دراسات

تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقة بين الصحافة والسياسة

لطالما لعبت العلاقة بين الصحافة والسياسة دورًا مركزيًّا فيالمجتمعات، لا سيما فيما يتعلق بوضع الأجندة، وتحديد الأطرللمشاكل والقضايا المتعلقة بالمصلحة العامة، وتعزيز المناقشاتالعامة، وكذلك تشكيل الرأي العام.

وقد أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى العديد منالتغييرات في بيئة الاتصال وديناميكيات العلاقات، إذ عززتهذه البيئة الجديدة تطوير نظام هجين تترابط فيه الوسائطالتقليدية والجديدة من خلال تلك المنصات التي تلعب دورًارئيسيًّا في الديناميكيات الاجتماعية الحالية، كما تغيّرتعمليات إنتاج وتوزيع واستهلاك المعلومات السياسية، ومنمظاهر ذلك الكم المتزايد من المعلومات التي قللت من احتكارالصحفيين للأخبار، بالإضافة إلى انتشار الأخبار المزيفة، واستراتيجيات الدعاية والإعلام المُضللة التي يقف خلفهافاعلون سياسيون.

وفي هذا الإطار، أصدرت مجلةSocial Sciencesفييناير 2022 عددًا خاصًّا تحت عنوانالصحافة والسياسة: التأثيرات والديناميكيات الجديدة في عصر وسائل التواصلالاجتماعي“، نستعرضه في السطور التالية.

استهلاك الأخبار المزيفة في عصر وسائلالتواصل الاجتماعي

تناولت المجلة موضوع استهلاك الأخبار المزيفة، بالإشارة إلىأن المعلومات المضللة باتت واحدة من المشاكل الرئيسية التيتواجه الصحافة والسياسة اليوم، بعدما أدخلت وسائلالتواصل الاجتماعي تغييرات جذرية في طريقة وصول الأفرادإلى الأخبار واستهلاكهم لها، مشيرة إلى تزايد استخدامالشباب للمنصات الرقمية للحصول على المعلومات، ففي هذهالبيئة ينتشر تداول الأخبار المزيفة، الأمر الذي يمكن أن تكونله عواقب وخيمة؛ مثل زعزعة الاستقرار السياسي، وصعودالشعبوية والتطرف، أو زيادة خطاب الكراهية، لذلك فمنالضروري فهم سبب استهلاك الناس للأخبار المزيفة وتصديقها ومشاركتها.

وبالنظر إلى عينة مكونة من 52 مقالة نُشرت في السنواتالخمس الماضية، حدد الباحثون عوامل رئيسية تساهم فينشر الأخبار المزيفة، حيث يستخدم ناشرو وموزعو تلك الأخبارجميع الموارد الممكنة لجذب انتباه القراء مثل تنسيق العناوين، اختيار صور معينة، واستخدام لغة بسيطة وعاطفية ومقنعة. ويشير هؤلاء الباحثون إلى أن اليمينيين وكبار السنوالأشخاص الأقل تعليمًا هم أكثر عُرضة لتصديق ونشرالأخبار الكاذبة.

من جهة أخرى، يُعد التأطير أحد الأساليب الرئيسيةلاستكشاف العلاقة المتبادلة بين الصحافة والسياسة، نظرًالكونه يساهم في بناء وتشكيل الرسالة الإعلامية التي تُؤثربدورها على النقاش العام.

القيم الأساسية للصحافة في العصر الرقمي

تطرقت المجلة إلى المشكلات المتعلقة بالقيم الأساسيةللصحافة، مثل الشفافية والتحقق والمصداقية، وهو مانستعرضه في النقاط التالية:

