في تصعيد غير مسبوق للعنف بالعراق، تعرّض رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال عبر استهداف منزله في المنطقة الخضراء وسط بغداد بطائرات مسيرة مفخخة، وجاء ذلك بعد أسابيع من الاحتجاجات التي تُحرِّكها ميليشيات عراقية مدعومة من إيران؛ رفضًا لنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، التي شكّلت انتكاسة كبرى للقوى الموالية لطهران، ممثلة في تحالف الفتح (الظهير السياسي لفصائل الحشد الشعبي) الذي فقد ثلث عدد نوابه، ليتراجع تمثيله من 48 مقعدًا إلى 15 مقعدًا فقط بالبرلمان المؤلف من 329 مقعدًا.
وتحمل تلك المحاولة الفاشلة مجموعة من الدلالات السياسية التي تُرجِّح فرضية تورط إيران في هذه الجريمة، مثل:
تيقن الفصائل العراقية الموالية لطهران من فشل محاولات قلب نتيجة الانتخابات البرلمانية المبكرة، عبر الطعون المقدمة إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لذا لجأت تلك الفصائل إلى العنف.
القلق من التوجه السياسي للكاظمي: فقد شهد العام ونصف العام الذي قضاها الكاظمي في منصبه جهودًا غير مسبوقة لرئيس وزراء عراقي منذ عام 2003 للتحرر من النفوذ الإيراني، وبدت التوجهات القومية العربية واضحة في كافة تحركات الكاظمي الإقليمية على المستوى الثنائي مع الدول العربية أو متعدد الأطراف، ومن أبرزها تأسيس مجلس تعاون تنسيقي مشترك مع المملكة العربية السعودية، وأيضًا المشاركة في إطلاق خطة “المشرق الجديد”، وهو تحالف يجمع مصر والعراق والأردن يرتكز على توظيف نقاط القوة لدى الدول الثلاث؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنسيق على المستويين السياسي والاستراتيجي، فضلًا عن مساعيه المستمرة لاستعادة الدور الحيوي لبغداد في منظومة الأمن القومي العربي، الأمر الذي شكل خطوة جادة على صعيد كسر الهيمنة الإيرانية.
ومن الواضح أنه حال التوافق على تولي الكاظمي رئاسة الحكومة المقبلة سيواصل تلك السياسية التي تعني ضمنًا تقليم أظافر أذرع نظام الملالي في الداخل العراقي.
رسالة إلى زعيم التيار الصدري بشأن تشكيل الحكومة المقبلة: جاءت محاولة اغتيال الكاظمي في الوقت الذي يقوم فيه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بجولات تفاوضية مع قوى سنية وشيعية في بغداد لم تشمل الفصائل التابعة للحشد الشعبي الموالي لطهران من أجل تشكيل الحكومة الجديدة. ولذلك فإن فحوى هذه الرسالة تتمثل في التأكيد على أنه لا يمكن بأي حال استبعاد الحشد من التركيبة الحكومية، وأن لديهم من القدرة على إعاقة تلك المسيرة.
وفي الوقت الذي لم تعلن فيه أي جهة حتي الآن مسؤوليتها عن محاولة الاغتيال، لكن ثمة العديد من البصمات الإيرانية الواضحة على تلك الجريمة، فقبل ساعات من الهجوم على منزل رئيس الوزراء العراقي، توعد قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق الموالية لطهران، الكاظمي بالثأر ردًّا على مقتل أحد عناصر الميليشيا في احتجاجاتهم الرافضة لنتيجة الانتخابات البرلمانية.
كما تشير تقديرات استخباراتية عراقية وإقليمية إلى أن الهجوم شنته على الأرجح جماعات مرتبطة بإيران، منوهة إلى أن الطائرات المسيرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع، وهي ذاتها التي كانت تُستخدم في قصف القواعد والمنشآت الأمريكية في العراق.
يُضاف إلى ذلك، أن توجهات وسياسات رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تتعارض مع المصالح الإيرانية وطموحاتها التوسعية في العراق، وبالتالي قد تُشكل حكومة الكاظمي تهديدًا مباشرًا للمشروع الإيراني التوسعي الطائفي في المنطقة.
لذا، وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن تورط إيران في الهجوم الإجرامي ضد الكاظمي يتحول من درجة الترجيح إلى التأكيد واليقين.
شعبيًا.. أثارت محاولة الاستهداف الإجرامية التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ردود فعل واسعة من جانب المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تنوعت هذه الردود لتشمل مواطنين، وشخصياتٍ عامةً وكُتّاب رأي وإعلاميين وسياسيين يندرجون تحت توصيف نخب المجتمع، والذين يتعاظم دورهم في توعية الرأي العام وتوجيهه نحو الحقيقة، خاصة في ظل استمرار الرفض الإيراني عن التورط في هذه الجريمة.
ويأتي سمو الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز في مقدمة النخب السعودية والعربية التي دائمًا ما تتقدم الصفوف للدفاع عن المملكة والدول العربية، وكشف المخططات الخبيثة التي تستهدفها سواء كانت إقليمية أو دولية، وذلك بمنطلق وطني عروبي وقومي، حاملًا على عاتقة أمانة توعية المواطنين، ولفت انتباههم لما يُحاك ضد أوطانهم، ومستفيدًا من أعداد مليونية من المتابعين لحسابه الشخصي على منصة “تويتر” وصلوا إلى أكثر من (8) ملايين متابع وجدوا فيه المصداقية والبصيرة والثقافة والقدرة على تفنيد وقراءة المشهد بعمق، وقبل كل ذلك الحس الوطني والمسؤولية المجتمعية.
ولأن الأمير عبد الرحمن بن مساعد مستخدم نشط لـ”تويتر” الذي يتخذه كنافذة يطلُّ من خلالها على متابعيه ليُعبّر عن وجهة نظره ورؤيته حول مختلف الأحداث والقضايا والموضوعات، فقد غرّد الأمير بشأن المحاولة الفاشلة لاغتيال الكاظمي قائلًا: “من الدولة التي تقف وراء إرسال مسيّرة لاغتيال مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق؟” وعرض أربعة خيارات هي: “أكيد إيران – مَنْ غير إيران – بلا جدال إيران – بدون شك إيران”.
واتَّبع الأمير عبد الرحمن أسلوبًا استفهاميًّا تفاعليًّا لإثارة المتابعين، وذلك بالتساؤل عن الدولة المتورطة بمحاولة الاغتيال، ثم عرض مجموعة من الخيارات أخذت شكل استطلاع الرأي، ولكنها جاءت جميعها مؤكِّدة على أن إيران هي الفاعلة؛ وهدف الأمير عبد الرحمن من هذا النمط من التغريد إلى تأكيد المؤكَّد، وتوجيه رسالة مباشرة أنه لا مجال للتفكير في الفاعل.
وتعكس أيضًا الخيارات براعة لُغوية ودقّة في اختيارها، وهو ما يتضح من خلال معاني هذه المصطلحات كما ورد في معاجم اللغة المختلفة:
أولا: أكيد
معنى أكّد الشيء أي وثَّقه، وأحكمه وقَرَّرَه، فهو أكِيد، أي ثابت ومُحقَّق ولا مجال فيه للنفي.
ثانيًا: مَنْ غير
وهي تتكون من كلمتين الأولى “مَن” وهي اسم استفهام يُستفهم بها عن العاقل وغير العاقل.. أما كلمة “غير” فيها اسم يُستعمل للاستثناء.. وهي تعني أنه لا يوجد أحد غير إيران يفعل ذلك كأنَّ الأمر محصور عليها.
ثالثًا: بلا جدال
وهي أيضا تتكون من كلمتين الأولى (لا) أداة النفي المعروفة، وكلمة (جدال) التي تعني المناقشة، والتركيب هنا يعني أنه لا مجال للمناقشة والخلاف فيه، فهو أمر محسوم وقاطع.
