يُمثل الإعلان جزءًا من تشكيل خبرات المتلقي من خلال الأفكار الإعلانية التي تشتمل على مضمون ثقافي يساعد على رسم صورة ذهنية لديه عن المنتج المُعلَن عنه، إذ يقوم المتلقي بتكوين صورته الذهنية عن الأشياء والأشخاص عبر التجارب الحياتية المباشرة وغير المباشرة التي يتعرض لها، ويتم الاستجابة لرسالة من الرسائل نتيجة للتفاعل الذي يحدث بين الرموز التي تحملها تلك الرسالة، وبين الصورة الذهنية المتكونة عن الخبرات السابقة للمتلقي.
ومع تزايد دخول منتجات جديدة إلى الأسواق يوميًّا، ازدادت الحاجة إلى الاعتماد على الإعلان، باعتبار أنه يصنع الاختلاف داخل ذهن جمهور المتلقين، في ظل وجود منتجات متشابهة في الشكل المادي والفيزيائي، وبهذا تكمن وظيفة الإعلان الأساسية، ليس مجرد كونه يُحوِّل المنتج إلى شيء مختلف عن المنتجات المنافسة، وإنما يساعد في التركيز على القيمة المضافة التي يحققها، وبهذا أصبح المتلقي يختار المنتج بناءً على معانٍ اجتماعية إنسانية.
وتتحدَّد هوية المنتج وقيمته من خلال عملية الربط بينه وبين قيم ومعانٍ اجتماعية عبر وسائل الإعلان، ففي أواخر القرن العشرين تم تطوير نظرية في الإعلان تقوم على أساس المعنى كقاعدة، وهذه النظرة جاءت لتقول إن الإعلان ليس فقط ناقلًا للمعلومات، وإنما هو مصدر لبناء وتأسيس شخصية وهوية المتلقي والمجتمع.
● نظرية المعنى في الإعلان
تُجسِّد نظرية المعنى في الإعلان استراتيجية إعلانية تعتمد على رسم صورة ذهنية عند المتلقي من خلال اللغة لإقناعه باتخاذ قرار الشراء، ليس هذا فحسب، وإنما التأسيس لنمط متكرر من خلال استمالات ذهنية لتوجيه التفكير وقرار الشراء من وجهة نظر المتلقي لمنتج معين.
وتُقدِّم الإعلانات صورًا لا نهائية من الواقع في مضمونها، كما تُقدِّم خبراتٍ يُشكِّل الأفراد من خلالها معاني الكلمات، وتشير نظرية بناء المعنى إلى أن الفرد يتعلم أو على الأقل يُغيّر بعض المعاني التي ترتبط ذهنيًّا مع الكلمات من خلال التعرض للصور التي يستقبلها من خلال وسائل الاتصال.
وبذلك فإن المعاني التي يتم استنتاجها من وسائل الاتصال يتم تشكيلها أيضًا في الاتصالات بين الأفراد، وتصبح هذه الكلمات جزءًا من اللغة العامة والثقافة، كما تؤدي وسائل الإعلان أيضًا دورًا رئيسيًّا في ترسيخ هذه المعاني، وهكذا تُعد الإعلانات مصدرًا لإحداث تغيرات في اللغة؛ نظرًا لأنها تغير المعاني للأفراد.
ويمكن أن يكون التأثير الذي يُحدثه الإعلان على المعاني بسيطًا أو معقدًا، فعبر التعرض للمطبوعات والإعلانات التلفزيونية والإذاعية وإعلانات الإنترنت يتعلم الأفراد كلماتٍ جديدةً تضاف إلى مجموع مفردات اللغة المشتركة بينهم؛ وبذلك تؤدي الإعلانات دورًا كبيرًا في تغيير مفردات اللغة المشتركة، والمعاني التي يشاركها الأفراد على نطاق واسع.
