لطالما عرف المسوقون ومصممو الجرافيك أن اللون يلعب دورًا رئيسيًا في نجاح أي حملة تسويقية، حيث يؤدي استخدام الألوان لجذب انتباه المستهلك تجاه الإعلان، كما تثير الألوان المشاعر لدى العملاء، مما يؤدي إلى تأثره بالرسالة الإعلانية، وزيادة درجة قبول السلعة أو الخدمة، وبالتالي تكون الألوان قادرة على إنشاء صلة بالعلامة التجارية وتحفيز عمليات الشراء.
وتشير نتائج العديد من الدراسات إلى أهمية ودور اللون في عملية جذب الانتباه للإعلان، حيث تزيد نسبة الأفراد الذين ينجذبون للإعلانات الملونة بنسبة 54% عن الأفراد الذين تستهويهم نفس هذه الإعلانات لو کانت غير ملونة، علما بأن التأثير السيكولوجي للألوان يختلف من شخص لآخر، وفقاً لمتغيرات العمر والجنس والثقافة، وكذلك كيفية إدراك اللون ومدى توافقه مع الميول الشخصية.
سيكولوجية اللون وعلاقتها بالمستهلك
تعتبر “سيكولوجية اللون-Psychology of Color” من حيث صلتها بالإقناع واحدة من أكثر جوانب التسويق إثارة للاهتمام، والأكثر إثارة للجدل، ويقصد بسيكولوجية اللون دراسة كيفية تأثير الألوان على التصورات والسلوكيات.
ويركز علم نفس الألوان في مجال التسويق والعلامات التجارية على كيفية تأثير الألوان على انطباعات المستهلكين عن العلامة التجارية، وما إذا كانت تقنع المستهلكين بإجراء عملية شراء أم لا، فهو يعد حقلًا مهمًا للدراسة يجب مراعاته عند القيام بالجهود التسويقية أو إنشاء نشاط تجاري جديد، ففي دراسة بعنوان “تأثير اللون على التسويق”، وجد الباحثون أن ما يصل إلى 90% من الأحكام السريعة الصادرة حول المنتجات يمكن أن تستند إلى اللون وحده، بينما كشفت دراسة أخرى أن نية الشراء لدى العملاء تتأثر بشكل كبير بلون العلامة التجارية لأن اللون يتحدث عن هوية العلامة وشخصيتها، كما أفادت دراسات أخرى أيضًا بأن العقل البشري يفضل العلامات التجارية التي يمكن التعرف عليها، مما يجعل لون العلامة التجارية أكثر أهمية.
وعلى هذا، فقد أثبتت هذه الدراسات أن هناك علاقة مهمة حقًا بين لون العلامة التجارية ورد فعل العملاء، لذلك من الضروري لأصحاب الأعمال والمعلنين والمصممين أن يكونوا على دراية بهذا؛ لأن اختيار الألوان المناسبة قد يؤدي إلى مشروع تجاري أكثر نجاحًا.
الأهداف الوظيفية والنفسية للألوان في الإعلان
يتفق خبراء التسويق والإعلان بأن استخدام الألوان في التصميم يحقق مجموعة من الأهداف النفسية والوظيفية والجمالية، يتمثل أبرزها في خلق انطباع قوي وسريع بالنسبة للإعلان مهما كان نوعه في نفسية المستهلك، وزيادة درجة جذب الانتباه للإعلان وتشجيع الجمهور للإقبال عليه ومشاهدته، وإثارة الاهتمام بالرسالة الإعلانية لتحفيز النقر على الإعلان الإلكتروني لمعرفة تفصيلات أكثر، بجانب خلق جو مناسب للمنتج أو الخدمة مما يؤدي إلى إحداث التأثيرات السيكولوجية المطلوبة وخلق استجابة معينة للإعلان، فضلًا عن إظهار السلعة أو الخدمة بألوانها وأشكالها الواقعية، بالإضافة إلى خلق انطباعات بصرية تؤدي إلى زيادة قدرة المشاهد للإعلان على استرجاعه وتذكره، وكذلك خلق تأثيرات رمزية نتيجة لما توحي به الألوان من إيحاءات عاطفية ووجدانية.
الدلالات السيكولوجية للألوان
لا يعد استخدام الألوان في التسويق مجرد عملية جمالية فقط، ولكنها مرتبطة بسيكولوجية الألوان وما تعكسه من دلالات، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
اللون الأحمر: لون به حرارة يدل على الطاقة والإثارة والقوة وحب المغامرة والحركة والشجاعة، وهو لون يجتذب العين بلا مقاومة ويؤثر حسب موقعه، فهو يتعدد في دلالاته، حيث إن استخدامه في إشارات المرور يوحي بالخطر والحذر، وعندما يمثل بقعة دم يثير الخوف والرعب، وفي ألوان الزهور يثير البهجة والجمال، وفي الطعام يثير الجوع والشهية.
اللون الأصفر: يعتبر من الألوان الدافئة وهو يدل على التألق والحيوية ويوحي بالنضج في الفاكهة ويثير الدفء، وفي بريق الذهب يثير الإحساس بالفخامة والرقي، ويوحي بالسعادة والمرح والتسلية والتفاؤل والإبداع.
اللون الأزرق: من الألوان الباردة ويوحي بالعمق، ويتميز بتخفيف التوتر والعصبية عند المتلقي، ويثير الإحساس بالأمل والتفاؤل والهدوء، ويدل أيضًا على النجاح والثقة والأمن والاستقرار والمهنية في العمل.
اللون الأخضر: يوحي بالنضارة والتجديد والهدوء والصحة والنمو والخصوبة والمرونة واحترام الذات والاستمرارية.
