تقارير

اتجاهات الشباب السعودي نحو التنمر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي

أسهمت التقنية الحديثة في إحداث نقلة كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات، مما أدى إلى تطورها وظهور العديد من التحولات الجذرية في مجتمعاتنا بسبب استخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في شتى مجالات الحياة.
وعلى الرغم من كثرة الإيجابيات الناتجة عن التقنية الحديثة، فإن هناك من يستخدمها لغرض الإساءة أو بشكل سلبي، مما يؤثر على حياة الفرد نفسه أو مجتمعه.
وتمتلك نسبة كبيرة من المراهقين الأجهزة الذكية، وذلك بسبب حبهم للاطلاع على كل ما هو جديد ومواكبة العصر الحديث، والتعرف على ما حولهم من أخبار ومعلومات، ويستخدم الكثير منهم منصات التواصل الاجتماعي بفئاتها المختلفة.
وصاحب الوجود في هذا العالم الافتراضي ظهور التنمر الإلكتروني، وهو ظاهرة وسلوك عدواني ينتقل عبر العالم الافتراضي بشكل سريع بين الأفراد، بقصد إيذائهم من خلال الوسائل المسموعة أو المقروءة أو المرئية عبر شبكة الإنترنت، مما يساعد المتنمر على إلحاق الضرر دون الخوف من العقوبة لصعوبة التعرف عليه، وذلك لضعف قوانين العالم الافتراضي.
وفي هذا الإطار، سلطت دراسة نشرتها مجلة البحوث الإعلامية في عددها الصادر في يناير 2022 للباحثة إيمان حمزة برناوي، بعنوان “اتجاهات الشباب نحو التنمر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية”، الضوء على تلك الظاهرة.
مشكلة وعينة الدراسة
لقد أسهم التطور ومواكبة التقنيات الحديثة في إحداث التغيرات التي قد تفيد الفرد أو تضره، فعلى الرغم من مساهمة وسائل التواصل الاجتماعي في تقدم المجتمعات من نشر العلم وسهولة التواصل بين الأفراد وغير ذلك، فإنه ظهر لها جوانب سلبية، منها انتشار ظاهرة التنمر الإلكتروني الذي أصبح في تزايد، وذلك بسبب ضعف الرقابة وكثرة إقبال الشباب عليه، مما يسهم في استغلال العديد من شبكات التواصل الاجتماعي بشكل سيئ. ويؤدي التنمر الإلكتروني إلى إحداث العديد من المشاكل النفسية لدى الضحايا من المراهقين.
وقد استهدفت الدراسة التعرف على مدى تعرض الجمهور السعودي للتنمر الإلكتروني، وكذلك استعراض أسباب التنمر وأكثر أنواع التنمر شيوعًا على منصات التواصل الاجتماعي، عبر عينة بلغت 401 مشارك من جميع الطبقات التعليمية والاقتصادية والاجتماعية.
فجاءت نسبة الإناث 72.1% مقابل 27.9% للذكور. وشكلت الفئة العمرية (26-35 سنة) 42.9%، يليها الفئة العمرية (18-25 سنة) 39.9%، ثم الفئة العمرية (36-45 سنة) 12.2%، يليها الفئة العمرية (46-55 سنة) 4.2%، وأخيرا الفئة العمرية (56-65 سنة) 0.7%.
أما من حيث التعرض للتنمر الإلكتروني، اتضح أن 64.30% من العينة لم يتعرضوا للتنمر الإلكتروني إلى حد ما، بينما 30.40% تعرضوا للتنمر الإلكتروني، وأخيرا 5.20% فقط تعرضوا للتنمر الإلكتروني بشكل كبير.
نتائج الدراسة
أظهرت نتائج الدراسة أن موقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في المملكة هو: سناب شات بمتوسط (2.51) ثم تويتر (2.40)، يليه واتس آب (2.26)، ثم يوتيوب (2.25)، تيك توك الألعاب الإلكترونية (0.86)، التليجرام (0.73)، فيسبوك (1.45).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجمهور السعودي يعتمد بشكل كبير على استخدام السناب شات وتويتر بشكل يومي، حيث يسهل استخدامهما، ويحرص المبحوثون على الحصول منهما على الأخبار والمعلومات.
