اتخذت المملكة العربية السعودية خطوات استراتيجية للمُضي قُدمًا في تطوير محفظتها من الأصول النظيفة والمتجددة في العام الماضي 2021، عبر العديد من عمليات تمويل المشاريع في قطاع الطاقة الشمسية، كما أطلقت صندوق البنية التحتية الوطني لتنويع اقتصادها.
وعندما أعلنت المملكة لأول مرة عن خطة التنمية الاقتصادية لرؤية 2030، كان هناك الكثير من النقاش حول قدرتها على تسخير الطاقة الشمسية للحد من الانبعاثات في نهاية المطاف واستبدالها محل استخدام الوقود السائل في إنتاج الكهرباء بهدف تصديره، وبالتالي جني الأموال من النفط الخام.
وفي عام 2019، تم تعديل أهداف الطاقة الشمسية لكل من عام 2023 و2030 سعيًا لتحقيق أهداف أكبر، مع حصة مستهدفة تبلغ 20 جيجاوات و40 جيجاوات على التوالي للخلايا الكهروضوئية. وبعد أن كانت البدايات في مطلع القرن الحالي متواضعة مع 0.35 ميجاوات، نمت السعة الشمسية المركبة إلى 2.35 ميجاوات بحلول عام 2010، ثم ارتفعت بشكل كبير إلى 84 ميجاوات بحلول عام 2018، منها 50 ميجاوات تركز على الطاقة الشمسية.
3 مشاريع رائدة للطاقة المتجددة في المملكة
واستمر التوسع في استخدام الطاقة الشمسية في التسارع في عام 2019، حيث وصل إلى 394 ميجاوات بفضل محطة سكاكا الكهروضوئية التي تبلغ قدراتها 300 ميجاوات، والتي تم توصيلها بالشبكة في نوفمبر من العام ذاته، ثم تشغيلها تجاريًّا في الربع الثاني من عام 2020، وفقًا لمعهد الشرق الأوسط بواشنطن.
ومع افتتاح السعودية لمشروع سكاكا، وهو أول مشروع للطاقة المتجددة على نطاق ضخم في إطار البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، تم الإعلان عن سبعة مخططات مستقلة لإنتاج الطاقة لحوالي 3 جيجاوات (2970 ميجاوات) من مشاريع الطاقة الكهروضوئية للتوقيع على اتفاقيات شراء للطاقة، من بينها سدير وجدة ورابغ قد شارفت على الإغلاق المالي بحلول منتصف عام 2021، بإجمالي 2.1 جيجاوات. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل كل من جدة ورابغ في عام 2022. ومن المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من سدير في إنتاج الكهرباء خلال النصف الثاني من العام الحالي 2022. وسيؤدي ذلك إلى رفع إجمالي السعة الشمسية المركبة إلى ما يقرب من 2.5 جيجاوات، أو 12.5% من الهدف المعدل لعام 2023.
وسيتطلب مشروع سدير، وهو أكبر مشروع بقدرة 1.5 جيجاوات، استثمارًا يزيد قليلًا على 905 ملايين دولار، بتكلفة موحدة للكهرباء تبلغ 1.239 سنت لكل كيلووات / ساعة، وسيتلقى 600 مليون دولار من تمويل المشروع (ما يعادل 66%) من ائتلاف من المؤسسات المالية المحلية والدولية.
أما مشروع رابغ، بقدرة 300 ميجاوات، فهو من أوائل مشاريع الطاقة المتجددة التي تعتمد على تمويل من وكالة ائتمان الصادرات، وقدم بنك التعاون الدولي الياباني تمويلًا قصير المدى للمشروع يصل إلى حوالي 78 مليون دولار، والذي تم دمجه مع شريحة تسهيلات ائتمانية إسلامية. ويشار إلى أن جميع المشاريع التي قدمتها وزارة الطاقة مدعومة باتفاقيات شراء الطاقة مدتها 25 عامًا مع الشركة السعودية لشراء الطاقة بصفتها متعهدًا.
خطة للوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات الكربون بحلول عام 2060
تخطط السعودية لتوليد 50% من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2030، وسيتم تنفيذ ذلك من خلال مسارات متكاملة تتبعها كل من وزارة الطاقة ووزارة الصناعة والثروة المعدنية، وقد طرحها مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة، والذي سيشرف على 30% من هذا الهدف عبر عملية تنافسية. ومن المقرر أن يقدم صندوق الاستثمارات العامة في المملكة نسبة الـ 70% المتبقية من خلال المفاوضات المباشرة مع المستثمرين في محاولة لتطوير مشاريع عملاقة لتوليد الكهرباء.
