حالة من الجدل المصحوب بالغضب سيطرت على شرائح واسعة من السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي عقب إذاعة حلقة برنامج “مع الشريان” الذي يُقدمه الإعلامي السعودي داود الشريان، والتي استضاف فيها الفنانة اللبنانية “نانسي عجرم”، وهو ما ظهر في ردود أفعال رواد تلك المنصات على بعض العبارات التي قالها الشريان خلال اللقاء، والتي انطوت على تقديم صورة سلبية وإساءة للنساء في المملكة، خاصّة حينما وجه حديثه للفنانة اللبنانية قائلًا: “أنتِ المطربة اللي صاروا يدعون لها بالمساجد”، وأضاف “اللهم عجرم نساءنا”.
وعلى الرغم من أن البعض حاول التخفيف من وقع هذه الكلمات، واعتبرها مجرد مُزحة، إلا أن غالبية تفاعلات المغردين السعوديين اتسمت بالغضب والرفض لما صدر من داود الشريان.
ومن منطلق حرص واهتمام مركز القرار للدراسات الإعلامية بمتابعة القضايا والموضوعات المثارة على المنصات الاجتماعية، واستكشاف اتجاه الجمهور السعودي نحوها، يتناول المركز في هذا المقال التحليلي مفهوم الصورة الذهنية وإشكاليات تنميطها، وذلك كمدخل نظري لتفسير أسباب حالة الغضب التي انتابت السعوديين نتيجة ما صدر عن الإعلامي السعودي داود الشريان، والتي أظهرتها عملية الرصد والتحليل لعينة من تفاعلاتهم على منصة “تويتر”.
- مفهوم الصورة الذهنية
يتكون مصطلح الصورة الذهنية من كلمتين، الأولى صورة وتعني ظاهر الشيء، وذهنية التي تُشير إلى فهم هذا الشيء والتصور العقلي نحوه، أي أن الصورة الذهنية تعكس الانطباع الذي يتكون في أذهان الآخرين عن شخص أو قيمة أو جماعة أو كيانٍ ما، وذلك بغض النظر عن صحة هذا الانطباع من عدمه.
وتُساهم العديد من العوامل في تشكيل الصورة الذهنية، منها على سبيل المثال المعارف والمعلومات المتراكمة، والخبرات السابقة للأشخاص، وآراء محيطهم الاجتماعي سواء من أفراد العائلة أو الأصدقاء والأقران؛ إلا أن وسائل الإعلام المختلفة كالصحافة والإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى منصات التواصل الاجتماعي من أهم العوامل التي تُساعد في تشكيل وتكوين الصورة الذهنية.
وتكتسب الصورة الذهنية “الصحيحة” أهميتها كونها تجعل الأشخاص أكثر قدرة على التكيف مع الظروف المحيطة والتعامل مع الآخرين، وتُساعدهم في التنبؤ بتصرفات الغير أو تفسير سلوكياتهم.
كما تُساهم الصورة الذهنية بشكل كبير في تكوين الرأي العام، حيث تقوم عملية التواصل بين الأشخاص بدور مهم في تكوين هذه الصورة التي قد تتحول بمرور الوقت وزيادة اتساع العملية التواصلية إلى رأي عام جمعي.
نستنتج من الاستعراض السابق، أن الصورة الذهنية هي أكثر ميلًا إلى التغير نظرًا للطبيعة المتغيرة التي تتسم بها العوامل المساعدة في تشكيلها وتكوينها، إذ إن معلومات ومعارف وخبرات الأشخاص في حالة تغير مستمر.
- إشكاليات تنميط الصورة الذهنية
على الرغم من الطبيعة المتغيرة للصورة الذهنية، فإن البعض يُحاول جاهدًا تثبيت بعض الصور وتنميطها وقولبتها خاصة عندما تكون سلبية، مما ينتج عن ذلك قصور في إدراك الأشخاص والأشياء المُصَوّرة ذهنيًّا.
وتوجد مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بعملية التنميط والقولبة الجامدة للصور الذهنية، منها على سبيل المثال:
- التبسيط المُخل وغير المكتمل الذي يُركز على بعض السمات، ويتجاهل الأخرى، فلا يشمل جميع أركان تكوين الصورة.
- تعميم هذه الصورة النمطية القاصرة والمشوهة.
- تصدير انطباع بوجود تجانس بين الفئة المتكون عنها الصورة.
- عدم الإدراك – سواء المقصود أو عن غير عمد – للمتغيرات المستحدثة.
ويكون التأثير السلبي للصور النمطية أكثر ضررًا عندما يتعدى حدود المجتمع ويتم تصديره للخارج، كما أنه قد يمتد أيضًا ليُؤثر على نظرة الشخص لذاته، حيث تتحول هذه الصور النمطية من مجرد انطباعات ظاهرية قائمة على افتراضات مسبقة إلى ما يُشبه القناعات التي تتحكم في عملية التقييم الذاتي.
- اتجاهات المستخدمين
بالتطبيق على ما صدر من الإعلامي السعودي داود الشريان، فقد أظهرت عملية الرصد والتحليل لعينة من تفاعلات المستخدمين السعوديين على منصة تويتر أن الاتجاه العام لتغريداتهم اتسم بالغضب والرفض القاطع لما قاله.
وأوضحت النتائج تعدد أسباب حالة الغضب، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اتهام الشريان بما يلي:
- الترويج لصورة سلبية مشوهة عن المرأة السعودية.
- تبني نفس أسلوب التنميط السلبي الذي تقوم به بعض الأعمال الفنية غير السعودية لصورة المرأة والرجل السعودي.
- عدم إدراكه لحجم التحول الضخم الذي طال المرأة السعودية نتيجة عملية التمكين التي يتبناها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – والتي زادت السعوديات مكانة علمية فوق مكانتهن، وقيمة عملية فوق قيمتهن.
- انحصار نظرة الشريان للمرأة في مظهرها.
- التقليل من قيمة المرأة السعودية، ونظرته لها بها تجنٍ سواء على الصعيد الأسري (الأم والزوجة والأخت والإبنة)، أو على الصعيد العلمي والعملي الذي حققت فيه السعوديات تميزًا ونجاحًا امتد ليشمل مختلف المجالات داخليًّا وخارجيًّا، وطال حتى الوظائف القيادية.
- عدم التوفيق وسوء الاستخدام لقيمة الدعاء وحرمة المساجد.
وعلى الرغم من أن قِلة من هذه التفاعلات حاولت التخفيف من وقع كلمات داود الشريان واعتبرتها مجرد مُزحة، فإن المعترضين على هذا الطرح أكدوا أن الشريان مذيع مخضرم يُفترض امتلاكه الخبرة والعلم والثقافة، ولذلك فإن خطأه كبير على قدر مكانته.
إضافة إلى ما سبق، فقد تضمنت التفاعلات أيضًا عددًا من المطالب، أهمها:
- ضرورة محاسبة الإعلامي داود الشريان على ما بدر منه.
- الاهتمام بإظهار الصورة الحقيقية للمجتمع السعودي، وإبراز حجم التغيرات التي طرأت على البيئة والإنسان نتيجة العملية التنموية الشاملة التي تقوم بها الدولة بقيادتها الرشيدة.
- الحرص على مواجهة وتصحيح الصورة النمطية في الدراما العربية.
وإجمالًا.. يمكن القول إن ما صدر عن الإعلامي السعودي داود الشريان يُعد سقطة مهنية غير مُبررة أثارت ردود فعل غاضبة من جانب المغردين السعوديين الذين تبرؤوا مما قاله، وأكدوا أنه لا يُمثل إلا نفسه.
وشدّد المغردون على احترامهم وفخرهم وتقديرهم العظيم للمرأة السعودية، سواء من يتفرغن لرعاية الأسرة والأبناء، ويعبرن بهم إلى بر الأمان والاستقرار، أو من يشاركن في مسيرة التنمية من خلال الاستفادة من عملية التمكين النابعة من الثقة التي أولتها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد – حفظهما الله – فيهن، باعتبار أن المرأة شريك أساسي في العملية التنموية الشاملة التي تشهدها المملكة.