وفيما يتعلق بأسباب التنمر، جاء في الصدارة “الجهل الذي يقلل وعي المتنمر بمخاطر التنمر” بمتوسط (2.59)، يليه “ضعف الوازع الديني لدى المتنمر” بمتوسط (2.56)، وفي المرتبة الثالثة “الغيرة والكراهية من الآخرين ومحاولة إسقاطهم” بمتوسط (2.53)، ثم “الرغبة في الشهرة وإظهار الذات” و”التسلية بالعبث على الآخرين” بمتوسط (2.51) لكل منهما، وفي المركز الخامس “الفراغ الذي يعاني منه الشباب” والعنصرية، و”الاستهزاء بشكل الجسم أو الملامح” بمتوسط (2.38) لكل منها.
أما بالنسبة لسبب “الانتقام بسبب الخلافات العامة أو الشخصية” و”التقليد من وحي متابعة المواد الإعلامية التي تبث العنف” فكانا الأقل بمتوسط (2.32) لكل منهما.
وأظهرت نتائج الدراسة أن أكثر أنواع التنمر الإلكتروني استخدامًا على شبكات التواصل الاجتماعي تتمثل في “التنمر المكتوب والمقروء كالتعليقات والرسائل النصية والدردشات” بمتوسط (2.69)، ثم “المرئي كالفيديوهات والصور والمكالمات المرئية عبر غرف الدردشات والمحادثات الخاصة” في المرتبة الثانية بمتوسط (2.39)، وأخيرًا “المسموع من خلال التعليقات الصوتية والمكالمات الصوتية” في المرتبة الثالثة بمتوسط (2.07).
مقترحات المبحوثين للحد من التنمر الإلكتروني
رأت الدراسة ضرورة اقتراح حلول من قبل عينة الدراسة للحد من التنمر الإلكتروني، حيث تضمنت استمارة الاستبيان السؤال بشكل مفتوح، وتم تصنيفه تحت عدة جوانب من أبرزها:
الجانب القضائي:
– مقاضاة المتنمر قانونيًا، مما يسهم في ردع هذه الظاهرة السيئة، حيث إن معرفة هوية المتنمر تسهم في مقاضاته وإيقافه عن الاستمرار في هذا الاتجاه الخاطئ. وقد جاء هذا الاقتراح في المرتبة الأولى من قبل عينة الدراسة.
– توعية المتنمرين ونصيحتهم وتوجيه سلوكهم، ويأتي ذلك بعد مقاضاتهم، حيث يتم توجيه سلوكهم بمخاطر التنمر الإلكتروني على الفرد والمجتمع، وأن مخاطره تمتد إلى المتنمر، فضلًا عن الضحية، حيث يقع المتنمر في عدة مشاكل، منها مقاضاته والدخول في مشاكل نفسية عدة كالعزلة وانقطاع العلاقات بين أقرانه بسبب سلوكه العدواني.
– وضع غرامات على المتنمرين، ويمكن للجهات الحكومية أن تضع غرامات مالية لإيقاف هذه الظاهرة من أجل ردع المتنمرين.
– ربط شبكات التواصل الاجتماعي بتطبيق توكلنا، ويعتبر ذلك خطوة مهمة، مما يسهم في الكشف عن هوية المتنمر، وإن كان مجهولا، فتطبيق توكلنا يرتبط بعدة أجهزة حكومية تسهم في الوصول إلى معرفة هوية المتنمر سريعًا وإيقافه.
الجانب الاجتماعي:
– التربية الحسنة بتعزيز الدور الأبوي نحو تنشئة الأطفال، والعمل على إصلاح سلوكهم والتعريف بأضرار التنمر الإلكتروني على الفرد والمجتمع، ويُعد دور الأسرة مهمًّا جدًا للتأثير على الأبناء بشكل كبير وإيجابي، فيجب على الوالدين توعية أبنائهما بأنهم جيل المستقبل، وأنهم الساعد الأيمن للمجتمع، وأن بناء السلوك وتقويمه يبدأ منذ الصغر، ويمكن للوالدين متابعة برامج الوقاية من التنمر الإلكتروني عن طريق الإعلام، لتعليم أبنائهما إيقاف التنمر على غيرهم، وأن صلاحهم من صلاح المجتمع.
