تقارير

مسؤولية الإعلام تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي في السعودية

شهدت المجتمعات في السنوات الأخيرة مجموعة من التغيرات السريعة والمتلاحقة في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية، وكان لهذه التغيرات آثارها فيما تشهده تلك المجتمعات الآن من قضايا ومنها ظاهرة التنوع الثقافي والاجتماعي، والتي نجم عنها العديد من التأثيرات الإيجابية والسلبية أيضًا. ويقصد بالتنوع الثقافي والاجتماعي وجود ثقافات متنوعة في مجتمع ما، بما يستوجب الاعتراف بوجودها، ويصبح التعايش مبدأً أساسيًا لقبول هذا التنوع الثقافي والاجتماعي ويفسح المجال للحوار وثقافة الفهم وتقبل الآخر.

ويؤكد العلماء أن التنوع الثقافي والاجتماعي ظاهرة ملازمة للمجتمع البشري، وأن التعدد بمعنى “التنوع والاختلاف” ظاهرة في حد ذاتها لا تمثل مشكلة، ولكن المشكلة تبدو حينما يؤدي ذلك التنوع إلى تأثير سلبي يهدد أمن واستقرار المجتمع.

وفي هذا الشأن، جاءت رؤية المملكة 2030 لتؤكد فكرة احترام التنوع الثقافي والاجتماعي، معتبرة أن هذا التنوع من المحركات الرئيسة للتنمية المستدامة. وهنا تبرز أهمية الدراسة التي نشرتها المجلة المصرية لبحوث الرأي العام بعنوان “مسؤولية الإعلام تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة العربية السعودية”، للدكتور شارع بن مزيد البقمي، الأستاذ بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، والتي هدفت إلى تحديد مسؤولية الإعلام السعودي تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة، في إطار نظرية المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، بوصفها الإطار الذي يتفق مع تحقيق هدف الدراسة.

مشكلة وعينة الدراسة

تعد وسائل الإعلام أحد مصادر التوعية وبناء الفكر المجتمعي، نظرًا لما تكرسه من قيم واتجاهات، فالوعي الإعلامي عندما يتناول قضية يصبح لديه القدرة على تكوين الرأي وتشكيل الاهتمامات والتوجهات، ومن ذلك ظاهرة التنوع الثقافي والاجتماعي.

وتزخر المملكة بالخبراء في مجال الإعلام سواء من الأكاديميين أو الممارسين الذين يمكنهم تقديم العديد من الأفكار لمواجهة تحديات التعددية الثقافية والاجتماعية. ولذلك يأتي الهدف الرئيسي للبحث في تحديد مسؤولية الإعلام السعودي تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة كما تراها النخبة الإعلامية، من خلال التعرف على مدى وعي النخبة الإعلامية بظاهرة التنوع الثقافي والاجتماعي وتحديد قيم المسؤولية الاجتماعية الواجب توافرها في الإعلام السعودي تجاه التعددية الثقافية والاجتماعية. وكذلك رصد  اتجاهات النخبة الإعلامية نحو دور الإعلام السعودي في مواجهة تحديات التعددية الثقافية والاجتماعية، وأيضًا رصد وتحليل وتفسير اتجاهات النخبة الإعلامية  نحو مستقبل مسؤولية الإعلام السعودي تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة، بجانب رصد المعوقات التي تحول دون قيام الإعلام السعودي بدوره، والتوصل إلى مقترحات واقعية في شأن دور الإعلام السعودي في تعزيز التنوع الثقافي والاجتماعي.

وقد تمثل  مجتمع الدراسة في فئة النخبة الإعلامية من الإعلاميين (الأكاديميين- الممارسين) في المملكة العربية السعودية حسب عينة قوامها 120 مفردة من الإعلاميين الأكاديميين من عدة جامعات سعودية (جامعة الملك عبد العزيز، وجامعة أم القرى، وجامعة الأحساء، وجامعة جازان)، والإعلاميين الممارسين من عدة وسائل إعلام سعودية (الصحف، والإذاعة، والتلفزيون(، وفقًا لأسلوب “العينة المتاحة-Sample Available ” والتي تُعد من أنواع العينات التي تلائم طبيعة جمهور النخبة الإعلامية.

