قراءات

السعودية والإمارات جناحا الاستقرار في المنطقة

شراكة استراتيجية، وأخوة متجذرة، ووحدة مصير تجمع المملكة العربية السعودية والإمارات، لتشكلا جناحي الاستقرار والأمن والنماء في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وتقدما نموذجًا يُحتذى به في العلاقات العربية العربية لمدى عمق تلك العلاقات وقيامها على أسس راسخة من التقدير والاحترام والمصالح المشتركة، والتنسيق المستمر على المستوى السياسي والزيارات المتبادلة بين قادة البلدين.

وتمثل تلك الشراكة بين البلدين الشقيقين مكسبًا استراتيجيًا كبيرًا للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وترسيخ أجواء الأمن ونزع أسباب التوتر والصراعات وحلحلة الأزمات، الأمر الذي يعزز منظومة الأمن القومي العربي ويشكل حائط صد ضد التدخلات الخارجية وأطماع بعض القوى الإقليمية في السيطرة على المنطقة، وهو ما تجلى بوضوح في مشاركة الإمارات في “عاصفة الحزم”، التي كانت تتويجًا للتكامل بين دور البلدين في حماية الأمن القومي العربي والتصدي لمؤامرات قوى الشر على اليمن، والتي تمثل خاصرة الوطن العربي.

إطار مؤسسي لشراكة استراتيجية

ارتكزت العلاقات السعودية الإماراتية بجانب التوافق بين قيادتي البلدين إلى إطار مؤسسي يدعم علاقات الشراكة الاستراتيجية، وينتقل بها إلى أفق أرحب عبر سلسلة من الخطط والمبادرات التي تغطي كافة القطاعات بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، وتمثل ذلك الإطار في تأسيس مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي عام 2016، بهدف تكثيف التعاون الثنائي بين السعودية والإمارات في الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز الشراكة وتحقيق التكامل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، ومواجهة التحديات في المنطقة، وتعزيز الأمن والاستقرار فيها.

واستطاع مجلس التنسيق السعودي الإماراتي تحقيق إنجازات ونتائج إيجابية كبيرة انعكست إيجابًا على البلدين، وأسهم في ترجمة العلاقات الوطيدة بينهما من خلال إطلاق مبادرات واستراتيجيات مشتركة ترتقي بالتنمية المستدامة في السعودية والإمارات.

ومن بين تلك المبادرات الـتأشيرة السياحية المشتركة للمقيمين في البلدين عند الوصول، وتسهيل انسياب الحركة بين المنافذ الجمركية، واستراتيجية الأمن الغذائي المشتركة وتعزيز الأمن السيبراني وتقديم خدمات وتعاملات إلكترونية آمنة، بجانب تدشين مشروع “عابر”، لإنشاء عملة رقمية مشتركة تستخدم بين البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، من أجل توطيد الشراكة الاقتصادية القوية بين البلدين، بالإضافة إلى مبادرة إنشاء مجلس الشباب السعودي الإماراتي؛ تعزيزًا للشراكة بين الشباب في البلدين، وتنسيقًا لجهود رفع قدراتهم بما يؤدي لاستثمار طاقاتهم في تنمية المجتمع.

علاقات اقتصادية متميزة.. وتعاون في التصنيع العسكري

وتعد العلاقات التجارية والاقتصادية بين السعودية والإمارات الأكبر بين نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، فالمملكة هي الشريك التجاري الأول عربيًا والثالث عالميًا مع دولة الإمارات؛ حيث استحوذت الإمارات على النصيب الأكبر بنسبة 67.8% بإجمالي 20 مليار دولار من إجمالي التبادل التجاري بين المملكة ودول الخليج الذي بلغ نحو 26.36 مليار دولار.

وتصنف السعودية أول شريك تجاري مستورد من دولة الإمارات على مستوى العالم وأول دولة عربية مستوردة من الإمارات لكل من الذهب والأسلاك والنحاس والألبان والقشدة، بقيمة 8.4 مليار دولار وبنسبة 12.8% من إجمالي الصادرات الإماراتية إلى دول العالم خلال عام 2019، كما تعد المملكة أول شريك تجاري على مستوى دول العالم المعاد التصدير إليها بقيمة 15.57 مليار دولار وبنسبة 11.1 % من إجمالي إعادة التصدير الإماراتية إلى دول العالم، وفي المرتبة الثامنة من حيث الدول المصدرة للإمارات وبقيمة 6.83 مليار دولار إماراتي خلال عام 2019.

