تقاريردراسات

اعتماد الجمهور السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع

شهد الإعلام في العقدين الأخيرين تطورات كبيرة تمثلت في ظهور وسائل الإعلام الجديدة بما تشمله من قنوات فضائية وإنترنت، حيث مهدت هاتان الوسيلتان الطريق لنظام إعلامي جديد يقوم على أساس العولمة الإعلامية التي تعد امتدادًا طبيعيًا للعولمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى تغيير كبير في الشكل العام للمشهد الإعلامي وطرق تلقي المعلومات ووسائلها التي تلاحق الإنسان في كل مكان.

واستطاعت مواقع التواصل الاجتماعي أن تفرض نفسها بقوة على الجمهور في العالم وفي السعودية بشكل خاص، حيث يشهد هذا العصر نزوحًا من قبل الأفراد على اختلاف مستوياتهم نحو استخدام المنصات الاجتماعية، وأدى هذا الاستخدام الكثيف والإقبال المتزايد على هذه المواقع إلى إنتاج الأخبار والمعلومات وتحليلها وتوزيعها على جماهير مترابطة تكنولوجيًا ولا تحدها حدود جغرافية، وأضحى ملايين الأفراد يلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الانتباه إلى القضايا المهمة.

وفي هذا الإطار، سعت دراسة نشرتها مجلة الآداب والعلوم الإنسانية للدكتور عبد الملك عبد العزيز الشلهوب الأستاذ المشارك بقسم الإعلام كلية الآداب جامعة الملك سعود إلى تحديد حجم ونوعية الدوافع التي تدفع الجمهور للاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي سواء أكانت دوافع معرفية أم توجيهية أم سلوكية، فضلًا عن التعرف على الأسباب الكامنة وراء اعتماد الجمهور السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي.

الإطار المرجعي للدراسة:

تعتمد الدراسة على نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، التي تهتم برصد ودراسة التأثيرات المختلفة لوسائل الإعلام على كل من الفرد والمجتمع، وتقوم على ركيزتين رئيسيتين هما:

الأهداف: فحتى يحقق أفراد الجمهور والمنظمات المختلفة أهدافهم الشخصية والاجتماعية عليهم أن يعتمدوا على موارد يسيطر عليها أشخاص أو جماعات أو منظمات أخرى.

المصادر: حيث يسعى الأفراد والمنظمات إلى المصادر المختلفة التي تحقق أهدافهم، إذ تعد وسائل الإعلام نظام معلومات تسيطر على ثلاثة أنواع من مصادر المعلومات يجب على الأفراد الحصول عليها من أجل تحقيق أهدافهم، وتتلخص هذه المصادر في جمع المعلومات، وتنسيق المعلومات، ونشر المعلومات وتوزيعها بصورة جماهيرية كبيرة.

واستخدمت الدراسة مدخل الاعتماد على وسائل الإعلام من أجل التعرف على دوافع المبحوثين في الاعتماد على مواقع التواصل في التعرف على قضايا المجتمع السعودي سواء أكانت دوافع معرفية أم توجيهية أم سلوكية.

ونوهت الدراسة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تشهد استخدامًا كبيرًا من قبل الجمهور في العالم ولدى أفراد المجتمع السعودي بشكل خاص، حيث يصل عدد مستخدمي مواقع التواصل في العالم أكثر من ثلاثة مليار شخص، وعدد المستخدمين السعوديين وفق تقرير وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات أكثر من ثمانية عشر مليون مستخدم، وقد أتاحت هذه المواقع لأفراد المجتمع السعودي الاتصال والتواصل الاجتماعي، والمشاركة بالمعلومات وطرح قضايا وموضوعات ما كانت تطرح في الوسائل الإعلامية التقليدية، ولذلك فإن واقع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المجتمع السعودي يفرض التحقق من واقع اعتماد أفراد المجتمع السعودي على هذه المنصات الاجتماعية في معرفتهم بقضايا المجتمع المختلفة. ومن هنا تمثلت مشكلة الدراسة في التساؤل التالي: ما مدى اعتماد الجمهور السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع؟

مجتمع وعينة الدراسة

تمثل مجتمع الدراسة في المواطنين السعوديين في مدينة الرياض، وقد تم اختيار الرياض كونها العاصمة وتمثل المرتبة الأولى من حيث الكثافة السكانية من بين مدن المملكة، بالإضافة إلى تنوع تركيبة مدينة الرياض السكانية من مختلف الطبقات والفئات والسكان المستقرين بها فهم يمثلون معظم مناطق ومدن المملكة، الأمر الذي يجعلها تعبر إلى حد ما عن واقع المجتمع السعودي، وقد بلغ حجم عينة الدراسة (893) مفردة وتم تصميم مسح إلكتروني على موقع Google Drive وتوزيع رابط الاستبانة عبر البريد الإلكتروني وموقع تويتر.