وقد شهد شهر أكتوبر الماضي زخمًا قويًّا للإجراءات المتعلقة بالمناخ في السعودية، حيث أعلنت المملكة عن خطة للوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات الكربون بحلول عام 2060، قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP26 وتحديث مساهماتها المحددة وطنيًّا بموجب اتفاقية باريس لعام 2015.
كما تعهدت السعودية مع الإمارات، بتقديم مبلغ 340 مليار دولار في شكل استثمارات صفرية صافية لتخصيصها للطاقة المتجددة والتخزين والهيدروجين، بما في ذلك مشاريع احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، حيث سيساعد هذا في دفع نهج “الاقتصاد الدائري للكربون” في السعودية لتحقيق أهدافها.
تدشين صندوق البنية التحتية الوطني السعودي
كما أعلنت المملكة أيضًا عن إنشاء صندوق البنية التحتية الوطني، حيث قامت بالاستعانة بشركة “بلاك روك” الأمريكية المتخصصة في إدارة الأصول للمساعدة في تقديم المشورة بشأنه. ولدى هذا الصندوق – المدعوم من صندوق التنمية الوطني في السعودية، والذي تم إنشاؤه في عام 2017 – هدف استثماري قدره 53 مليار دولار يغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والمياه ومن المرجح أن يدفع بقوة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
ولا تعد التمويلات المستهدفة تطورًا جديدًا، لا سيما بالنسبة للاقتصادات الغنية بالموارد الطبيعية والمعتمدة عليها أيضًا، فقد أنشأت من قبل العديد من البلدان آليات حصرية للعب أدوار نشطة في تسهيل التمويل في القطاعات الاستراتيجية.
ومن الأمثلة على ذلك صندوق نيجيريا للبنية التحتية، الذي أنشأته هيئة الاستثمار السيادية النيجيرية في عام 2013، وخصصت له 600 مليون دولار. ويركز تفويضه الاستثماري على التطوير النشط لمشاريع جديدة في خمسة قطاعات أساسية، مثل الرعاية الصحية والطرق السريعة والطاقة، لتحفيز النمو والتنويع، فضلًا عن جذب الاستثمار الأجنبي.
ويلاحظ هنا وجود مؤشر أداء رئيسي وهو أن تمويل المشاريع ما كان ليتم لولا مشاركة هذا الصندوق. ففي الآونة الأخيرة، دخلت هيئة الاستثمار السيادية النيجيرية في شراكة مع البنك المركزي النيجيري ومؤسسة “أفريكا فاينانس كوربوريشن” لتأسيس شركة البنية التحتية لنيجيريا المحدودة، وهي شركة ذات أغراض خاصة بالبنية التحتية تعمل كمُكمِّل للصندوق الحالي. وقد عينت نيجيريا أربعة مديري أصول لإدارة الأصول المالية لـلشركة البالغة 37 مليار دولار، على غرار نهج السعودية.
ومن الأمثلة الأخرى، صندوق الاستثمار في البنية التحتية في غانا، الذي بدأ عملياته في عام 2015 بضخ 325 مليون دولار من الأسهم. ولديه حاليًا 275 مليون دولار أمريكي عبر محفظة متنوعة من البنية التحتية، مع 75% تتكون من أدوات الدين، و20% من تمويل الأسهم و5% من التمويل الوسطي.
وسيساهم صندوق البنية التحتية الوطني في السعودية بلا شك في تقليل مخاطر مشاريع البنية التحتية، وتعزيز حلول التمويل المبتكرة، وبالتالي تعميق أسواق رأس المال في البلاد.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التوجه نحو تطوير مصادر إنتاج الطاقة المتجددة بات مسارًا رئيسًا تسلكه المملكة، بالنظر إلى مجموعة من الحقائق، ومنها أن انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة في تطور مستمر نتيجة انخفاض أسعار تكلفة معدات التشغيل وتخزين الطاقة، كما أن التوجه نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة لم يعد خيارًا في ظل ما يواجهه العالم من مشكلات مناخية حقيقية، قد ينذر تجاهلها بنتائج كارثية على العالم أجمع.
وأخيرًا، يبقى التحدي الحقيقي أمام أغلب الدول حاليًا هو كيفية تقليل استخدام الطاقة التقليدية بالتدريج، وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، خاصة ضرورة استخدام الهيدروجين الأخضر كمسار استراتيجي في الطاقة المتجددة، واستخدامه في صناعات كثيرة، مثل النقل والحديد والصلب وتخزين الطاقة وغيرها.
4 دقائق