيجي لزيادة بناء اتصال العلامة التجارية من خلال الجاذبية المرئية وتلبية رغبات الجمهور المستهدف أينما كان.