ترجمات

العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب عند البالغين

يستشعر الآباء الذين لديهم أبناء مراهقون القلق بشأن استخدامهم لمنصات مثل إنستجرام وسناب شات وتيك توك؛ إذ تشير دراسات متعددة إلى وجود روابط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقلق والاكتئاب بين الأطفال والمراهقين، وذلك نتيجة لكثافة استهلاكهم لتلك المنصات، وما يحمله محتواها من صور مثالية للأقران والمشاهير تفتح مجالًا واسعًا للمقارنة مع واقعهم؛ مما يشعرهم بحالة من عدم الرضا عن نمط حياتهم وتدني تقدير الذات.
واللافت أن هذه الآثار الجانبية السلبية لاستخدام المنصات الاجتماعية ليست قاصرة على المراهقين، بل تشمل أيضا البالغين، إذ كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة هارفارد الأمريكية في عدد مارس/ أبريل 2022، عن ارتباطات مماثلة بين الاكتئاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للآباء والأجداد.
مستخدمو “سناب شات” و”فيسبوك” و”تيك توك” أكثر عُرضةً للإبلاغ عن أعراض الاكتئاب
تعد هذه الدراسة واحدة ضمن سلسلة من الدراسات الاستقصائية للبالغين في جميع أنحاء الولايات المتحدة (50 ولاية)، والتي بدأت في ربيع عام 2020، بعد وقت قصير من ظهور وباء كورونا المستجد “كوفيد-19″، ففي هذا التوقيت كانت معدلات الاكتئاب والقلق عالية جدًا، وظلت أكبر بثلاث مرات مما كانت عليه في المعتاد.
وبينما ركزت معظم الأدبيات السابقة على الأطفال أو الشباب، سلطت الدراسة الضوء على استخدام البالغين لوسائل التواصل الاجتماعي، علمًا بأن الوضع أصبح مُلحًا بشكل خاص نظرًا لتأثير الوباء على الصحة النفسية.
وقاد الدراسة فريق متعدد التخصصات من الباحثين من أربع جامعات، من بينهم الدكتور روي بيرليس، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، وجون ديلا فولبي، مدير الاستطلاعات بجامعة هارفارد كينيدي.
وانطلقت الدراسة من سؤال رئيسي مفاده هل يرتبط استخدام البالغين لوسائل التواصل الاجتماعي بالزيادات اللاحقة في أعراض الاكتئاب؟ وللإجابة عنه استندت الدراسة إلى عينة تتألف من 5395 أمريكيًّا، متوسط ​​أعمارهم 56 عامًا، خضعوا لفحوصات مسبقة ولم تظهر عليهم أي علامات للاكتئاب. شاركوا في استطلاعات رأي عبر الإنترنت تم إجراؤه شهريًّا تقريبًا بين مايو 2020 ومايو 2021، وتم تحليل البيانات في شهري يوليو وأغسطس 2021، والتي كشفت أن أولئك الذين استخدموا “سناب شات” و”فيسبوك” و”تيك توك” كانوا أكثر عُرضةً للإبلاغ عن أعراض الاكتئاب.
تفسيرات خادعة للعلاقة بين الصحة النفسية ومواقع التواصل الاجتماعي
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تفسير النتائج المتعلقة بالصحة النفسية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون خادعًا، فمعظم الدراسات لا تستطيع إثبات أن استخدام تلك المنصات يسبب الاكتئاب، فغالبًا ما تلتقط هذه الدراسات لحظة واحدة من الوقت، وتظهر أن المستخدمين يبلغون عن المزيد من أعراض القلق والاكتئاب، في حين أن المعاناة من تلك الأعراض قد تجعل الشخص أكثر عُرضةً للانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت ذاته، ربما يكون الأشخاص الذين يستخدمون تلك المنصات أكثر عُرضةً للاكتئاب، كونها تصبح بديلاً عن رؤية الرفاق أو الأهل في الواقع، أو لأن اتجاههم إلى مواقع التواصل نابع من افتقادهم للدعم الاجتماعي في العالم الحقيقي.
ورغم أن الدراسة لم تتمكن من تقديم أسباب قاطعة للاكتئاب بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فإن حقيقة كون أفراد عينة الدراسة لم يكونوا مكتئبين عند بدايتها، وأنها أجريت مع مرور الوقت، مكنت الباحثين من متابعة ظهور أعراض الاكتئاب لدى المبحوثين.
وكشفت الدراسة عن أن مصادر الخلاصات الإخبارية، وحجم الدعم الاجتماعي (أشخاص يتم التحدث معها إذا كان لديك مشكلة أو شعور بالحزن أو الاكتئاب)، والوقت الذي يقضونه وجهًا لوجه مع الآخرين لم تؤثر بشكل فعّال على مستويات الاكتئاب لديهم.
روابط بين منصات تواصل اجتماعي معينة والاكتئاب في فئات عمرية محددة
من جهة أخرى، توصلت الدراسة إلى روابط بين منصات تواصل اجتماعي معينة والاكتئاب في فئات عمرية محددة، فعلى سبيل المثال، ارتبط استخدام فيسبوك بالاكتئاب بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا في عينة الدراسة، أما المجموعة التي تزيد على 35 عامًا، فارتبطت أعراض الاكتئاب لديهم باستخدامهم لـ”تيك توك” و”سناب شات”.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تقدم تأكيدًا على سبب ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بالاكتئاب، لكنها رجحت أن ينطبق عليها نفس الأسباب عند المراهقين، مثل النظر باستمرار إلى صور الأشخاص الذين يبدو أنهم أكثر سعادة منهم، أو الأشخاص الأكثر ناجحًا، وأولئك الذين يبدو أنهم يتمتعون بحياة أفضل، وكذلك التعرض لوابل من الصور السلبية عبر المنصات يؤدي إلى اعتلال الحالة المزاجية.
ولفتت الدراسة إلى أهمية أن تكون هناك مستويات من الاستخدام لا بأس بها، ونقطة قد يصبح فيها هذا الاستخدام أقل صحة، ويتطلب تحديد هذا “المقدار” بحثًا مستقبليًّا، كما تشير إلى أن الأشخاص المعرضين لمشاكل الصحة النفسية يمكنهم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المساعدة عند الحاجة، في إشارة للدعم من المحيط المجتمعي.
وختامًا، يمكن القول بأن نتائج تلك الدراسة تطرح على المجتمع الأكاديمي تحديًّا يتمثل في البحث عن إجابة لعدد من التساؤلات المهمة، ومنها كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الصحة النفسية للمستخدمين، وماهية الضوابط المتعلقة بمعدلات استهلاك تلك المنصات، مع ضرورة إعداد أدلة إرشادية لاستخدام آمن لمواقع التواصل الاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى