الدراسات الإعلاميةهاشتاق

الشهرة مقابل القيم الأخلاقية على المنصات الاجتماعية

تُعد مواقع التواصل الاجتماعي كغيرها من مخرجات التطور التكنولوجي بمثابة سلاح ذي حدين، فبرغم فوائدها الإيجابية المتعددة، إلا أنها لا تخلو من سلبيات، والعنصر الحاكم في هذا الأمر هو طبيعة الاستخدام.
في أواخر ستينيات القرن الماضي، تنبأ الرسام الأمريكي “آندي وورهول” بظهور وسيط إعلامي يُوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، حيث قال نصًا في إحدى مقابلاته: “في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يُصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط”.
وبعد نحو نصف قرن، مع ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي تحقق ما توقعه “وورهول”، إذ صاحب هذه المنصات الاجتماعية استحداث مصطلحات جديدة مثل “مشاهير السوشيال ميديا” و”المؤثرين”.
وعلى الرغم من أن التعميم لا يتوافق مع مبادئ المنهج العلمي، فإن الواقع يعكس أن السبب وراء شهرة الكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعي يرجع إلى طبيعة المحتوى الذي يُقدمونه على تلك المنصات والذي يتسم في أغلبه بالسطحية والتفاهة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تخطاه إلى لجوء البعض إلى تقديم محتوى غير أخلاقي سواء من حيث الشكل أو المضمون أو كلاهما معًا.
وفي هذا الصدد، برز مؤخرًا على منصة تويتر وسم يحمل اسم (#الشهره_للبنات_بدون_محتوى)، وقد لاقى تفاعلًا كبيرًا من جانب المستخدمين السعوديين الذين سعوا من خلاله إلى التعبير عن غضبهم ورفضهم لسلوكيات العديد من الفتيات الباحثات عن الشهرة على حساب المحتوى الهادف والعادات والتقاليد والالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
ومن أجل التعرف على طبيعة تفاعلات السعوديين على هاشتاق (#الشهره_للبنات_بدون_محتوى)، قام مركز القرار للدراسات الإعلامية برصد عينة عشوائية قوامها (100) تغريدة متفاعلة على الهاشتاق، وبإخضاعها للتحليل بشقيه الكمي والكيفي، توصلت النتائج إلى ما يلي:
الاتجاه
جاءت غالبية التفاعلات متفقة مع الطرح الذي يحمله اسم الهاشتاق ويتمحور حول أن الكثير من الفتيات يسعين إلى تحقيق الشهرة على حساب المحتوى الذي يُقدمنه، وذلك بنسبة 80% من إجمالي التفاعلات، مقابل 14% فقط عارضوا هذا الطرح بحجة أن هذا يدخل ضمن مبدأ الحرية الشخصية وأن للفتيات مطلق الحرية فيما يقدمنه وليس لأي شخص الحق في التدخل في شؤونهن، فيما تناولت 6% من التفاعلات هذه الظاهرة بشكل عام من منطلق التغييرات التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي على العملية التواصلية، فضلًا عن تأثير المنصات الاجتماعية على طبيعة المحتوى المنشور بغض النظر عن جنس المستخدم.

طبيعة التناول
جاءت فئة “وصف الظاهرة” في المرتبة الأولى بنسبة 84%، حيث لجأ المستخدمون إلى وصف هذه الظاهرة من خلال الواقع المعاش، وتمثلت أهم أطروحاتهم فيما يلي:
– تنطبق ظاهرة المحتوى غير الهادف على الذكور والإناث.
– تحول البحث عن الشهرة إلى “هوس” لدى الفتيات.
– بعض الفتيات يعتمدن على مخاطبة الغرائز وإظهار مفاتنهن لجذب المتابعين دون تقديم أي محتوى هادف.
– صاحب المحتوى الهادف لا يجد الدعم والتشجيع أو حتى المقابل سواء كان ماديًا أو معنويًا أو أعداد متابعين.
– هناك قِلة من الفتيات يُقدمن محتويات هادفة في المجالات الدينية والاجتماعية، ويستحققن الاحترام والتقدير والشهرة.
في المرتبة الثانية حلّت فئة “أسباب الظاهرة” بنسبة 12%، وفيها تناول المستخدمون المتفاعلون على الهاشتاق هذه الظاهرة من خلال التطرق للأسباب التي تدفع البعض إلى اتباع هذا الأسلوب، وقد تمحورت هذه الأسباب حول:
– الرغبة الكبيرة للفتيات في تحقيق الشهرة السريعة والمكسب المادي الكبير.
– المتابعون هم السبب الحقيقي في انتشار هذه الظاهرة، لأنهم من يرفعون عدد المشاهدات للملايين.
– عدم وجود قوانين خاصة بالذوق العام وطبيعة الملابس اللائقة لمشاهير “السوشيال ميديا” في العالم الافتراضي أسوة بما يحدث في العالم الواقعي.
– غياب الرقابة الأسرية على الأبناء.
أما المرتبة الثالثة فحصلت عليها فئة “نتائج الظاهرة” بنسبة 4%، حيث تفاعل البعض على الهاشتاق عبر استعراض المخاطر والسلبيات التي قد تُهدد الأسرة والمجتمع بشكل عام نتيجة انتشار هذه الظاهرة، ومنها:
– شيوع حالة من عدم الرضا لدى المتابعين تجاه واقعهم.
– التفكك الأسري وزيادة حالات الطلاق.
– انهيار الأخلاق والنسق القيمي في المجتمع.

الأطر المرجعية
تعددت وتنوعت الأطر المرجعية التي اعتمد عليها المتفاعلون على هاشتاق (#الشهره_للبنات_بدون_محتوى) في تناولهم للظاهرة، وذلك على النحو التالي:
1- الإطار الأخلاقي “القيمي”: حلّ في المرتبة الأولى بنسبة 65%، حيث ركز المستخدمون على ربط هذه الظاهرة بافتقاد هذه النوعية من الفتيات إلى النسق القيمي والأخلاقي كونهن على استعداد إلى التخلي عن حيائهن مقابل تحقيق الشهرة والمال.
2- الإطار العام: جاء في المرتبة الثانية بنسبة 16%، وفيه عبّر المستخدمون عن رفضهم لهذه الظاهرة بشكل مطلق ولأسباب متعددة منها الديني والأخلاقي والسلوكي والاجتماعي وغيرها.
3- الإطار الاجتماعي: احتلّ المرتبة الثالثة بنسبة 13%، إذ أكد المتفاعلون على أن هذه الفئة من الفتيات تخلين عن عادات وتقاليد المجتمع السعودي مقابل تحقيق الشهرة والمال، مؤكدين أنهن لا يُمثلن المرأة السعودية بأي حال من الأحوال، وأضافوا أنهن يتبعن ثقافة دخيلة على المجتمع والأسرة في المملكة؛ وطالبوا بضرورة التصدي لهذا النوع من المحتوى الذي يُشكل تهديدًا حقيقيًا على المجتمع السعودي العربي والإسلامي.
4- الإطار الديني: جاء في المرتبة الرابعة وبنسبة 6% من إجمالي التفاعلات، وفيه ربط المتفاعلون على الهاشتاق هذه السلوكيات الدخيلة على المجتمع إلى تراجع الوازع الديني لدى البعض الذين انشغلوا بمغريات الدنيا عن تعاليم الدين الحنيف التي تُحرم هذه الأفعال بشكل واضح وصريح.

ختامًا.. فقد عكست تفاعلات المستخدمين السعوديين على هاشتاق (#الشهره_للبنات_بدون_محتوى) رفضًا مجتمعيًا لهذه الظاهرة الجديدة والدخيلة على المجتمع، والتي لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال، أو تفسيرها سوى بأنها تُعبر عن خلل قيمي وأخلاقي واضطراب نفسي، حيث تسعى هذه الفئة من الفتيات إلى تحقيق الشهرة والمال بشكل أناني دون النظر إلى أي قيمة أو وازع ديني أو مسؤولية، وبذلك فهي تُعظم “الأنا” على حساب كل قيمة سواء اجتماعية أو دينية أو أخلاقية.
وفي هذا السياق، تطرق عالم النفس الأمريكي “إبراهام ماسلو” إلى سيكولوجية الشهرة والبحث عن تقدير الذات، ووضع نموذجًا يُحدد الاحتياجات الإنسانية جاء على النحو التالي:
ووفق هذا النموذج فإن الحاجة إلى التقدير هي الدافع الطامح إلى إشباع رغبات “الأنا”، والتي قد تتحقق إما من خلال الإنجاز والنجاح في العمل أو العلاقات الاجتماعية وخدمة المجتمع المحيط، وهو النوع المحمود مجتمعيًا وإنسانيًا لأنه قائم على المحبة والاحترام والتفضيل الاجتماعي، أو من خلال السعي للحصول على الإعجاب بصرف النظر عن الوسيلة، وهذا النوع يتضمن هذه الفئة موضوع الهاشتاق، والتي قال عنها دكتور “ميتش برينشتاين” المتخصص في علم النفس إنها آخذة في التزايد عالميًا بصورة خطيرة.
ولذلك، فإن الرغبة في تحقيق الشهرة ليس عيبًا في حد ذاته، وإنما التخلي عن القيم والعادات والتقاليد والوازع الديني من أجل تحقيقها هو ما يرفضه المجتمع، ويجب التنبه له والحذر منه.

زر الذهاب إلى الأعلى