في السابع عشر من فبراير الماضي، أطلقت الصين حلمها في مجال البيانات مشروع “Eastern Data Western Computing”، الذي لا يزال يحتل العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام في الصين، ويراه معظم كوادر الحزب الشيوعي الصيني وعامة المواطنين الصينيين أنه يعتبر انطلاقة لخطة بكين لبناء نظام متكامل على الصعيد الوطني لمراكز البيانات الكبيرة، ونقطة محورية في الخطة الوطنية الرابعة عشرة للمعلوماتية، وأحد العناصر الفرعية في استراتيجية “الصين الرقمية”.
وتهدف الصين من تأسيس نظام متكامل لمراكز البيانات الكبيرة إلى توليد قوة الحوسبة، وهذا النظام الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم “شبكة طاقة الحوسبة الوطنية”، سيعالج الكثير من البيانات بسرعة عند اكتماله.
ويشير رئيس قسم البحث والتطوير في خط إنتاج اتصالات البيانات من هواوي أن الهدف طويل المدى من “شبكة الطاقة الحاسوبية” هو وضع الدولة بأكملها على جهاز كمبيوتر واحد.
هذا وتتضمن استراتيجية الصين الرقمية عنصر اندماج بشكل عسكري-مدني، بحيث يمكن أن تحمل هذه الشبكة كل شيء من البيانات الشخصية والتجارية والحكومية والحزبية، وربما حتى البيانات العسكرية، وفقًا لمجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية.
ومما لا شك فيه أن تلك المهمة ستكون صعبة للغاية – وفقًا للخبراء الصينيين- لكن جريدة الشعب اليومية، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، ذكرت في الأول من مارس أنه في عصر الاقتصاد الرقمي، ستكون قوة الحوسبة ضرورية للحفاظ على المياه في مجال الزراعة أو الكهرباء في مجال الصناعة، فهي الأساس الجديد لتنمية الاقتصاد الوطني، ومجال التركيز الجديد للمنافسة العالمية. وكل هذا يعني أن هذه مسابقة لا تعتقد بكين أنها يمكن أن تخسرها.
- أهمية إطلاق المشروع لمستقبل الصين
كتب قو تيان آن، مدير مختبر ابتكار البيانات الضخمة في مركز أبحاث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني، مقالًا في وقت سابق من شهر أبريل الجاري في نافذة إعلامية متخصصة في شؤون التكنولوجيا تابعة لإشراف وزارة الصناعة والمعلومات الصينية، شرح فيه أهداف مشروع Eastern Data Western Computing لعامة المواطنين، وقد أصبحت نقاطه الرئيسية الآن تُمثّل السرد المركزي للحزب الشيوعي حول أهمية إطلاق المشروع لمستقبل الصين، وتمثلت فيما يلي:
أولاً، يوفر المشروع تصميمًا عالي المستوى لشبكة طاقة الحوسبة الصينية، حيث سيقوم بإزالة التكرار وعدم الكفاءة في تخطيط قوة الحوسبة الوطنية الشاملة، وتحديدًا ستعمل الخطة على تحسين التوازن في العرض والطلب في مركز البيانات، عن طريق نقل البيانات من المنطقة الشرقية الأكثر تطورًا في الصين، حيث توجد معظم البيانات إلى المنطقة الغربية الأقل تطورًا ولكن الغنية بالطاقة حيث ستتم معالجتها.
ثانيًا، تتمتع الصين بوضع يُمكّنها من بناء سوق البيانات واسع النطاق في العالم، فمع المجموعة الهائلة من موارد البيانات في الصين، سيساعد مشروع Eastern Data Western Computing في الكشف بشكل أفضل عن قيمة البيانات كمورد إنتاجي. فالهدف ليس مجرد سوق وطنية للبيانات، بل إنه سوق البيانات واسع النطاق في العالم.
ثالثًا، ستركز المنافسة العالمية بشكل متزايد على البيانات. باعتبارها أهم عامل للإنتاج في العصر الرقمي، إذ تعمل البيانات على إعادة بناء الإنتاج والتوزيع والاستهلاك العالمي بشكل شامل، وتصبح مجالًا مهمًّا للمنافسة بين الدول الكبرى.
رابعًا، تنضم قوة الحوسبة إلى البيانات والخوارزميات وبرامج التطبيقات باعتبارها الموارد الرئيسية للاقتصاد الرقمي، وستعتمد القدرة التنافسية الدولية المستقبلية للصين على اقتصادها الرقمي، فيما سيعتمد مستقبل هذا الاقتصاد على تطوير موارده الرئيسية قوة الحوسبة والبيانات والخوارزميات والتطبيقات، بالإضافة إلى الحوكمة والسيطرة المنسقة على هذه الموارد من خلال نظام متكامل وطنيًّا لمراكز البيانات الكبيرة.
- حملة رقمنة متسارعة للفوز بالمستقبل
يعتبر مشروع “Eastern Data Western Computing ” أحدث إعلان في حملة الصين المتسارعة لـرقمنة الصين للفوز بالمستقبل، فالاستراتيجية الرقمية للصين التي تطورت خلال العقدين الأخيرين، أصبحت الآن متغلغلة في نظام الحزب الشيوعي لدرجة أن النظرية الاقتصادية الماركسية تمت مراجعتها لتأخذ في الحسبان محرك الصين الرقمي.
وترتكز هذه الاستراتيجية الرقمية على الاعتقاد بأن القدرة التنافسية الدولية المستقبلية للصين تعتمد على الفوز بالمنافسة العالمية على البيانات كمورد استراتيجي، ولن يكون مشروع بكين سهلاً أو سريعًا. فالخبراء الصينيون هم أول من أشاروا إلى أن الأنظمة الحالية لإدارة البيانات غالبًا ما تتسم بـ “الفوضى والاضطراب”، وتفتقر إلى البنية التحتية الضرورية والقوانين والقواعد واللوائح اللازمة للتحكم الفعال في البيانات.
ولا تزال نوايا بكين موضع تساؤل، إذ تمتد التكهنات بشأن النظام المتكامل الوطني لمراكز البيانات الضخمة في الصين إلى أنه سيؤدي إلى هيمنة كبيرة على موارد البيانات، ومن ثم نظام عالمي جديد تهيمن عليه الصين عبر إدارة البيانات والتحكم فيها.
وختامًا، يمكن القول بأن بكين لا ترغب في أن تجد نفسها في اقتصاد رقمي عالمي يهيمن عليه الآخرون، لذلك تركز بشكل مكثف على البنية التحتية الرقمية لأخذ زمام المبادرة في قطاع البيانات الواعد، والذي يتسم بالتعقيد.