رابعًا: بدون شك
تتكون من كلمتين الأولى (دون) وهي تعني بلا، وكلمة (شك) وهي عكس اليقين، وهما معًا بمعنى أنه أمر مُسلَّم به لا يقبل الارتياب، ولا يرقى إليه الشك والريبة، فهو واقع بلا محالة.
ونظرًا لأن تغريدات الأمير عبد الرحمن بن مساعد تلقى دائمًا تفاعلًا كثيفًا من جانب المتابعين الذين يهتمون كثيرًا بمنشوراته، فقد قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بتحليل عينة عشوائية قوامها (100) من تعليقات المتابعين على تغريدة الأمير بهدف التعرُّف على اتجاههم من الطرح المقدم فيها، ووجهة نظرهم حول إيران.
وقد انتهت النتائج إلى ما يلي:
بلغ حجم التفاعل مع التغريدة حتى وقت إجراء الدراسة (3079) تفاعلًا، بواقع (848) تعليقًا، و(734) إعادة تغريد، منها (46) تغريدة اقتباس، و(1497) إعجابًا.
اتجاه التعليقات
جاءت الغالبية العظمى من التعليقات مؤيِّدة لطرح الأمير عبد الرحمن بن مساعد، وذلك بنسبة 98% من إجمالي عينة التحليل، ودعموا وجهة نظرهم بمجموعة من الحُجج والاستشهادات، مثل:
- تستهدف إيران زعزعة أمن واستقرار الدول العربية، ولذلك تقوم باستهداف كل مَن يعمل لصالح بلاده بعيدًا عن إملاءاتها.
- إيران دولة مارقة، تقوم بتمويل ورعاية التنظيمات الإرهابية والأذرع المسلحة التابعة لها.
- محاولة الاغتيال هي تأجيج للصراع الطائفي في العراق بهدف إدخاله في حرب تنال من الجميع وتُعطِّل أي مسيرة للتقدم.
- حالة الاستقرار التي بدأ يتلمسها العراق لا تُمثل البيئة المناسبة للتمدد الإيراني التخريبي، ولذلك تسعى طهران إلى إعادة تأجيج الصراعات والنزاعات الداخلية.
- محاولة الاستهداف الفاشلة هي تعبير عن الغضب الإيراني من تقارب الكاظمي مع الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ورفضه الارتهان لأجندة الملالي الطائفية.
أما الرافضون لفكرة تورط إيران في هذه العملية الإجرامية، والذين لم تتجاوز نسبتهم 2%، فقد تبنوا نظرية المؤامرة، معتبرين أن محاولة الاغتيال هي “عمل مسرحي” تم تنفيذه من أجل إعادة انتخاب الكاظمي رئيسًا للوزراء مرة أخرى.
ختامًا.. فقد أظهرت تعليقات المستخدمين على تغريدة الأمير عبد الرحمن بن مساعد وجود وعي شعبي كبير بالدور التخريبي الذي تقوم به إيران وأذرعها المسلحة في الدول العربية، وعكست لغة خطاب تغريداتهم قناعتهم شبه التامة بقيام نظام الملالي بعمليات التصفيات السياسية ضد معارضي مشروعه الطائفي في الدول المتوغل فيها، سواء كانوا من الشعب أو حتى كبار المسؤولين، مستشهدين بما حدث مع رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من المستخدمين المتفاعلين على تغريدة الأمير عبد الرحمن بن مساعد جاءت رؤاهم متوافقة مع طرحه الذي عرضه في التغريدة، والمتعلق بالتأكيد على وقوف إيران خلف محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فإنه يظل التأكيد على الأهمية الكبرى لدور نخب المجتمع مثل سمو الأمير عبد الرحمن في قيادة وتوجيه الرأي العام، وخلق مجال عام داعم للوطن، وقادر على مواجهة الدعاية الخبيثة المضادة، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي التي أضحت المستقطب الأكبر للمواطنين، وفي ظل اختلاف وتنوع أساليب التضليل والخداع والكذب المنتشرة على هذه المنصات الاجتماعية.