أما عن خصائص العينة، فشكّل الذكور نسبة 70% من المبحوثين مقابل 30% من الإناث، وبلغت نسبة المتزوجين 80.6%  مقابل 19.4% غير متزوجين، وشكل أفراد العينة الذين تتراوح أعمارهم من 40 إلى أقل من 50 سنة نسبة (35.9%) من إجمالي العينة، يليهم من تتراوح أعمارهم من 30 إلى أقل من 40 سنة (32.5%)، في حين بلغت نسبة من أعمارهم من 20 سنة إلى أقل من 30 سنة (18.9%)، يليهم من أعمارهم من 50 سنة فما فوق بنسبة (10.6%)، أما من أعمارهم أقل من 20 سنة فبلغت نسبتهم (2%) من إجمالي المبحوثين.

وفيما يتعلق بالدخل الشهري، فإن أفراد العينة الذين دخلهم يزيد عن 15 ألف ريال بلغت نسبتهم (37.1%)، يليهم الذين يتراوح دخلهم بين 10001 إلى 15000 ريال بنسبة ( 21.5%)، ثم من دخلهم يتراوح ما بين 5001 إلى 10000 ريال بنسبة قدرها ( 17.1%) ، ثم من يقل دخلهم عن 3000 ريال وذلك بنسبة قدرها (16.1%)، أما الذين يتراوح دخلهم الشهري بين 3001 إلى 5000 ريال فمثلوا أقل الفئات في الدراسة بواقع (8.2%) من إجمالي المبحوثين.

وبالنسبة للمؤهل العلمي، فإن أفراد العينة الحاصلين على بكالوريوس هم الأكثر تمثيلا في الدراسة بنسبة ( 53.1%) يليهم الحاصلون على دراسات عليا بنسبة ( 21.3%) ثم الحاصلون على الثانوي فأقل بنسبة ( 14.9%)، في حين بلغت نسبة الحاصلين على الدبلوم ( 10.8%) من إجمالي المبحوثين.

وبالنسبة للمهنة، شكّل الموظفون الحكوميون (المدنيون) أكبر فئة في العينة حيث بلغت نسبتهم (31.8%)، يليهم في المرتبة الثانية موظفو القطاع الخاص بنسبة قدرها (21.6%)، يليهم المتقاعدون بنسبة (11.2%)، ثم ربة المنزل بنسبة ( 9.2%)، وتقاربت نسبة تمثيل الطلاب وأصحاب الأعمال الحرة وذلك بنسبة ( 8.4%) للفئة الأولى، و(8.1%) للفئة الثانية، يليهم من لا يعمل بنسبة ( 5.3%)، أما الموظفون العسكريون فبلغت نسبتهم (4.5%) من إجمالي المبحوثين.

نتائج الدراسة

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، جاءت على النحو التالي:

وجود اعتماد كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع

كشفت نتائج الدراسة عن وجود اعتماد كبير من قبل أفراد العينة على مواقع التواصل الاجتماعي في معرفتهم بقضايا المجتمع السعودي المختلفة بنسبة 52%، و42% يعتمدون عليها بشكل متوسط، و6% فقط من أفراد العينة لا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا طبيعي في ضوء أن مواقع التواصل الاجتماعي استطاعت أن تفرض وجودها على الجمهور السعودي بمختلف فئاته، فهذا العصر يشهد نزوحًا من قبل الجمهور على اختلاف مستوياتهم نحو استخدام هذه المواقع

اعتماد الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي تركز بالدرجة الأولى على الدوافع النفعية

كشفت نتائج الدراسة أن اعتماد الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي تركز في الدرجة الأولى على الدوافع النفعية بمتوسط حسابي (3.91)، حيث تمثل في البحث عن المعلومات الجديدة لقضايا المجتمع السعودي والاطلاع على هذه القضايا، والاسترشاد بما في مواقع التواصل من آراء حول هذه القضايا.

اعتماد الجمهور على تويتر بدرجة كبيرة جدًا في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي

بينت نتائج الدراسة فيما يتعلق بمواقع التواصل التي يعتمد عليها الجمهور في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي، أن أفراد العينة يعتمدون على تويتر بدرجة كبيرة جدًا بمتوسط حسابي ( 4.44) ثم الواتساب في المرتبة الثانية بمتوسط حسابي (3.50)، وأظهرت نتائج الدراسة عدم اعتماد أفراد العينة على الفيسبوك وتليجرام والمدونات في المعرفة بقضايا المجتمع.