– تعزيز الثقة بالنفس وتعليم ضحايا التنمر أن النقد البناء هو الأمثل، وأن تجاهل المتنمر يسهم في خفض تنمره.
– ضبط الانفعال أثناء التعرض للتنمر، ويساعد ذلك في تدريب النفس على مواجهة المواقف السلبية الصادرة من غيرهم ومعالجتها بشكل إيجابي.
– المحافظة على الممتلكات الشخصية والخاصة وعدم إذاعتها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك لحماية الأفراد من مشاكل التنمر الإلكتروني، والتحرش بين الأفراد بنشر الصور أو الأسرار الخاصة.
الجانب الإعلامي:
– نشر المعرفة عن طريق الإعلام عن مخاطر التنمر الإلكتروني، حيث يؤثر الإعلام على سلوك الأفراد بشكل كبير، ويمكن إنتاج العديد من البرامج التي تتحدث عن التنمر الإلكتروني وكيفية مقاومته من خلال قنوات الكبار والصغار.
– إقامة الدورات والندوات المتعلقة بالتنمر الإلكتروني عبر وسائل الإعلام المختلفة، حيث يمكن استضافة الاستشاريين والأخصائيين النفسيين بشكل دوري، من أجل عرض مشاكل التنمر الإلكتروني وأثره على المجتمع والضحية، كما يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي إنشاء إعلانات وبثها عبر منصاتها من أجل التنبيه على كيفية مواجهة التنمر الإلكتروني وإيقافه.
الجانب التعليمي:
– إقامة الحملات التوعوية عن طريق المدارس والجامعات للتعريف بالمشكلة وآثارها وكيفية علاجها.
– وضع أنشطة من قبل المدارس والجامعات تساعد المتنمرين على تخفيف الضغوطات والابتعاد عن التنمر، حيث يسهم ذلك في تقليل السلوك العدواني لدى الأفراد، فعلى سبيل المثال تساعد الرياضة في الاسترخاء وتحسين مهارات التفكير وإيجاد عدة فعاليات كألعاب الذكاء واستكشاف الفروقات والتأمل وغير ذلك.
– التعريف بالتنمر الإلكتروني عن طريق إضافة مناهج يتم تدريسها، حيث إن تدريس التنمر الإلكتروني في حصص السلوك يمكن أن يسهم في خفض التنمر الإلكتروني بين الأفراد والأقران.
توصيات الدراسة
قدمت الدراسة عددًا من التوصيات التي رأت أنها تسهم في مكافحة ظاهرة التنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتمثلت فيما يلي:
– تفعيل دور الأسرة في احتواء أبنائهم والاستماع لهم وتحذيرهم من ظاهرة التنمر الإلكتروني.
– العمل على تعزيز المبادئ والقيم داخل الأسرة ونشرها بين الأبناء.
– تعزيز الوازع الديني من خلال الأسرة والمدرسة عن طريق مراعاة الله في السر والعلن.
– مراقبة الأبناء والعمل على معرفة أماكن وجودهم في العالم الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي.
– تفعيل الحملات الإعلامية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي عن طريق الإعلان والدعاية من جهات رسمية.
– تقليل ساعات استخدام الإنترنت لدى المراهقين والعمل على تحديد الوقت عند استخدامه.
– إنشاء مركز حماية حكومي أو خاص من أجل الحماية من التنمر التقليدي والإلكتروني.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التنمر الإلكتروني من المظاهر السلبية في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ظاهرة تتطلب مقاربة شاملة دينية وثقافية واجتماعية وإعلامية للتغلب عليها، إذ تستلزم تعزيز الوعي والثقافة سواء لمكافحة هذا التنمر الإلكتروني ومنع حدوثه، أو لتجاوز الآثار النفسية السلبية المترتبة على التعرض له.

زر الذهاب إلى الأعلى