تقارير

استراتيجيات الشركات لبناء الجمهور الرقمي

أحدث انتشار فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” تحولات في عالم الإعلان وأساليب تواصل الشركات مع الجمهور، ما جعل المشهد الحالي يختلف عما كان قبل ظهور الوباء في أواخر عام 2019، ومن أهم مظاهر التحول هو تسارع وتيرة الرقمنة في مختلف الأعمال والأنشطة التجارية، وما رافق ذلك من تدفق هائل للإعلانات الرقمية من الشركات التي وجهت تقريبًا كامل نفقاتها الإعلانية من العالم المادي إلى العالم الرقمي، الأمر الذي جعل الإعلانات عبر الإنترنت أكثر تنافسية وأعلى تكلفة ولكن أقل فاعلية.
ويعني ذلك أن استهداف الجمهور الرقمي بات عملية صعبة ترهق ميزانيات الشركات، ما يستلزم الدقة في توجيه الإعلانات نحو الجمهور المستهدف وهي عملية ليست مستحيلة كونها تعتمد بشكل أساسي على البيانات.
وعقب الاستهداف الناجح للجمهور من قبل الشركة أو العلامة التجارية تأتي مرحلة تطبيق استراتيجيات بناء الجمهور الرقمي والتي تخلق وجودا فاعلا للشركة في الفضاء الرقمي يؤتي ثماره من خلال توسيع نطاق العملاء وزيادة تفاعلية الجمهور مع ما تقدمه الشركة من منتجات أو خدمات بشكل يترجم عمليًا في ارتفاع أرباحها.
ما المقصود باستهداف الجمهور الرقمي؟
استهداف الجمهور الرقمي هو في الأساس مطابقة الإعلانات الخاصة بالشركة أو العلامة التجارية بالأشخاص المهتمين بها أو الذين لديهم نية شراء عالية. وتوجد عدة طرق للقيام بذلك إذ يمكن إطلاق حملات إعلانية رقمية تستهدف الخصائص الديموغرافية الفردية أو السلوك أو الاهتمامات المعبر عنها.
ويتمثل السبب الأكثر شيوعًا لضعف استهداف الجمهور الرقمي في التركيز على تقديم المنتج أو الخدمة إلى أشخاص لا يهتمون بها، ما يؤدي إلى إهدار ميزانية الحملة الإعلانية بتحقيق نتائج هزيلة.
ما أنماط استهداف الجمهور الرقمي؟
توجد ثلاثة أنماط لاستهداف الجمهور الرقمي وهي الاستهداف الديموغرافي والاستهداف النفسي والاستهداف السلوكي، وكل منهم يركز على بعد معين في شخصية الجمهور، وذلك على النحو التالي:
• “الاستهداف الديموغرافي- Demographic targeting”: يعتمد على البيانات الديموغرافية البحتة، مثل العمر والجنس والدخل والحالة الاجتماعية ومستوى التعليم والمهنة.
• “الاستهداف النفسي- Psychographic targeting “: يتم استخدامه عندما تعرف الشركة أو العلامة التجارية اهتمامات الجمهور المستهدف، وكيف يتصرف وسماته الشخصية.
• “الاستهداف السلوكي- Behavioral targeting”: يركز على الإجراءات التي يتخذها الجمهور عبر الإنترنت، فعلى سبيل المثال يمكن معرفة مواقع الإنترنت التي ينتقل إليها الجمهور، ونوع الروابط التي ينقر عليها، ونوع المنتجات التي يقوم بشرائها.
ويعد الجمع بين هذه الأنماط بشكل فعال ميزة رائعة لاستخدام الإعلانات الرقمية، لكن يبقى السؤال من أين تأتي هذه البيانات؟
كيف يتم البحث عن بيانات استهداف الجمهور الرقمي؟
يشير موقع “Lift AI” المتخصص في التسويق إلى أنه من المعتاد تصنيف بيانات الاستهداف في ثلاث مجموعات على النحو التالي:
– بيانات الطرف الأول- First-party data”: هي تلك البيانات التي تقوم الشركة أو العلامة التجارية بجمعها بنفسها، وتشمل البيانات المتوفرة لديها عن عملائها الحاليين والعملاء المحتملين، حيث تسجل معظم فرق المبيعات هذا النوع من البيانات في “إدارة علاقات العملاء- Customer relationship management”. وبشكل عام تعد بيانات الطرف الأول هي أرخص أنواع البيانات وأكثرها موثوقية لكنها تتسم بالمحدودية.
– “بيانات الطرف الثاني- Second-party data”: تأتي مباشرة من شخص آخر عبر الإحالات والشراكات ومن بعض موفري البيانات، وعلى الرغم من أنها أقل دقة من بيانات الطرف الأول، فإنها تتيح توسيع نطاق الوصول بشكل كبير.
– “بيانات الطرف الثالث- Third-party data”: هذا النوع من البيانات يتم بيعه من خلال منصات البيانات وعمليات تبادل البيانات المختلفة، ورغم أنها تعتبر البيانات الأكثر وفرة لكنها أيضًا الأكثر تغيرًا في الدقة. ويمكن استخدامها لتوسيع نطاق الحملات الرقمية أو استكشاف فرص جديدة في السوق.
