تقارير

مقاربة لمكافحة خطاب الكراهية

شكل انتشار خطاب الكراهية على مستوى العالم، إحدى السمات التي ارتبطت بتنامي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي يتحرر فيها المستخدمون من الكثير من القيود التي تحد من تصرفاتهم في الواقع، وعلى الرغم من وضع منصات التواصل الأكثر شعبية مثل فيسبوك وتويتر ضوابط، واستحدثت أدوات لمكافحة انتشار هذا الخطاب، فإن فاعلية تطبيق ومدى نجاح هذه الجهود في إزالة ذلك المحتوى محل تساؤل وانتقادات.
ويقصد بخطاب الكراهية أي خطاب يحرض على النزاعات والصراعات المبنية على أساس اللون والعرق والطائفية وإنكار الآخر وتهميشه ونشر الفتنة، ويتسم بكونه خطابًا قائمًا على شعور داخلي يمكن أن يتخذ أشكالًا تعبيرية واسعة النطاق، كما يمكنه التخفي داخل صيغ مبطنة أو مبهمة، وهذا ما يجعل من الصعب رسم صورة ثابتة له، أو تحديد العبارات والألفاظ التي تقترن به، وتثير مشاعر الكراهية.
واللافت أن خطاب الكراهية لا يعد وصمة تقترن بالمجتمعات النامية فحسب، بل إنه خطاب سائد في المجتمعات والدول الأكثر تقدمًا، فانتشاره أكبر ما يكون في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، إذ يتخذ الساسة منه وسيلة لتحقيق المزيد من المكاسب الانتخابية وهو ما يظهر في خطابات الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ترتكز خطاباتها الدعائية على اختلاق مخاطر وتهديدات بشأن وجود الأقليات على سبيل المثال.
أسباب انتشار خطاب الكراهية وأضراره
توجد العديد من الأسباب التي تكمن وراء نشوء خطاب الكراهية في مقدمتها الصورة الخاطئة عن الآخر، وضعف الثقافة العامة والقراءة المغلوطة للتاريخ، وبناء المواقف في غياب المعلومات.
ويصبح خطاب الكراهية قابلًا للإدانة أو الحظر عندما تكون أضراره على المجتمعات واضحة ويمكن حصرها، وتنقسم تلك الأضرار إلى نوعين، الأول يتمثل في أضرار معنوية تشمل حالات الاستياء والشعور بالدونية والإقصاء والتهميش، وصعوبة الاندماج في المجتمع، وإحباط معنويات الأقليات العرقية والدينية والثقافية، وهو ما يرقى لأن يوصف بأنه “جريمة إبادة معنوية” أو نفسية.
أما النوع الثاني من الأضرار فهي الأضرار المادية، وتتمثل في حالات العنف، وتخريب دور العبادة والممتلكات، وبناء على ذلك أيضًا يمكن التمييز بين نوعين من خطاب الكراهية، وهما الخطاب الحاد الذي يتضمن أشكالًا يحظرها القانون، ويمكن ملاحقة مروجيه قانونيًّا، والخطاب الناعم غير المجرم قانونيًّا، لكنه يثير مخاوف جدية من حيث التعصب والتمييز.
وتكمن خطورة خطاب الكراهية في قدرته على تجييش مخاطبيه ضد أفراد أو جماعات باستغلال حالات الضعف والهشاشة الاجتماعية التي يكونون عليها في الغالب، كما يهدف إلى تشويه سمعتهم من خلال ربط خصائصهم المميزة، مثل العرق أو الدين بسلوك أو صفات من شأنها حرمان شخص ما من معاملته بوصفه عضوًا في المجتمع يمتلك فيه وضعًا جيدًا.
ركائز خطاب الكراهية
ووفقًا لتقرير لمجلس أبحاث العلوم الاجتماعية (مركز أبحاث مقره نيويورك) غالبًا ما ينشأ خطاب الكراهية من الإطار المفاهيمي “نحن مقابل هم”، حيث يميز الأفراد بين المجموعة التي يعتقدون أنهم ينتمون إليها، أو “داخل المجموعة” عن “المجموعة الخارجية”.
وتتعدد مرتكزات خطاب الكراهية فقد ينطلق من أبعاد قومية أو عرقية أو دينية أو جهوية، لكن يوجد خيط ناظم يجمع تلك الأنماط، وهي أنها تنطوي على نزع الصفة الإنسانية عن الجماعة الخارجية وأعضائها وشيطنتهم، بجانب الانتقال السريع من التفكير إلى الواقع المادي، حيث يصاحبها تحريض على العنف بل وحتى القتل، لكن تلك المرحلة يسبقها إنذار مبكر فيه تتعرض تلك الجماعة لأنواع مختلفة من الكلام السلبي.
وتستلزم مكافحة خطاب الكراهية وعواقبه السلبية، تحديد ورصد العلامات المبكرة لبدايات ظهوره واستئصاله قبل انتشاره في المجتمع وتوطنه وتحوره في أشكال أكثر تطرفًا. ويسمح تطوير مقياس لرصد حدة الكلام الذي يحض على الكراهية بتجاوز النهج الثنائي الذي يهيمن على دراسات تصنيف الخطاب ما بين خطاب معتدل وخطاب يحض على الكراهية، فهذا التصنيف لا يُمكّن من رصد مؤشرات على انحراف الخطاب نحو التحريض، فضلًا عن أهمية ربط المفردات بالسياق، فقد تكون المفردة في مجتمع ما وفي إطار نسق ما لا تعبر عن كراهية، إلا أنها في معناها المتجرد تحمل دلالة سلبية.
بالإضافة إلى تكثيف التوعية حول مفهوم خطاب الكراهية والعنصرية والآثار السلبية لنشر هذه الخطابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحت ذرائع الحفاظ على الهوية، والنزعات الوطنية الشوفينية التي تتجاوز الاعتزاز الطبيعي بالوطن إلى حالة من الكبرياء المرضي وازدراء الآخر، والتخلص من التحيزات العرقية والتعصبات الدينية، ومن الأهمية بمكان أيضًا عدم نشر المعلومات دون التثبت من صحتها، وتجنب النقاشات الجدلية التي تصنع المناخ المواتي لازدهار وانتشار خطابات الكراهية، وما يرتبط بها من تصرفات وسلوكيات مذمومة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن خطــاب الكراهيــة بات يعصــف بشــبكات التواصــل الاجتمــاعي فــي مختلف أرجاء العــالم، لأســباب متعددة منها العرقيــة والدينيــة والسياســية، وغيرهــا مــن دوائر الانتماء التي يلعب على وترها عناصر متطرفة كانت تعمل في الماضي بشكل سري إلى أن وجدت في منصات التواصل ضالتها، حيث تنشر من خلالها أفكارها المسمومة لتصل إلى ملايين الأشخاص، وهو مـا يضـاعف أثـرها وخطورتها وضررها، لتتحول خطابات الكراهية إلـى جـرائم كراهيـة وعنـف وقتل حقيقيـة.
وفي ظل انتشار تلك الخطابات في العالم المتقدم والنامي على حدٍّ سواء تبرز الحاجة الماسة إلى التفكير في طرق مجابهة تلك الظاهرة من خلال مقاربة شاملة تقوم بالجمع بين أدوات قانونية رادعة لمروجي تلك الخطابات، وأدوات تقنية عبر محاصرة منصات التواصل لبؤر تركز تلك الخطابات وتكتلات أنصارهم على هذه المنصات، وبرامج وحملات تثقيفية توعوية لتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعزيز التسامح والتعايش وتقبل الآخر.

زر الذهاب إلى الأعلى