تقارير

مراجعة أمريكية لإعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية

تُشكّل الأزمة اليمنية واحدة من الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، التي تتسم بدرجة كبيرة من التعقيد سياسيًّا وعسكريًّا وإنسانيًّا، فعلى مدى أكثر من 8 سنوات تمارس ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من نظام الملالي في إيران تصعيدًا لهجماتها الإرهابية، وتعنتًا إزاء المفاوضات والمبادرات المتعددة، مما أدى لحالة من الجمود السياسي، وإهدار الفرصة تلو الأخرى لطي صفحة الحرب، والتوجه نحو السلام وإعادة الإعمار، الأمر الذي دفع واشنطن في اللحظات الأخيرة لإدارة الرئيس دونالد ترامب لإعلان الحوثيين جماعة إرهابية مطلع العام الماضي 2021، وهو القرار الذي سرعان ما عدلت عنه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وفي هذا الإطار، نشر السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن جيرالد فايرستاين مقالًا تحليليًّا بموقع معهد الشرق الأوسط، يرصد فيه كيفية تحول موقفه من رفض تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية إلى المطالبة باتخاذ الخطوة مع الالتزام بضوابط وتدابير معينة، وهو ما سنستعرضه فيما يلي:
قصة التحول من رفض التصنيف إلى دعمه
عندما تتغير الحقائق، تتحتم إعادة النظر في الآراء. ففي عام 2020، عندما صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحوثيين في اليمن منظمة إرهابية أجنبية، اعترضت وكتبت رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك مايك بومبيو، وقّع عليها 100 دبلوماسي وضابط عسكري أمريكي سابق، وجادلنا بأن التصنيف لن يضر الحوثيين، ولكنه سيُعرّض للخطر حياة ملايين المدنيين اليمنيين الأبرياء، لكن العام الماضي أظهر أن ميليشيا الحوثي لن تعود إلى طاولة المفاوضات إلا عندما تقبل بعدم وجود بديل عن الحل السياسي.
وقد دخلت الحرب الأهلية في اليمن عامها الثامن ولا تلوح نهاية في الأفق، لذا من الضروري أن تبذل الأمم المتحدة بدعم من الولايات المتحدة والقوى الرئيسية الأخرى، المزيد من الجهود لإنهاء المعاناة، وبدء العملية الطويلة لإعادة بناء اليمن وإعادة إعماره، لكن هذا العمل لا يمكن أن يبدأ ما لم يكن هناك فهم مشترك لماهية العقبات التي تحول دون تحقيق حل سلمي؛ وعلى وجه الخصوص، معرفة الأدوات التي يمكن وينبغي للولايات المتحدة استخدامها للضغط على الحوثيين والتغلب على مقاومتهم للمفاوضات، لا سيما وأن الكثير من التحليلات الأخيرة في واشنطن تسيء تفسير الحقائق على الأرض.
مخاطر سيطرة ميليشيا الحوثي على اليمن
لا ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر بهدوء إلى إمكانية تحقيق نصر عسكري للحوثيين كعضو في ما يسمى بـ”محور المقاومة” الإيراني، لأن سيطرة الحوثيين في اليمن ستشكل تحديًا دائمًا، ليس فقط لرفاهية الشعب اليمني، ولكن أيضًا لمصالح الولايات المتحدة الحيوية، بما في ذلك الاستقرار في شبه الجزيرة العربية، وحرية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ولا شك أن المطلب الأساسي والهدف المركزي لسياسة الولايات المتحدة يظل إعادة أطراف النزاع اليمنية إلى طاولة المفاوضات؛ للتفاوض على إنهاء سلمي لهذه الحرب المدمرة. وبالتالي، كان هناك دعم واسع للإعلان المبكر للرئيس جو بايدن بأن سياسة الولايات المتحدة ستؤكد على المشاركة الدبلوماسية، ودعم عملية التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة، وعلى الرغم من الآمال في أن تسفر هذه الدفعة الدبلوماسية الجديدة عن نتيجة إيجابية، فإنها لم تفعل ذلك.