ماذا عن استراتيجيات بناء الجمهور الرقمي؟
وفقًا لموقع “فوربس” الأمريكي، توجد 5 استراتيجيات لبناء الجمهور الرقمي تتمثل فيما يلي:
– وضع استراتيجية لكل قناة تواصل:
يحتاج الجمهور من الشركة أو العلامة التجارية أن تكون حاضرة أينما يوجد، وهذا يتطلب منها الحفاظ على موقعها الإلكتروني محدثًا، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي نشطة، فضلًا عن التواصل المنتظم مع العملاء عبر البريد الإلكتروني. ولعل غياب مثل هذا الحضور الفاعل يجعل من السهل جدًا على الجمهور (من العملاء الفعليين أو العملاء المحتملين) الذهاب إلى شركة أو علامة تجارية أخرى.
– إنشاء المزيد من المحتوى:
هناك ثمة قاعدة في عالم التواصل الرقمي تنص على أن “المحتوى هو الملك- Content is king” وقد باتت تلك القاعدة مهمة حاليًا أكثر من أي وقتٍ مضى، فنظرًا لأن العالم أصبح رقميًا بالدرجة الأولى، بات المحتوى بوابة للمنتج أو الخدمة التي تقدمها الشركة.
ويظل المحتوى هو أقوى أداة تسويقية لدى الشركة بصرف النظر عن شكله سواء أكان هذا المحتوى يتخذ شكل كتيب إلكتروني تستخدمه الشركة لجذب عملاء محتملين لأعمال استشارية، أو لقطات عالية الجودة على إنستجرام لعروض منتجاتها.
– بناء العلامة التجارية:
على الرغم من أنه في ظل الجائحة أصبح من السهل إيلاء اهتمام أقل للمظاهر في العمل الذي يتم أغلبه عن بُعد، لكن هذه القواعد لا تنطبق على الأعمال التجارية الرقمية، إذ لا بد من إنشاء وتنمية علامة تجارية ترتبط مع الجمهور على المستوى العاطفي. ويشمل ذلك كل شيء بدءًا من شعار وألوان العلامة التجارية والنبرة المستخدمة في صياغة رؤية ورسالة العلامة والقيم التي تدعمها، فهذه العناصر مفتاح للتميز، وتجعل للشركة مكانة محفورة في الذاكرة لا تُنسى، وتصبح محبوبة في مساحة رقمية مكتظة بالمنافسين.
– بناء المجتمع:
لا بد أن تتفاعل الشركة مع الجمهور متى كان وأينما احتاج إليها، لذا من المهم أن تخصص وقتًا كل يوم للرد على التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الرد على رسائل البريد الإلكتروني، ومساعدة العملاء في جميع الأماكن التي يتواصلون فيها معها. ولا تقتصر الاستفادة المتحققة على مجرد الإجابة عن الاستفسارات، بل تمتد أيضًا إلى الاستماع للجمهور (الاستماع الاجتماعي أي الاطلاع على اتجاهات الجمهور وتفضيلاته وعوامل القوة والضعف في منتجات العلامة التجارية والعلامات المنافسة لها) فهذه الطريقة توفر ثروة من المعلومات القيمة التي يمكن أن تساعد على التحسين والابتكار في كل شيء سواء المنتج أو الخدمة التي تقدمها أو العلامة التجارية أو المحتوى الذي تنشئه.
– امتلاك الجمهور:
تعد قنوات التواصل الاجتماعي طريقة رائعة للشركات لتنمية جمهورها، ولكن ماذا يحدث إذا تم حظر حساب الشركة على منصة معينة مثل يوتيوب؟ من المحتمل حينئذ أن يتخلى الآلاف من العملاء عن العلامة التجارية، وهذا السيناريو قابل للحدوث في كثير من الأحيان، لذا يكمن الحل في امتلاك الجمهور باستخدام المحتوى أو عناصر الجذب الأخرى مثل الخصومات أو الندوات عبر الإنترنت أو الموارد الأخرى التي تقدمها الشركة مقابل تسجيل الجمهور لعناوين بريدهم الإلكتروني، حيث يمكن للشركة فيما بعد التواصل معهم من خلاله، فلا يزال البريد الإلكتروني هو القناة التسويقية الأكثر فاعلية للشركات الصغيرة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن بناء الجمهور الرقمي في زمن ما بعد كورونا بات مسألة ملحة وعلى رأس أولويات المسوقين ومسؤولي إدارات التخطيط في الشركات والعلامات التجارية، وهي عملية تدريجية تنطلق من تحديد الجمهور المستهدف بوضوح، ثم التعرف على اهتمامات هذا الجمهور، وكذلك التفكير في الطريقة التي يريد الجمهور تلقي المعلومات من خلالها، فلن تستطيع الوصول إلى الجمهور دون أن تتحدث بلغتهم وتستخدم مفرداتهم ومصطلحاتهم، وأخيرًا تقديم محتوى قيّم يستطيع جذب انتباههم وإقناعهم بما تقدمه الشركة من منتج أو خدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى