في خطوة تعكس إصرار ميليشيا الحوثي الإرهابية على التصعيد العسكري ورفض أي مساعٍ إقليمية ودولية للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة اليمنية، شنّت الميليشيا المدعومة من إيران في 25 مارس الجاري سلسلة هجمات استهدفت المملكة العربية السعودية، وتسببت إحداها باندلاع حريق هائل في منشأة نفطية تابعة لشركة أرامكو العملاقة في مدينة جدة.
وجاءت تلك الهجمات الإرهابية بعد أيام معدودة من تحذير أطلقته المملكة أعلنت فيه إخلاء مسؤوليتها عن أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل هجمات ميليشيات الحوثي على منشآتها النفطية، وفي وقت يمر فيه العالم بأوقات عصيبة وأزمة عميقة في إمدادات الطاقة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت شهرها الثاني دون أي بادرة للحل تلوح في الأفق.
كثفت ميليشيا الحوثي المدعومة إبرانيًّا من هجماتها الإرهابية خلال الأسابيع القليلة الماضية بالتزامن مع تحركات دبلوماسية ومبادرات متعددة لدفع مسار تسوية الصراع في اليمن، تمثلت في قيام مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانس غروندبرغببحث هدنة محتملة خلال شهر رمضان المبارك الذي يبدأ مطلع أبريل المقبل، وكذلك إعلان مجلس التعاون الخليجي عن إطلاق مشاورات يمنية – يمنية بمقر الأمانة العامة في الرياض خلال الفترة من 29 مارس إلى 7 أبريل، والتي ستمثل فرصة لإنهاء الصراع وتحقيق السلام والاستقرار في اليمن وتوجيه الجهود نحو التنمية.
وبينما رحبت الرئاسة اليمنية بالدعوة للمشاورات، رفضت ميليشيا الحوثي الانخراط في الحوار بشكل ضمني عبر مطالبتها بعقده في ما سمته بـ “دولة محايدة”، وبشكل عملي سعت لإجهاض المبادرة وتوجيه ضربة استباقية للمشاورات المرتقبة في الرياض، بتصعيد الاعتداءات الإرهابية على المنشآت المدنية في المملكة، إذ استهدفت طائرات مسيرة حوثية خلال الأسبوع الماضي محطة توزيع منتجات بترولية في جازان، ومعملًا للغاز الطبيعي، ومصفاة نفط في ينبع مما أدى إلى “انخفاض مستوى إنتاج المصفاة “بشكلٍ مؤقّت” بحسب ما أعلنت وزارة الطاقة السعودية. كما أعد الحوثيون زورقين مفخخين لمهاجمة ناقلات نفط عملاقة عبرت مضيق باب المندب، لكن يقظة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة أدت لإحباط تلك المحاولة.
وإزاء تلك التطورات أصدرت المملكة بيانًا شديد اللهجة، الاثنين الماضي، خاطبت فيه المجتمع الدولي بتأكيدها أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، مع تأكيدها أهمية أن يعي المجتمع الدولي خطورة استمرار إيران في استمرائها بتزويد الميليشيات الحوثية الإرهابية بتقنيات الصواريخ الباليستية والطائرات المتطورة دون طيار، التي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في السعودية، الأمر الذي سيؤثر على قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، مما يُهدِّد بلا شك أمن واستقرار إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية.
والمتأمل في لغة وصيغة ومضامين البيان يجد أنه يظهر كيف يُلحق إرهاب الحوثي الضرر بالعالم أجمع، وليس المملكة فقط من منطلق مكانة السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم، وما يستتبع ذلك من نفوذ كبير وتأثير ضخم في الاقتصاد العالمي. فقد خاطبت المملكة المجتمع الدولي باللغة التي يجيد فهمها وهي مصالحه التي ستكون مهددة.
علمًا بأن تلك النوعية من الهجمات ليست الأولى من نوعها، إذ سبق واستهدفت ميليشيا الحوثي في 14 سبتمبر 2019 منشأتين تابعتين لشركة “أرامكو” في بقيق وهجرة خريص، وأدى ذلك في حينه إلى توقف مؤقت للإنتاج في هذين الموقعين، مما أثر على نحو نصف إنتاج شركة أرامكو.
كما رسم البيان السعودي مسارًا واضحًا للتغلب على تلك المخاطر المحتملة بتأكيده أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في المحافظة على إمدادات الطاقة بالوقوف بحزم ضد الميليشيات الحوثية الإرهابية وردعها عن هجماتها التخريبية.
وقد شكّل هذا البيان جرس إنذار – غير مسبوق- للمجتمع الدولي في توقيت بالغ الحساسية تمر به السوق العالمية لارتفاع أسعار النفط بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، وتمسك المملكة بالالتزام باتفاق “أوبك بلس” بشأن حجم إنتاج النفط، رغم نداءات ومناشدات غربية وأمريكية متكررة لضخ مزيد من الخام للمساعدة في خفض الأسعار.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن هجمات ميليشيا الحوثي الإرهابية ضد المملكة تثبت تصميمها ومن ورائها إيران على زعزعة استقرار المنطقة، وإن تقاعس المجتمع الدولي في التعامل مع خطر تلك الجماعة الإرهابية لن يُشكّل خطرًا على دول الجوار اليمني بل على العالم بأسره، كما يظهر أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ بدأ عملياته لدعم الشرعية وطيلة 7 أعوام مضت يحارب نيابة عن العالم في معركة تستهدف تهديد المصالح الدولية، سواء بهجمات على مصادر الطاقة، أو عرقلة حركة التجارة ومرور السفن في ممرات الملاحة الدولية كمضيق باب المندب.
وممّا لا شكَّ فيه يستلزم الوضع الراهن مقاربة دولية جادة تقوم على ممارسة ضغوط شديدة على الحوثيين بتصنيفهم كجماعة إرهابية، والتطبيق الجاد لقرار مجلس الأمن الأخير بتوسيع الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن ليشمل جميع المتمردين الحوثيين بعدما كان مقتصرًا على أفراد وشركات محددة، وكذلك دعم جهود التحالف العربي في التصدي للإرهاب الحوثي وتحييد مصادر التهديد في اليمن، بالإضافة إلى عدم التساهل مع المساومات التي تمارسها إيران عبر استخدام ورقة الحوثي لانتزاع مكاسب خلال المفاوضات مع القوى العالمية بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وبكل تأكيد، فإن اتباع تلك الاستراتيجية في التعامل مع الأزمة اليمنية سيكون نقطة انطلاق أساسية لدفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، بعدما ظلوا على مدى السنوات الماضية يرفضون ويعرقلون أي محاولة للتسوية رغبة منهم في وضع شروط مسبقة تؤمن لهم مكاسب دون أن ترتب التزامات، في تطبيق واضح لنهج نظام الملالي في طهران.