اللون البرتقالي: هو همزة الوصل بين الألوان الباردة والدافئة، ويلعب دورًا حيويًا في إيجاد التوافقات اللونية المهمة، وتزداد سخونته عندما يقع وسط الألوان الباردة، ويقل سطوعه وسط الألوان الحمراء الملتهبة، ويوحي هذا اللون بالاستعداد والفزع والخوف والدفء، ويدل أحيانًا أخرى على التفاؤل والطاقة والإبداع والشباب والراحة والمرح والتفاعل الاجتماعي، ويُستخدم دائمًا في الإعلانات للدلالة على انخفاض الأسعار.
اللون الأبيض: يُعتبر أكثر الألوان سطوعًا، وهو لون مهم في الإعلانات، حيث يتم استخدام الخلفيات البيضاء لإضفاء البساطة للإعلان، ويوحي اللون الأبيض بالصفاء والنقاء والنظافة والوضوح والبساطة والاطمئنان والتفاؤل والحب.
اللون الأسود: يرمز إلى القوة والسلطة والجرأة والفخامة والرسمية والوقار والاحترام والغموض والجدية والتفرد والهيبة. وتستخدم أشهر الماركات العالمية هذا اللون سواء في شعارها أو كخط أو عنصر من عناصر تصميم إعلاناتها.
عوامل يجب مراعاتها عند اختيار نظام الألوان
بصرف النظر عن معنى ودلالات الألوان المختلفة، يجب على أصحاب الأعمال أيضًا أن يكونوا على دراية بالعوامل الأخرى التي يجب عليهم مراعاتها عند اختيار نظام الألوان، ومن بينها:
“الملاءمة-Appropriateness“: يجب أن يعرف أصحاب الأعمال الرسالة التي يريدون إيصالها إلى الجمهور، وفقًا لنوع الأعمال التي لديهم، وفي هذه الحالة، يمكن مطابقة الرسالة بلون مناسب.
“السوق المستهدفة-Target market“: من المهم أيضًا لأصحاب الأعمال معرفة السوق المستهدفة، وإلى من يُقدّمون خدماتهم أو منتجاتهم، بحيث يكون اللون مناسبًا أيضًا لنوع العملاء المستهدفين، وفقًا لشريحتهم العمرية وثقافتهم وبيئتهم.
“التناسق-Consistency“: الاتساق في مخطط الألوان للعلامة التجارية يعزز هويتها في السوق، كما أنه يساعدها على التميز والارتقاء في مواجهة المنافسة الشديدة في الصناعة. ويساعد الاتساق أيضًا في اكتساب ثقة العملاء وولائهم.
إشكاليات تتعلق بسيكولوجية اللون في التسويق
كانت هناك محاولات عديدة لتصنيف كيفية تفاعل الأشخاص مع الألوان الفردية المختلفة، ومن ثم البناء على ذلك عند تصميم الإعلان أو القيام بجهد تسويقي يستند إلى الألوان، لكن الحقيقة أن اللون يعتمد بشكل كبير على التجارب الشخصية بحيث لا يمكن ترجمته عالميًا إلى مشاعر محددة، إذ تظهر الأبحاث أن التفضيلات الشخصية والتجارب والتنشئة والاختلافات الثقافية والسياق يجعل تأثير الألوان على الأشخاص متباينًا، لذلك لا توجد إرشادات واضحة لاختيار الألوان لعلامتك التجارية.
وإن كان ثمة جهود بحثية توصلت إلى أن العلاقة بين العلامات التجارية واللون تتوقف على الملاءمة المتصورة للون المستخدم لعلامة تجارية معينة، بمعنى آخر: هل يناسب اللون ما يتم بيعه؟ وبالتالي عند التفكير في الألوان الخاصة بالعلامة التجارية أو بالحملة التسويقية، فعلى القائمين على ذلك الجهد أن يسألوا أنفسهم السؤال التالي “هل هذا اللون مناسب لما نهدف لبيعه وتسويقه؟”، إذ تؤكد العديد من الدراسات أن اللون عنصر مهم عند إنشاء هوية العلامة التجارية، ومن المهم للعلامات التجارية الجديدة اختيار الألوان التي تضمن التمايز عن المنافسين الراسخين.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول إن التوظيف الجيد للألوان في الإعلان يأتي بنتائج ايجابية من حيث الإقناع بأهمية السلعة المعلن عنها أو أهمية الخدمة للاستفادة منها، بجانب خلق انطباع إيجابي تجاه العلامة التجارية. والتوظيف الجيد للون يعمل على إبراز جمالية المنتج أو العلامة التجارية وعلاقتها بمحتوى الإعلان من خطوط ونصوص ورسوم، وبالتالي ينعكس الأثر الذي تحدثه الألوان على الشعور الحسي والسلوكي للفرد.
كما تساعد الألوان في تعزيز هوية العلامة التجارية لدى الجمهور، لذلك يعتمد المسوقون على فهم سيكولوجية الألوان عند دمج الألوان في الاستراتيجيات والخطط التسويقية للتأثير على تفكير الجمهور تجاه العلامة التجارية، ومحاولة توجيههم للتفاعل مع المنتج واتخاذ قرار الشراء.
وأخيرًا تعد العلاقة بين سيكولوجية الألوان والتسويق من المجالات البحثية التي يجب أن تضعها الشركات على قائمة أولوياتها، وتوفر لها تمويلًا لإجراء دراسات ضخمة في هذا الشأن، نظرًا للمنافع الكبيرة التي ستعود عليها نتيجة لفهم تأثير الألوان على جمهورها، ومعرفة الألوان المحفزة للشراء.