ومنذ خطوة الرئيس بايدن، أعلنت الرياض باستمرار أنها مستعدة لوقف إطلاق النار، ودعم المبادرة الدبلوماسية للأمم المتحدة. لكن على النقيض من ذلك ضاعف الحوثيون عدوانهم العسكري داخل اليمن، لا سيما في محافظة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية والمناطق المجاورة. بالإضافة إلى استخدام الحوثيين صواريخ وطائرات من دون طيار قدمتها إيران لاستهداف منشآت مدنية في المملكة العربية السعودية والإمارات، وكذلك الانخراط في عمليات قرصنة في البحر الأحمر وباب المندب.
وقد دفعت النكسات العسكرية الأخيرة التي لحقت بالحوثيين إلى شنهم هجمات أكثر عدوانية على الأطراف التي يرون أنها مسؤولة عن إخفاقاتهم العسكرية.
ضوابط للتصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية
من الواضح أن الطرف الذي رفض بشدة اتباع طريق السلام خلال العام الماضي هو الحوثيون. ولسوء الحظ، لدى الولايات المتحدة أدوات قليلة متاحة للتأثير على موقفهم، إذ لا يوجد خيار للمشاركة العسكرية المباشرة في الصراع. من جانب آخر، وبينما التقى المبعوث الأمريكي الخاص تيم ليندركينغ والمبعوث الخاص للأمم المتحدة هانز غروندبرغ بممثلي الحوثيين في عمان؛ سعيًا لتحفيز عودتهم إلى طاولة المفاوضات، لم تسفر هذه المناقشات عن نتيجة إيجابية. ومن الواضح أن المحاورين الحوثيين الموجودين في مسقط ليس لديهم تأثير كبير على كبار صانعي القرار من الحوثيين الموجودين في العاصمة صنعاء أو في معقل الحوثيين في صعدة، فأصحاب النفوذ الحقيقيون وصُنّاع القرار الحوثيون بعيدون عن متناول المفاوضين الدوليين.
ومع ظهور تقارير مؤخرًا تفيد بأن إدارة بايدن تدرس إعادة تصنيف جماعة الحوثي اليمنية منظمة إرهابية أجنبية، أثارت هذه الأخبار مخاوف ومعارضة بين المنظمات الإنسانية التي تجادل بأن التصنيف لن يضر الحوثيين، الذين لا يسافرون وليست لديهم مصالح مالية خارج اليمن، لكن سيهدد ملايين اليمنيين الأبرياء الذين يعتمدون على الإغاثة.
إلا أنه في ظل عدم وجود خيارات أخرى قابلة للتطبيق للضغط على الحوثيين للتخلي عن حملتهم العسكرية والسعي إلى نتيجة سياسية سلمية للحرب، سيكون من التهور عدم التفكير في إمكانية استخدام واشنطن التصنيف كجماعة إرهابية أداة للضغط.
وبينما كان قرار إدارة ترامب سريعًا وتم اتخاذه مع القليل من الاهتمام باحتمالية حدوث أضرار جانبية، فإن إدارة بايدن لا تحتاج إلى تكرار هذه الأخطاء، فإذا قررت الإدارة متابعة هذا الخيار فعليها مناقشة شروط التصنيف مع المنظمات الإنسانية الدولية والبنوك والمؤسسات التجارية، وغير ذلك ممن قد يتأثرون بالتصنيف للتأكد من أنه قد تم صياغته بطريقة تقلل من العواقب غير المقصودة.
وفي حين أن التصنيف لا يزال يفتقر إلى تأثير ملموس وفوري على قيادة الحوثيين، إلا أنه سيرسل رسالة رمزية قوية تنزع الشرعية عن جماعة الحوثي كمشارك في مستقبل اليمن السياسي. علاوة على ذلك، فمع حصول الإمارات على مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة 2022-2023، يجب على الولايات المتحدة استغلال الفرصة لطرح القضية على الأمم المتحدة والسعي إلى التوصل لإدانة دولية واسعة النطاق ضد حملة الحوثيين التدميرية، فمثل هذا البيان الدولي سيكون من الصعب على الحوثيين أو رعاتهم في طهران تجاهله، حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا مفيدًا في تحقيق هذا الهدف، لكن يجب أن تكون نقطة البداية هي الاستعداد للاعتراف بالحقائق الأساسية على الأرض، وهذا يعني معالجة قضية تعنت الحوثيين، ومقاومتهم للتفاوض على وجه التحديد وبالأدوات المتوفرة.

زر الذهاب إلى الأعلى