دراسات

كيف تفك شفرة استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي؟

تعكس علاقة الأفراد مع وسائل التواصل الاجتماعي حالة من التعقيد، يجسدها الجدل الذي لا ينقطع صداه حول مدى إفادتها أو أضرارها بالمستخدمين، ولذلك عند التفكير في وسائل التواصل الاجتماعي من المهم الاعتراف بأهمية السياق؛ لكي يتمكن المستخدمون من فهم أنفسهم وسط هذا المشهد الرقمي سريع التطور، وبالتالي لا بد من النظر بشكل أعمق في العوامل الدقيقة التي تشكل تجربتهم على تلك المنصات.
وتُظهر الأبحاث أن المنصات الاجتماعية تحتوي على إمكانات ديناميكية لكل من التأثير العاطفي الإيجابي والسلبي على المستخدم، اعتمادًا على تساؤلين مفادهما كيف ولماذا نستخدمها في لحظة معينة؟
ويتمثل أحد العناصر الأساسية لقوة وسائل التواصل الاجتماعي في قدرتها على إبقاء الأفراد يستخدمونها بلا تفكير، دون أن يدركوا الوقت الذي مضى أو كيف انعكست تجربة الاستخدام على مشاعرهم. ومن أجل مساعدتهم على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا على تلك المنصات، وضع موقع “Psychology Today” المتخصص في علم النفس ثلاثة نماذج مختلفة للسلوك عبر الإنترنت، يمكن من خلالها مراقبة الطرق المحددة التي نتفاعل بها لنتعلم كيف نوقظ اللاوعي، ونستعرضها على النحو التالي:

“التمرير الطائش- The Mindless Scroll”
غالبًا ما ينشغل العقل بفهرسة قائمة مهام الغد قبل الخلود للنوم، ويشعر بقلق يدفعه إلى الاستعانة بهاتفه، وسرعان ما يشعر على الفور أن التوتر بدأ في التلاشي وهو يتصفح خلاصات حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجسد هذا النموذج “التمرير الطائش- The Mindless Scroll” الذي يمتص المشاعر غير المريحة التي يشعر بها الأشخاص؛ مثل الملل والإرهاق والتوتر والوحدة، فهو يوفر هدوءً مريحًا عبر محتوى مرئي مُصمم لتهدئتنا وتشتيت انتباهنا.
وفي حين أنه قد يبدو غير ضار بدرجة كافية، يمكننا أن نصبح مدمنين بسرعة على آلية التأقلم هذه عندما تدخل فكرة أو ذاكرة أو عاطفة غير سارة في أذهاننا، فإن مركز الخوف لدينا يوجهنا دون وعي إلى استخدام هواتفنا لصرف انتباهنا عن الضغوط، لكن لسوء الحظ فإن الراحة المؤقتة التي يقدمها لنا هي مجرد حل سريع، فالمشاكل التي نحاول تجنبها ستلحق بنا في النهاية.
وإذا وجدت نفسك ضمن هذا النموذج فتوقف مؤقتًا وخذ استراحة لمدة 10 دقائق من التكنولوجيا، وافعل شيئًا لمنح عقلك فرصة للعودة إلى مستوى خط الأساس من الإثارة، وتذكر أنه كلما زاد إجهادك، زادت احتمالية مشاركتك بهذه الطريقة.
ونخلص من ذلك إلى أن “التمرير الطائش- The Mindless Scroll” يعد وسيلة تشتيت فعالة، لكن اليقظة هي مصدر أكثر استدامة، لذلك فأفضل شيء هو قيام مستخدم مواقع التواصل بعمل “فحص ذهني-Mentally scan” للتواصل مع مشاعره، بدلاً من الاستمرار في تجنبها عن طريق التمرير الطائش.

“منشور التحقق-The Validation Post”
يشعر مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بخوف حول ما إذا كان نشاطه على المنصات الذي قد يشمل نشر صور خاصة به سيمنحه الإعجابات والثناء الذي يتوق إليه. وهذا السلوك الساعي للحصول على الدعم عبر الإنترنت يسمى بنموذج “منشور التحقق من الصحة”. ويعد امتدادًا لرغبتنا البشرية في أن نكون مقبولين ومحبوبين، إذ توفر لنا المنصات الاجتماعية بيئة يمكننا من خلالها الحصول على التحقق في شكل إبداءات الإعجاب والتعليقات والمشاركات، فالموافقة بمثابة عملة نستخدمها لقياس قيمتنا الذاتية.
وتكمن المشكلة هنا في أنه عندما “يعجب” متابعوك بصورك المنسقة تمامًا، فإن ذلك يعزز بشكل لا شعوري فكرة أن نفسك الحقيقية تتسم بالفوضوية والتناقض، وعلى هذا فبدلًا من تعزيز ثقتنا بأنفسنا، فإن هذا التحقق المرغوب يجعلنا نشعر بالذعر لأننا يائسون للغاية من بلوغ الصورة المثالية.
وإذا وجدت نفسك في هذا النموذج فشارك ما لديك من صور، وتصد بنشاط لرغبتك في بلوغ التحقق من الصحة من خلال الظهور بتلقائية عبر حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي.

“منشور التعبير عن الذات- The Self-Expression Post”
توفر مواقع التواصل الاجتماعي منفذًا ومساحة لاستكشاف جزء جديد من نفسك، والتعبير عن الشغف خارج عملك وحياتك اليومية، بإظهار مواهبك أمام جمهور المجتمع الافتراضي، وهو ما يُشار إليه باسم نموذج “منشور التعبير عن الذات”.
فعلى عكس النموذجين الأولين، يميل هذا النوع من المشاركة إلى تحقيق نتائج إيجابية أكثر بالنسبة للصحة العقلية، لأننا نستمد الفرح والرضا من الانخراط في العملية، وليس من المنتج أو مدح الآخرين.
وبالنسبة لمعظم الأشخاص، تُعد الطريقة التي يعيشون بها منفصلة عن المهارات والاهتمامات الإبداعية الخاصة بهم، لذا توفر وسائل التواصل الاجتماعي نظامًا أساسيًا يمكن لأي شخص الوصول إليه للتعبير عن نفسه بطرق لا يمكنه القيام بها في الواقع، وهكذا يوفر هذا النموذج طريقة ممتعة ومجزية للتفاعل مع شغفك واكتشاف أجزاء جديدة من نفسك.
وإذا وجدت نفسك في هذا النموذج فستلمس تأثيرًا إيجابيًا يحدثه في حياتك، إذ ستكون أكثر عُرضة للانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الطريقة على عكس النماذج الأخرى الأقل إنتاجية.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول بأن تحديد طبيعة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تتوقف على العديد من العوامل الذاتية المتعلقة بسلوك الشخص، ومدى ثقته بنفسه والمهارات التي يتمتع بها، والحاجات التي يريد إشباعها، فضلًا عن عوامل خارجية تتصل بشكل المنصة والإمكانيات التي تتيحها للتعبير عن الذات.

زر الذهاب إلى الأعلى