وتشير الدراسة إلى أن السبب الأول في اعتماد أفراد العينة على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي يرجع إلى السرعة في تغطية القضايا والأحداث وهو ما توفره مواقع التواصل وبالأخص تويتر، الذي أصبح بالنسبة للمستخدمين السعوديين متنفسًا كي يعبروا عن اهتماماتهم المتنوعة، بالإضافة إلى سهولة الاستخدام، حيث وفر ذلك استخدام الهواتف الذكية، بينما جاء الاعتماد  بدرجة متوسطة على التلفزيون والصحف السعودية اليومية وحتى مواقعها الإخبارية.

  • اعتماد الجمهور على المواقع الإخبارية بشكل كبير، وعلى مواقع الجهات الحكومية بشكل متوسط، وعلى مواقع الصحف الورقية بشكل ضعيف في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي

أظهرت نتائج الدراسة اعتماد الجمهور على المواقع الإخبارية بشكل كبير بمتوسط حسابي ( 3.46)، وعلى مواقع الجهات الحكومية بشكل متوسط بمتوسط حسابي (3.34)، كما بينت النتائج ضعف اعتماد أفراد العينة على مواقع الصحف الورقية بمتوسط حسابي (2.38)، وهذا يؤكد أن الصحف الورقية لم تعد خيارًا مطروحًا أمام الجمهور بعد ظهور بدائل تمثلت في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قامت بكسر احتكار الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية الكبرى للمعلومات بعد أن كانت تلك القنوات والصحف تسهم في تكوين الرأي العام باعتبار أنها أول وأهم مصدر إخباري بالنسبة للجمهور.

تركز الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي في متابعة قضايا المجتمع السعودي على القضايا الاجتماعية

كشفت نتائج الدراسة أن أبرز القضايا التي يحرص الجمهور السعودي على متابعتها في مواقع التواصل الاجتماعي هي القضايا الاجتماعية بمتوسط حسابي (4.16) ثم بدرجة ثانية القضايا السياسية بمتوسط (3.87) ثم الصحية (3.83) وبعدها بالدرجة الرابعة القضايا الاقتصادية (3.76)، ثم القضايا العلمية والتقنية ( 3.68)، والقضايا الرياضية ( 3.68)، ثم القضايا العسكرية والأمنية (3.67) والقضايا الدينية ( 3.66) ثم القضايا الثقافية ( 3.55) والقضايا الفنية ( 3.34).

وأوضحت نتائج الدراسة أن اعتماد أفراد العينة على مواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع تركزت في عدة أسباب منها السرعة في تغطية مواقع التواصل الاجتماعي لقضايا المجتمع، وتراجع دور وسائل الإعلام التقليدية لأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أحد أشكال الإعلام البديل، وكذلك قدرة مستخدمي مواقع التواصل على مناقشة كافة القضايا.

توصيات الدراسة

في ضوء ما كشفت عنه نتائج الدراسة من ارتفاع استخدام الجمهور من أفراد العينة لمواقع التواصل الاجتماعي في المعرفة بقضايا المجتمع، فإنها توصي الجهات الحكومية وبالذات الخدمية إلى تكثيف نشاطها في مواقع التواصل وإمداد الجمهور بالمعلومات التي تزيل الغموض عن الكثير من القضايا والأحداث بحيث لا تترك المستخدمين إلى تداول معلومات من مواقع قد لا تتسم بالمصداقية أو غير دقيقة.

وانطلاقًا مما أظهرته الدراسة من ضعف اعتماد الجمهور من أفراد العينة على مواقع الصحف الورقية في المعرفة بقضايا المجتمع السعودي، مما يؤكد على تراجع الإعلام المهني أمام إعلام الهواية الشخصية، فإن الصحافة عامة والورقية بصفة خاصة في مأزق لن يحل إلا من خلال اهتمام الصحف الورقية بتطوير أدواتها المهنية والتحول التدريجي نحو الإعلام الرقمي لكي يكون لها حضور في المشهد الإعلامي الحالي.

وتأسيسًا على ما سبق، أوصت الدراسة بالاهتمام بعدد من الموضوعات البحثية من أبرزها دراسة المضامين المقدمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودراسة مستقبل الصحافة الورقية والتحديات التي تواجهها، فضلًا عن إعداد دراسات حول مواقع التواصل الاجتماعي والبناء الاجتماعي والثقافي والسياسي.


زر الذهاب إلى الأعلى