● أساليب الإعلان في تشكيل بناءات اجتماعية جديدة
ووفقًا لنظرية علاقة الكلمة بالمعنى، توجد أربعة أساليب يؤدي الإعلان من خلالها دورًا في تشكيل بناءات اجتماعية جديدة أو معدلة للمعاني في الواقع، بحيث يشير كل مصطلح إلى العلاقة بين الكلمة والخبرات الذاتية التي يتم تعلُّمها، وتتمثل هذه الأساليب فيما يلي:
✔ التأسيس: وهو العملية التي تصبح من خلالها الكلمات والمعاني الجديدة جزءاً من نظامنا اللغوي عبر التعرض للإعلان.
✔ الامتداد: يشير إلى أن امتداد المعاني يمكن أن يحدث أيضًا كنتيجة للإعلانات التي يتعرض لها المتلقي، وبهذه الطريقة يتعلم الأفراد معاني إضافية، والتي يمكن أن ترتبط برموز تكون مألوفة لهم بالفعل.
✔ الاستبدال: يقصد به إحلال معانٍ قديمة لكلمة ما، وتأسيس معانٍ جديدة لها بصورة مختلفة من خلال الرسالة الإعلانية.
✔ الثبات: تلعب الإعلانات دورًا مهمًّا في ترسيخ لغة المتلقي، إذ تربطها وسائل الإعلان بصور للواقع عبر تجسيد الكلمات والمعاني الشخصية والمشتركة.
● الاستراتيجيات الإبداعية للرسائل الإعلانية
من جهة أخرى، ترتبط عملية تشكيل الإعلان للصورة النمطية والمعنى الاجتماعي لدى الجمهور، بطريقة تقديم الرسائل الإعلانية، والتي تتم عبر استراتيجيات إبداعية متنوعة، يتمثل أبرزها فيما يلي:
▪ استراتيجية المعلومات: تعتمد على تقديم الحقائق والمعلومات عن السلعة أو الخدمة المعلن عنها، مما يجعلها تتمتع بمصداقية عالية، وتتلاءم هذه الاستراتيجية مع مواقف تسويقية معينة، مثل دخول سلعة للسوق أول مرة أو في حالة الإعلان عن خط إنتاج جديد أو إدخال تحسينات أو تطوير لسلعة ما.
▪ استراتيجية الدعاوى أو الحُجج الإعلانية: تعتمد هذه على تقديم الحُجج والدعاوى التي تُوضّح نتائج استخدام السلعة أو الخدمة المُعلَن عنها، وهي استراتيجية تخاطب العقل.
▪ استراتيجية الدافعية: تعتمد على ذكر عبارات واضحة وصريحة تتضمنها الرسالة الإعلانية عن الفوائد التي ستعود على المستهلك من استخدام المنتج، ومدى قدرته على إشباع حاجات المستهلك ورغباته عن طريق الاستمالات العقلية والعاطفية.
▪ استراتيجية الأوامر الإعلانية: يستخدم فيها أسلوب الأمر لتحقيق الاستجابة المطلوبة، ويفضل فيها تحديد جمهور الرسالة الإعلانية، واستخدام الاستمالات العقلية وليست العاطفية.
▪ استراتيجية الارتباط الرمزي: تعتمد على إيجاد انفعال نفسي معين لدى المستهلك للربط بين المنتجات المعلن عنها وانفعالاته، أو الربط بين السلعة والاستخدامات والإشباعات التي تقدمها، أو بين المنتج ومكان معين أو حدث ما أو شخصية معينة.
▪ استراتيجية إيجاد نمط أو عادة استهلاكية جديدة: وذلك بطرق مختلفة؛ مثل تقديم عروض خاصة، أو توضيح سهولة استخدام السلعة، وهذه تتناسب مع السلع الجديدة .
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن صناعة الإعلان هي صناعة لقيم المجتمع والأفراد، فالإعلان يبدأ بفكرة وينتهي بسلوك، وهو ما يبرز أهمية الدور الحيوي للإعلان، ووجوب صياغة رسالة إعلانية تُعزِّز من القيم الإيجابية، وتُكافح الظواهر السلبية، الأمر الذي يتطلب وجود ضوابط ومواثيق تحكم تلك الصناعة الاستراتيجية التي تضطلع بوظائف تربوية وثقافية بجانب وظيفتها الترويجية الأساسية.
3 دقائق