أدت الثورة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلىتحولات هائلة في البيئة التي يُمارس فيها العمل الإعلامي، فتغيرت أساليب إنتاج وتوزيع وتلقي المعلومات، وتم التحول منوسائل الاتصال الجماهيري ذات الاتجاه الواحد والمحتوىالمتجانس إلى نمط الاتصال التفاعلي ذي الاتجاهين ومتعددالمضامين، وهو ما يعرف بـ“الإعلام الجديد“.
واتسمت وسائل الإعلام الجديد بخصائص تجعلها قادرة علىالسيطرة على عقول الجماهير وإقناعهم بمضمون الرسائلالإعلامية التي يتم بثها عبر الفضاءات الرقمية ومواقع التواصلالاجتماعي، ونظرًا لغياب معايير التدقيق والمحاسبة على نحوكبير، أضحت تلك المنصات ساحات مفتوحة لبث التضليلوالمعلومات الزائفة.
يعبر مفهوم الإعلام الجديد عن المحتوى الإعلامي الذي يبث أوينشر عبر الوسائل الإعلامية التي يصعب إدراجها تحت أيمن الوسائل التقليدية كالصحافة والراديو والتلفزيون، وذلكبفعل التطور التكنولوجي الكبير في إنتاج وتوزيع المضامينالإعلامية. وتوجد ثمة مجموعة من الخصائص التي تميزالإعلام الجديد، تتمثل– بحسب دراسة نشرتها مجلة علومالإنسان والمجتمع– فيما يلي:
- التواصل الشبكي المتداخل، بحيث يسمح بالتواصلمن عدة نقاط إلى عدة نقاط، وليس من نقطة واحدة إلىعدة نقاط، كما هو الحال في الاتصال الجماهيريالتقليدي.
- سهولة الوصول والدخول من قبل الأفرادالمستخدمين ليقوموا بنشاطهم كمرسلين ومستقبلينومنتجين.
- التفاعلية وتعني قدرة المستخدم على المشاركة فيإنتاج المحتوى الاتصالي، وهي خاصية لا تتوفر فيوسائل الإعلام التقليدية.
- التنوع الغزير في المحتوى مقارنة بوسائل الإعلامالتقليدية المحصورة بأنواع وأنماط محددة المضامينالإعلامية.
- سعة الانتشار وعدم ارتباط الإعلام الجديد بمنطقةجغرافية محددة، أي أنه يتخطى حواجز المكان.
ويتخذ الإعلام الجديد أشكالًا متعددة من التطبيقات العامةوالتفاعلية، مثل الأخبار الإلكترونية والإرسال الإذاعيوالتلفزيوني الرقمي كإذاعات الإنترنت والقنوات على موقعيوتيوب، وأيضًا مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوكوتويتر، وكذلك مواقع الألعاب الإلكترونية الجماعية. وتجدرالإشارة هنا إلى أن كافة النماذج السابقة على اختلاف هيئتهالكنها تشترك في سمة ألا وهي إمكانية تحميلها برسالةاتصالية تثير التفاعلية معها.
بعبارة أخرى، لم يعد الإعلام في ثوبه الجديد مجرد عمليةإخبار عن أحداث ووقائع بهدف إشباع الحاجات الاتصاليةللأفراد وفضولهم في الحصول على المعرفة فحسب، بل صاروسيلة أيديولوجية تسعى إلى قولبة العقول، وتشكيل السلوكورسم مسارات للحركة، وضبط وتوجيه الانفعالات تجاه القضاياوالأحداث على الساحة، وهي مسألة وثيقة الصلة بسياقالعولمة، والتي تشمل عولمة الاقتصاد والمعرفة والإعلام، وتتمعملية القولبة من خلال استراتيجيات الإقناع التي تُعبّر عنالأساليب المنظمة الدائمة ذات الهدف الثابت أو الآليات المتنوعةالتي يتم الاعتماد عليها بهدف الإقناع بوجهة نظر معينة، فهيليست مجرد خطة عرضية استوجبها ظرف معين فتزول بزواله، بل هي خطة ثابتة ومستمرة من منطلق استمرارية التوجه أوالفكر والهدف.
وفي هذا الإطار، استعرضت دراسة نشرتها مجلة الدراساتالإعلامية أهم الاستراتيجيات التي تستخدمها وسائلالإعلام الجديد للتأثير في المتلقي والتلاعب بوعيه، لتحصيل ردفعل موافق لهدف القائم بالاتصال والتمكين لأيديولوجيته، ومنأبرز تلك الاستراتيجيات:
ترتكز جهود مكافحة التضليل في بيئة الإعلام الجديد لا سيمامنصات التواصل الاجتماعي على حقيقة أنها عملية تثقيفيةمستمرة تتضافر فيها جهود كافة أفراد المجتمع ومؤسساته، وتبدأ بالحرص على تربية إعلامية تغرس الوعي وتغذي العقليةالنقدية لدى المتلقي، وتجعله قادرًا على تلافي الرسائلالاتصالية المضللة والهدامة، بالإضافة إلى تعزيز الحضورالفاعل للمؤسسات الإعلامية في الفضاء الرقمي، والتي تعملعلى ضبط إيقاع المشهد الإعلامي بطرح رسائل اتصاليةتكافح التضليل عبر محتوى جديد عصري جاذب يستند إلىمعايير ومواثيق الشرف الإعلامية، وبجانب ذلك فإنه لا غنى عنانخراط نشط للجهات والهيئات الحكومية الرسمية مع المجتمعالرقمي، والذي يتم وفقًا لاستراتيجيات وخطط اتصاليةمحكمة. ويبقى أيضًا التأكيد على أهمية وجود منظومةتشريعية حازمة تفرض عقوبات رادعة على كل من يتورط فيأنشطة التضليل وبث الشائعات.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن البيئةالاتصالية التي تتيحها وسائل الإعلام الجديد، وتحديدًا شبكات التواصل الاجتماعي، هي بيئةإعلامية سريعة الديناميكية تنتشر فيها الأخباروالمعلومات بكثافة وسرعة كبيرة ومن مصادر متعددة؛ وفي ظل غياب الموثوقية والتحقق توفر هذه البيئةمناخًا مواتيًا لازدهار خطابات التضليل والمحتوىالزائف الذي يقوض استقرار المجتمعات، ويهددالتعايش ويعيق التقدم؛ ويتطلب التغلب على ذلكالتحدي مقاربة استراتيجية متكاملة بأدوات تشريعيةوتنفيذية وتثقيفية.