المصداقية: تعد قيمة محورية للصحافة والديمقراطية، تزداد أهميتها في ظل السيناريو الحالي المتعلق بنشرالأخبار المزيفة، وفقدان مركزية وسائل الإعلام التقليدية. وقد استعرضت دراسة منشورة في العدد تحليلمستويات المصداقية التي يخصصها المواطنون الإسبانللصحافة السياسية في بيئة الإنترنت من خلال مسحشمل 1669 شخصًا، إذ  أظهرت النتائج  أن الموادالإخبارية المعروضة في شكل وسائط تقليدية وخاصةالتلفزيون الرقمي أعطت مصداقية أكبر من الأخبارالمقدمة في شكل وسائط اجتماعية. كما أظهر المواطنونموقفًا أكثر حذرًا تجاه وسائل التواصل الاجتماعيكمصدر للأخبار، ومع ذلك تشير النتائج إلى أن مستوياتمصداقية الأخبار على المنصات الرقمية مرتفعة إلى حدما.  
أما عن الشفافية فتمثل إحدى القيم الأساسية لتقويةبُعد الخدمة العامة للصحافة ومساهمتها الاجتماعية. وهي وسيلة لاستعادة شرعيتها أمام المواطنين. وقدتناولتها إحدى الدراسات المنشورة بالعدد عبر تحليلسياسات الشفافية التي طورتها هيئات البث العامةالأوروبية الرئيسية من 9 بلدان، إذ تم تحليل القيم المرتبطةتقليديًا بالشفافية وتحولها في البيئة الرقمية ووجودهاعلى المواقع الإلكترونية لهذه القنوات التلفزيونية، وأظهرتالنتائج التزامًا غير متساوٍ بالشفافية، وضعف إضفاءالطابع المؤسسي على سياسات الشفافية في المواقعالإلكترونية التي تم تحليلها.
التحقق من المعلومات: تعد قضية محل جدل كبيربسبب زيادة الاضطرابات المعلوماتية في البيئة الرقمية، وقد تضمنت المجلة دراسة تناولت التحقيق في كيفيةإنتاج المعلومات المضللة بالتركيز على قضية انفصالإقليم كتالونيا في إسبانيا، ومن خلال توظيف أساليبالعلوم الاجتماعية والذكاء الاصطناعي والتنقيب عنالنصوص، وجدت الدراسة انتشارًا واسع النطاقللمعلومات المضللة على موقع تويتر بشأن تلك القضية، وكشفت النتائج عن وجود مستوى عالٍ من المشاعرالسلبية، مثل الازدراء والكراهية والغضب والخوفوالاستخدام المكثف للسخرية، مما عزّز الاستقطابالاجتماعي وخلق فصيلين متعارضين على أساس التمييزبيننحن والآخر“، وخلصت الدراسة إلى أن المعلوماتالمضللة تخلق ارتباكًا في النقاش العام، وتؤدي إلى تعميمتلوث المعلومات“.
أشكال الاتصال الجديدة للفاعلين السياسيين

تشير المجلة إلى ثمة أشكال للاتصال يقوم بها الفاعلونالسياسيون عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومن أبرزهاشن الهجمات على الخصوم  وانتقادهم، والإعلان خلالالحملات الانتخابية كجزء مهم ورئيسي في تنفيذ استراتيجياتالحملات السياسية، وإمكانية الوصول إلى الجماهيرالمستهدفة بناءً على الملفات الشخصية والاهتمامات، بالإضافةإلى وجود عنصر آخر تزداد أهميته في المشهد الرقمي وهو ماسمته المجلة بـالروبوتات السياسيةالتي تسعى لتكوين رأيعام مصطنع، وتحويل آراء الأقلية إلى آراء أغلبية أو مهيمنة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن تنامي دورمواقع التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد أحدثتحولات كبرى في عالم الصحافة والسياسة على حدسواء، إذ غيرت هذه المنصات من صياغة الأجندةالإعلامية وترتيب أولوياتها، كما أدت لتحوُّلٍ أيضًافي أداء الفاعلين السياسيين، إذ باتت السياسةتتشكل الآن بعمق من خلال استخدام الوسائطالرقمية، وصاحبت تلك التحولات إشكالات، أبرزهاظاهرة المعلومات المضللة، وانتشار خطاب الكراهية، والخلط بين الرأي والمعلومة.

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى