تقارير

دور الإعلام الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية بالمجتمع السعودي

أثرت شبكات التواصل الاجتماعي خلال العقد الماضي في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وعلى كافة المستويات سواء على مستوى الحكومات أو المؤسسات أو الأفراد خاصة مع تنامي اعتماد مئات الملايين من البشر على الإنترنت وتطور المنصات وتعدد استخداماتها.
ووفقًا للمنظور الإعلامي، يرى المتخصصون في هذا المجال أن الإعلام يمتلك القدرة على صناعة الصورة الذهنية لدى الأفراد والجماعات، والتي تتكون بسبب مضامين وسائل الإعلام، وتكمن خطورة الأمر في أن الكيفية التي يتعرف بها الإنسان على الأشياء تعتمد على الصورة الذهنية التي يمتلكها إزاءها، فأي تغير في هذه الصورة يتبعه بالضرورة تغير في السلوك.
وانطلاقًا من الأدوار الخاصة بالإعلام في المجتمعات، يؤكد الباحثون أن نجاح الإعلام في بناء ثقافة الوسطية يتمثل في صناعة المفهوم، ومحاولة وضع أسس وقنوات تؤدي إلى الوسطية على المستوى الفردي والجماعي، وعلى المستوى السياسي والثقافي وفي ثقافة النخبة ووعي الجمهور.
وفي ضوء ما يمثله مفهوم الوسطية من أهمية استراتيجية في المجتمع السعودي كمجتمع رائد في الشأن الإسلامي، سعت دراسة جديدة نشرتها مجلة جامعة أم القرى من إعداد الدكتور أحمد علي الزهراني أستاذ الصحافة والإعلام الرقمي المساعد بكلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبد العزيز في جدة والدكتورة رباب الجمال الأستاذ المشارك بالكلية والدكتورة مروة عطية الأستاذ المشارك، إلى رصد الدور الراهن لشبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية في المجتمع السعودي، سعيًا إلى فهم واقع هذا الدور، ووضع استنتاجات مستقبلية له.
مشكلة الدراسة وتعريف الوسطية ومكوناتها
فرضت خصائص شبكات التواصل الاجتماعي إمكانية التواصل والإخبار ونشر المعرفة، وفي نفس الوقت أصبحت السمة المميزة للعصر الحديث، وأضحى تأثيرها واضحًا، فباتت صانعة العقول بل إنها أحد محركات السلوك الإنساني، وتزايد تأثيرها مع ما قدمته وسائط التكنولوجيا الجديدة لمنصات التواصل الاجتماعي من مزايا لتصبح أكثر حضورًا، فأتاحت المشاركة والتفاعلية لكل أطياف المجتمع، وكان بديهيًا أن تتصدر المشهد في أطروحات القضايا المجتمعية من حيث تأثيرها سلبًا أو إيجابًا.
وتعد قضية الوسطية إحدى القضايا المطروحة على ساحة المناقشة نظرًا لارتباطها – في حالة عدم الفهم- بفكر الغلو والتطرف، لذلك تتحدد مشكلة الدراسة في قياس دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية في المجتمع السعودي بهدف رصد وتحديد دور مواقع التواصل الاجتماعي في التصدي للفكر المتطرف، ودعم ثقافة الوسطية والاعتدال.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المقصود بالصورة الذهنية النتيجة النهائية للانطباع الذاتي المتكون لدى الفرد أو الجماعة نحو أشخاص أو أنظمة أو شعوب معينة أو جنس بعينه أو أي شيء آخر يمكن أن يؤثر على حياة الإنسان، ويتكون هذا الانطباع من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة، وترتبط بعواطف الأفراد واتجاهاتهم بغض النظر عن صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب.
وتتألف الصورة الذهنية من ثلاثة مكونات وهي؛ المكون المعرفي ويتضمن المعارف والمعلومات التي يكتسبها الفرد عن موضوع معين، والتي تؤسس للصورة الذهنية، ووفقًا لطبيعة هذه المعلومات تكون دقة الصورة الذهنية. بالإضافة إلى المكون الوجداني ويتمثل في الاتجاه الإيجابي أو السلبي نحو الموضوع، ويتحدد في ضوء الجانب المعرفي، لكن اللافت أن الأخير يتلاشى مع الوقت وتبقى الجوانب الوجدانية. وأخيرًا المكون السلوكي فسلوك الفرد يكون نتيجة طبيعية للصورة الذهنية المشكلة لديه عن مختلف أمور الحياة.
عينة الدراسة وخصائصها
تنتمي الدراسة إلى حقل الدراسات الوصفية، حيث سعت لرصد اتجاهات الجمهور السعودي نحو دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية بالتطبيق على عينة قوامها 570 مفردة من الجمهور السعودي، شكل الذكور 24.6% من العينة مقابل 75.4% من الإناث، وكان 67.3% من أفراد العينة يتراوح عمرهم من 18 عاما إلى أقل من 25 عاما، مقابل 21.4% يتراوح عمرهم من 25 إلى أقل من 40 عاما، و11.4 % يتراوح عمرهم من 40 إلى أقل من 60 عاما.
واتضح أيضًا أن 61.2% من العينة حاصلون على مؤهل جامعي، يليهم حملة الشهادة الثانوية 22.8%، ثم الحاصلون على دراسات عليا 13.9% وأخيرًا الحاصلون على دبلوم 2.1%. كما شكّل الطلبة نسبة 63.3% من العينة، ثم فئة العاملين 52.6%، يليهم من لا يعمل (العاطلون) 10.7%، وأخيرًا المتقاعدون ونسبتهم 0.4%.
نتائج الدراسة
انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج نستعرضها على النحو التالي:
ارتفاع كثافة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ثبت أن أغلب العينة وبنسبة 87.5% يتصفحون شبكات التواصل الاجتماعي يوميًا، و2.8% يتصفحون بمعدل من 3-6 أيام، و2.1% من 1-2 يوم، و7.5% يتصفحون بشكل غير منتظم.
وبالنسبة لعدد ساعات التصفح، احتلت الفئة (من 3 إلى أقل من 7 ساعات) المركز الأول في معدل التصفح بنسبة 38.4%، تلاها فئة التصفح (7 ساعات فأكثر) بنسبة 27.8%، ثم فئة (من ساعة إلى أقل من 3 ساعات) بنسبة 25.3%، وأخيرًا فئة (أقل من ساعة) بنسبة 8.5%.
وفيما يخص شبكات التواصل الاجتماعي التي تستخدمها عينة الدراسة، فقد تبين أن سناب شات هو التطبيق الأكثر استخدامًا، حيث بلغ المتوسط الحسابي للاستخدام (3.47)، يليه تويتر (بمتوسط 2.82)، واحتل إنستجرام المركز الثالث (بمتوسط 2.75) ثم يوتيوب (بمتوسط 2.75).
واتضح أن العينة تهتم غالبًا بمتابعة أهمية سلوك الوسطية للفرد في مواقع التواصل بنسبة 37.4%، وجاءت نسبة الذين يتابعون أحيانًا في المركز الثاني (28.8%)، ودائمًا بنسبة (16.4%)، أما على المستوى المجتمعي فقد تبين أن فئة غالبًا هي الأعلى بنسبة (33.5%)، يليها فئة أحيانًا بنسبة (29.9%)، ثم فئة دائمًا (14.9%).
وفيما يتعلق بقيم الوسطية، جاءت قيمة “مراعاة حقوق الإنسان” في مقدمة القيم بمتوسط حسابي (3.32)، تلاها على التوالي “العدل” بمتوسط (3.18)، و”احترام آراء الغير” (3.15)، ثم دعوة المسلمين بالحكمة (3.04)، حب الصالح العام (3.00)، ثم المبادرة (2.80)، والشورى (2.57) والتدرج في الأحكام (2.57).
ويشير تقارب المتوسطات الحسابية لقيم الوسطية بشكل عام إلى اهتمام العينة بالقيم بشكل عام دون تمييز بين محاورها المختلفة.
وبالنسبة لثقة الجمهور السعودي في محتوى شبكات التواصل الاجتماعي عن الوسطية، خلصت النتائج إلى أن أغلب العينة تثق “إلى حد ما” في المحتوى بنسبة ( 81.5%)، وأوضح 17.4% أنهم لا يثقون في هذا المحتوى، بينما أبدى 1.1% فقط ثقتهم في المحتوى.
كما كشفت نتائج الدراسة أن 17.4% من الجمهور “يعتمدون تمامًا” على شبكات التواصل الاجتماعي كمصدر لصناعة الصورة عن الوسطية، وأن 59.4% “يعتمدون إلى حد ما” عليها، مقابل 23.1% “لا يعتمدون عليها”.
وبالنسبة لاتجاه الجمهور السعودي نحو دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية، احتلت عبارة “ترفع الوعي بثقافة الوسطية” المركز الأول بمتوسط حسابي (3.88)، ثم عبارة “وسيلة للمناصرة والتوثيق وتبادل المعلومات والخبرات” بمتوسط (3.82)، وجاءت عبارة “تقدم نماذج لرجال الدين المعروفين بوسطيتهم” في المركز الأخير بمتوسط متقارب مع العبارات الأخرى بلغ (3.28).
وأظهرت نتائج الدراسة وجود علاقة ارتباط ذات دلالة إحصائية بين كثافة استخدام العينة لشبكات التواصل الاجتماعي واتجاهاتهم نحو دورها في تشكيل مفهوم الوسطية، كما أثبتت النتائج وجود علاقة ارتباط ذات دلالة إحصائية بين معدل ثقة الجمهور في شبكات التواصل الاجتماعي ودرجة اعتمادهم عليها كمصدر لصناعة الصورة حول الوسطية.
وتبين أيضًا وجود علاقة ارتباطية دالة بين الصورة الذهنية للوسطية لدى الجمهور السعودي واتجاهاتهم نحو دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل مفهوم الوسطية.
كما ثبت وجود فروق ذات دلالة إحصائية في متوسطات الرتب بين الذكور والإناث نحو دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية وفقًا للنوع.
وفيما يخص تأثير متغير المؤهل الدراسي فقد تبين وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين عينة الدراسة في الاتجاه نحو دور شبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية وفقًا لمتغيري المؤهل الدراسي والوظيفة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن ملامح تشكيل الصورة الذهنية لمفهوم الوسطية قد تأثرت بتعرض الجمهور لما ينشر بشأن المفهوم في شبكات التواصل الاجتماعي، كما أن تكوين الصورة الذهنية عملية حركية مستمرة تتغير بحسب تطور الواقع الاجتماعي، ويرتبط هذا الواقع بتطور شبكات التواصل الاجتماعي، وهي وسائط تتسم بالتفاعلية والتغير المستمر، وقد أضحت تلك المنصات إحدى الأدوات القوية والمهمة في تشكيل المفاهيم لدى الجمهور حول الوسطية، وهو ما يجب أن يتركز على ترسيخ الوسطية بوصفها تعبيرًا عن الفهم التكاملي للدين الإسلامي الحنيف عقيدةً وشريعةً، وكذلك الحرص على البناء لا الهدم، وعلى الجمع لا التفريق.

زر الذهاب إلى الأعلى