ويمثل الذهب والصناعات الغذائية والمنتجات المعاد تصديرها التي تتمثل في أجهزة الهواتف النقالة والأجهزة اللاسلكية من أبرز صادرات دولة الإمارات للمملكة العربية السعودية، بينما تعد زيوت النفط وبعض الصناعات الغذائية والملابس وبعض أصناف المنتجات المعدنية والبتروكيماوية أبرز صادرات دولة الإمارات للمملكة العربية السعودية.

من جهة أخرى، تلعب الاستثمارات المشتركة بين السعودية ودولة الإمارات دورًا حيويًا في العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تأتي الإمارات في طليعة الدول المستثمرة في المملكة بقيمة إجمالية تزيد على 9.25 مليار دولار تعكس نشاطًا يقرب من 122 مشروعًا استثماريًا لما يزيد على 65 شركة ومجموعة استثمارية بارزة في دولة الإمارات تنفذ مشاريع كبرى في السعودية، كما تبلغ قيمة استثمارات البنوك الإماراتية في السعودية 14.56 مليار دولار في النصف الأول من عام 2019، في حين تجاوزت الاستثمارات السعودية المباشرة في دولة الإمارات 4.36 مليار دولار، علمًا بأنه توجد 4459 علامة تجارية سعودية و73 وكالة تجارية و26 شركة مسجلة في دولة الإمارات، تعمل في قطاعات استثمارية من بينها: التعدين واستغلال المحاجر وتجارة الجملة والتجزئة والأنشطة المالية وأنشطة التأمين وفي مجال صحة الإنسان والعمل الاجتماعي والتعليم وأنشطة خدمات الإقامة والطعام والأنشطة العقارية والصناعات التحويلية.

وامتد التعاون بين البلدين ليشمل مجال الصناعات العسكرية، وهو ما تمثل في توقيع الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية ومجلس التوازن الاقتصادي في الإمارات مذكرة تفاهم بهذا الخصوص، فضلًا عن توقيع شركة “نمر” لإنتاج الآليات العسكرية المدولبة، التابعة لشركة “إيدج” اتفاقية تعاون مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف إنشاء إطار عمل للتعاون المستقبلي لاستكشاف الفرص لآلية جيس ذات الدفع الرباعي في السعودية، وذلك على هامش معرض ومؤتمر الدفاع الدولي “آيدكس 2021”.

شعب واحد في وطنين

مما لا شك فيه أن الطبيعة الخاصة التي تتسم بها العلاقات النموذجية بين الشعبين السعودي والإماراتي كان لها دور محوري في تعزيز التعاون الاستراتيجي والتكامل الدبلوماسي والتفاهم الكبير بين قيادة البلدين.

فالشراكة الاستراتيجية بين الرياض وأبوظبي تتميز برابط فريد قائم على الود والترابط والتجانس والإخاء والتماسك والتلاحم بين الشعبين، مما جعلها أكثر صلابة وتوحدًا في الهدف والمصير المشترك، وهو ما تجلى في العديد من المواقف التي ظهر فيها مواطنو البلدين يدًا واحدة يتشاركون الأفراح والآلام.

هذا التفرد والتميز الذي تتسم به العلاقات الشعبية بين البلدين، يجعلها هدفًا لبعض الجهات الخبيثة التي تسعى دائمًا لبث الفرقة والفتنة بين مكونات الأمة، إلا أن قوة ومتانة ما يجمع بين الشعبين يُعد صمام الأمان لها، ليظل السعودي والإماراتي شعبًا واحدًا في وطنين…

يتضح مما سبق أن السعودية والإمارات تُقدمان نموذجًا للتكامل العربي الاستثنائي القائم على التعاون والتكاتف على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشعبية، ومستندًا على إرث حضاري وتاريخي بجانب مقومات قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية مشتركة. وقد عزّز هذا التعاون رؤى القيادة في البلدين، وإدراكهم أن السعودية والإمارات تجمعهما وحدة الهدف والمصير، وثقتهم بأن التعاون والتنسيق بينهم يُعزز الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية ويُحقق الرفاه لشعبيهما.

وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول، إن العلاقات الأخوية بين المملكة ودولة الإمارات علاقات متجذرة وضاربة في أعماق التاريخ؛ لذلك فهي محصنة ضد أي محاولات للاختراق أو التشويه تقوم بها بعض الجهات الخبيثة؛ خاصة وأن هناك شعورًا حقيقيًا بالمصير المشترك بين البلدين، بجانب أن العلاقات بينهما تصب في خدمة مصالح شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بوجه خاص والعالم العربي بشكل عام.

زر الذهاب إلى الأعلى