نتائج الدراسة

أظهرت نتائج الدراسة فيما يتعلق بمستوى وعي النخبة الإعلامية بظاهرة التنوع الثقافي والاجتماعي، أن 59.2% من النخبة الإعلامية (عينة الدراسة) تحظى بمستوى وعي عالٍ بتلك الظاهرة،  تليها فئة الوعي المتوسط بنسبة 27.5%، ثم فئة الوعي الضعيف 13.3%. وقد ثبت وجود فروق دالة إحصائيًا بين متغيري مستوى الوعي ونوع النخبة الإعلامية لصالح فئة الإعلاميين الأكاديميين، ويمكن تفسير النتيجة السابقة في إطار أن الإعلامي الأكاديمي يتجه صوب التنظير والدراسة لأي ظاهرة مجتمعية في إطار تخصصه، وبالتالي فإنه على وعي دائم بقضايا المجتمع، وهذا لا ينفي أن هناك قطاعًا كبيرًا من الإعلاميين الممارسين لديهم ثقافة واسعة في العديد من المجالات.

أما عن قيم المسؤولية الاجتماعية الواجب توافرها في الإعلام السعودي تجاه أطروحات التنوع الثقافي والاجتماعي، أظهرت النتائج أن في مقدمتها بالإجماع (100%) قيم: )الصدق – الموضوعية – توازن الأفكار – عدم الخلط بين الخبر والرأي – الحرية المنضبطة)، بينما جاءت الدقة بنسبة 98.3%، والطرح بموضوعية لا يشوبها التزييف بنسبة  95.8%.

وبالنسبة لدرجة رضا النخبة الإعلامية عن دور الإعلام السعودي تجاه التنوع الثقافي والاجتماعي،  أكد  33.3%  من المبحوثين أنهم راضون، و31.7% راضون إلى حد ما، و 20.8% راضون جدا، مقابل 9.2% غير راضين، و5% غير راضين على الإطلاق.

وفيما يتعلق بمستوى ثقة النخبة الإعلامية في دور الإعلام السعودي نحو التنوع الثقافي والاجتماعي، جاءت فئة “نعم أثق” في المرتبة الأولى بنسبة 38.3%، تليها فئة أثق إلى حد ما 26.7%، ثم فئة نعم أثق تمامًا بنسبة 22.5%، ثم فئة لا أثق 10%، وفي المرتبة الأخيرة فئة لا أثق على الإطلاق بنسبة 2.5%.

أما عن اتجاه النخبة الإعلامية الراهن نحو دور الإعلام السعودي في معالجة موضوعات التنوع الثقافي والاجتماعي، فقد جاء في الصدارة أنها “تسهم في التنشئة الاجتماعية وتشكيل الرأي العام بنسبة (84.2%)، يليها أنها تنشر قيم المجتمع وأهدافه وتوضحها 75%، ثم أنها تقدم معلومات لتدعيم الرأي الإيجابي 71.7%، يليها أنها تعمل كمحور لنشر المعرفة والتعليم 70.8%، بينما رأى 65.8% من المبحوثين أن وسائل الإعلام السعودي تلتزم بالمعايير المهنية والأخلاقية.

وحول رؤية النخبة الإعلامية لمستقبل دور الإعلام السعودي نحو التنوع الثقافي والاجتماعي، أكدت عينة الدراسة أن “سيناريو الإصلاح” هو الأقرب للحدوث، حيث احتل المرتبة الأولى بنسبة 55%، ويعني ذلك أن الإعلام السعودي سوف يقدم دورًا أكثر فاعلية وإيجابية نحو التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة. بينما جاء “سيناريو الثبات” في المركز الثاني بنسبة (29.2%) وفي المرتبة الأخيرة “سيناريو التردي” بنسبة (15.8%).

من جهة أخرى، أجمعت العينة بنسبة 100% على وجود بعض التحديات ومنها: (ممارسة حرية الفعل والرأي والتفكير والتعبير – والتطورات التكنولوجية المتلاحقة في مجال الإعلام والاتصال – والمهارات التقنية للإعلاميين – وتسويق الأفكار والقيم والأصالة والهوية العربية للآخر)، ثم في المرتبة الثانية “توظيف الكفاءات” كتحد فني بنسبة (92.5%) يليها “منهجية التعامل مع الآخر” كتحد موضوعي بنسبة (88.3%)، ثم توفير الإمكانيات المادية والميزانيات المعتبرة” كتحد مادي بنسبة (80%).

كما أجمعت النخبة الإعلامية على العديد من المقترحات بنسبة 100% ومنها أهمية وضرورة فهم التنوع الثقافي كتراث مشترك للإنسانية، واحترام الخصوصيات الثقافية، ودعم الدمج الفعلي بين التوجه الإعلامي والتوجه التعليمي في المجتمع السعودي.

توصيات الدراسة

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات عبر محورين رئيسيين الأول يتعلق بالإعلاميين الأكاديميين في الجامعات السعودية، وتشمل إجراء المزيد من الدراسات عن دور الإعلام السعودي في تفعيل توجهات الرؤية الوطنية 2030، وتطبيقات ذلك في معالجة القضايا المجتمعية، ومنها التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة، بجانب إعداد برامج تدريبية تقدم من أساتذة الإعلام للإعلاميين الممارسين للتعريف بتحديات التعددية الثقافية والاجتماعية.

وكذلك استثمار مواد التدريب العملي ومشروع التخرج لطلاب وطالبات أقسام الإعلام بالجامعات السعودية في صناعة إعلاميين سعوديين مميزين، يدركون أبعاد وتحديات التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة.

ويشتمل المحور الثاني على توصيات خاصة بالإعلاميين الممارسين في وسائل الإعلام السعودي تتمثل في ضرورة التزامهم بقيم المسؤولية الاجتماعية، وفي مقدمتها قيم الدقة والموضوعية واحترام الخصوصية، والعمل على صناعة وعي جماعي موحد، يدرك أبعاد وتحديات التعددية الثقافية والاجتماعية في المجتمع السعودي، وكذلك ضرورة ترسيخ قيم وأخلاقيات وعادات إيجابية تتفق والتنوع الثقافي والاجتماعي من خلال ما يقدم في الإعلام السعودي.

بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية بموضوع التعددية الثقافية والاجتماعية عبر وسائل الإعلام، لزيادة الوعي لدى الجمهور، وتوطين تقنيات الإعلام الجديد في المجتمع السعودي، وتدريب الإعلاميين عليها، خاصة من حيث صياغة الأطروحات والمضامين، حتى لا يتحول الإعلامي -دون قصد- إلى أداة تأثير سلبي لا تدرك أبعاد المسؤولية الاجتماعية، ولا تعرف معنى الهُوية الثقافية للمجتمع السعودي. وأخيرًا، تحويل الإعلام السعودي إلى طرف فاعل في دعم التنمية الثقافية والاجتماعية، والاستفادة من التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة.

وتأسيسًا على ما سبق، يتضح وجود ثمة اتفاق بين النخب الإعلامية بالسعودية على قيم معينة للمسؤولية الاجتماعية يجب أن يتبعها الإعلام السعودي تجاه أطروحات التنوع الثقافي والاجتماعي، وتشمل هذه القيم الصدق والموضوعية وتوازن الأفكار وعدم الخلط بين الأخبار والرأي والحرية المنضبطة.

زر الذهاب إلى الأعلى