تقارير

اتجاهات ممارسي العلاقات العامة في السعودية نحو المعرفة والكفاءة المهنية

بدأت تجربة العلاقات العامة بشكلها الحديث في المملكة العربية السعودية بعد تأسيس المملكة في عام 1932، وشهدت قفزات ملموسة بدءًا من السبعينيات الميلادية من خلال التوسع في افتتاح إدارات وأقسام العلاقات العامة والإعلام في الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخاصة، وكذلك توفير التعليم والتدريب الإعلامي والتقني.

وقد أثرت مجموعة من العوامل الموجودة في البيئة السعودية على مسيرة العلاقات العامة في المملكة، ومن أبرزها الخطط التنموية الخمسية، وتوطين الصناعات البترولية والبتروكيماوية، بجانب التوسع في برامج التعليم العالي والعام والابتعاث الخارجي، واستحداث الجمعيات المهنية المتخصصة في الاتصال والإعلام، فضلًا عن التطوير والتحديث في برامج الإعلام الحكومي، والترخيص للقطاع الخاص لممارسة النشاط الإعلامي محليًا، وتنظيم النشاط الإعلامي الخارجي للشركات السعودية.

وعلى هذا النحو، تجاوزت ممارسة العلاقات العامة في المملكة مرحلة التركيز على تعزيز دور العلاقات العامة وأهميتها بالمنظمات، إذ لا تكاد تجد منظمة عامة أو خاصة أو خيرية من دون قسم يهتم بالعلاقات العامة والاتصال الداخلي أو إدارة وسائل التواصل الاجتماعي، بينما ينصب التركيز في المرحلة الحالية على زيادة جودة الممارسة والانتقال إلى مستوى “الاحترافية-Professionalis”، والاهتمام بمفاهيم الكفاءة والخصائص المطلوبة في شخص الممارس.

وفي هذا الإطار تناولت دراسة جديدة للدكتور بندر عويض الجعيد والدكتور يوسف عثمان يوسف أستاذي العلاقات العامة المساعدين، بكلية الاتصال والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة،  نشرتها مجلة البحوث الإعلامية مفاهيم المعرفة والمهارة و”الكفاءة المهنية- Competence”، حيث انطلقت الدراسة من نظرة عالمية حديثة تهدف إلى توحيد الجهود وتحديد السمات والمواصفات للقائمين بأمر العلاقات العامة في المؤسسات، إضافةً إلى السعي لاعتماد ممارسي العلاقات العامة من خلال خلق أجسام مهنية تمنح الاعتماد لممارسة مهنة العلاقات العامة، مع الأخذ في الاعتبار ما تتطلبه مشاريع ومبادرات رؤية السعودية 2030 من مستوى عالٍ من الممارسات الاتصالية للتواصل مع الأطراف المشاركة في تنفيذ مشاريع الرؤية، خصوصًا أن الرؤية تركز على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتنويع مصادر الدخل الوطني.

مجتمع الدراسة

اعتمدت الدراسة على أسلوب العينة القصدية (العمدية) من خلال استهداف مزيج من ممارسي العلاقات العامة المنتسبين للمنظمات الحكومية والخاصة والخيرية، على كافة المستويات سواء من الاختصاصيين والمشرفين والرؤساء والمستشارين ومديري العلاقات العامة من مختلف مناطق المملكة مع الأخذ في الاعتبار النسبة والتناسب للتوزيع السكاني بين المناطق، وقد تم توزيع رابط الاستبيان إلكترونيًا من خلال الإيميل المرسل لعدد من المؤسسات والمنظمات العامة والخاصة والخيرية في المملكة.

واشتملت العينة على 172 مفردة، وتم جمع البيانات من المبحوثين خلال الفترة من ديسمبر 2020 وحتى يناير 2021. وبالنسبة للخصائص الديموغرافية للعينة، فقد بلغت نسبة الذكور (50.6%) مقابل (49.4%) للإناث. أما من حيث العمر بلغت نسبة من تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عامًا (61%) ثم من تتراوح أعمارهم بين 30 و39 عامًا (22.7%)، ومن تتراوح أعمارهم بين 40 و49 عامًا (13.4%) ومن تزيد أعمارهم على 50 عامًا (2.9%).

وفيما يتعلق بالحالة الاجتماعية بلغت نسبة العزاب (57.6%) ثم المتزوجين (36%) ، والأرامل (2.3%) وأخيرًا نسبة المطلقين (4.1%).

أما بالنسبة للوضع الإداري فقد بلغت نسبة أخصائي العلاقات العامة (73.3%) والمديرين (14%)، ومشرفي القسم (7%) والاستشاريين (3.5%) وأخيرًا رؤساء الأقسام (2.3%).

وبالنسبة للتخصص الدقيق جاء تخصص العلاقات العامة في المقدمة بنسبة (90.7%) ثم الصحافة بنسبة (7.6%)، وأخيرًا الراديو والتلفزيون (1.7%). وحول طبيعة المؤسسة التي يعمل بها المبحوثون فكانت حكومية بنسبة (47.1%) ثم خيرية بنسبة (13.4%)، يليها التجارية والإعلامية بنسبة (12.8%) لكل منهما، ثم خدمية (8.1%)، ورقابية (5.2%)، وأخيرًا صناعية (0.6%).

نتائج الدراسة:

خلص تحليل بيانات استمارات عينة الدراسة إلى سلسلة من النتائج والاستنتاجات تمثل أبرزها في الآتي:

يرى غالبية المبحوثين (77.9%) أن العلاقات العامة تحتاج إلى المعرفة والفن والموهبة في نفس الوقت، مؤكدين أن ممارس العلاقات العامة يحتاج إلى الاطلاع على المعلومات العامة كاحتياجه إلى الاطلاع على المعلومات المتخصصة بغرض تكامل المعرفة وخصوصية المهنة.

وفيما يتعلق بأكثر المصادر التي يعتمد عليها الممارسون في الحصول على المعرفة والمعلومات المتخصصة في مجال العلاقات العامة، فتصدرها “الإنترنت” بنسبة (41.9%)، ثم “الدورات التدريبية” بنسبة (27.3%) ثم المراجع (21.5%)  وأخيرًا “الدوريات العلمية” بنسبة (9.3%).

كما تحرص نسبة كبيرة من عينة الدراسة (88.4%) على البحث عن الموضوعات الخاصة بالعلاقات العامة، مما يشير إلى حرص الممارسين على تطوير المعارف المتخصصة بالنسبة لهم في مجال العلاقات العامة.

واتفق رأي المبحوثين في أكثر الخصائص الإدارية المطلوبة في مجال العلاقات العامة؛ فذكروا “التفكير الإبداعي” في المرتبة الأولى بنسبة ( 34.3%)، ثم “التفكير الاستراتيجي” بنسبة (30.2%)، ثم المبادرة والإيجابية (18.6%) ، يليها القيادة بنسبة (11.6%) وأخيرًا جميع ما سبق بنسبة (5.2%).

واعتبر المبحوثون أن أهم صفة يجب أن يتحلى بها ممارس العلاقات العامة هي إجادة التحدث والحوار، وهي من الصفات المطلوبة بشدة في مجال العلاقات العامة، وأحد أهم أسباب النجاح فيه، بينما تنوع رأي المبحوثين في أكثر الصفات العقلية التي تفضل وجودها في ممارس العلاقات العامة؛ فذكروا “سرعة البديهة” في المرتبة الأولى بنسبة ( 37.2%) ثم “التفكير المنظم” بنسبة (17.4%)، ثم كل من قوة الشخصية والتحكم في الانفعالات بنسبة (13.4%) لكل منهما، ثم الاتزان العقلي (12.8%) وأخيرًا كل ماسبق بنسبة (5.8%).

ووفقًا لرؤية المبحوثين فإن المهارات الاتصالية المتمثلة في الكتابة والاتصال الشفهي والإنتاج الإعلامي هي المهارة المقدمة على غيرها من المهارات، يليها مباشرة المهارات الإدارية المتمثلة في صناعة القرار والتخطيط والتنظيم والقيادة وإدارة الأفراد.

ونوهت نتائج الدراسة إلى تعدد أساليب تطوير مهارات الممارسين في مجال العلاقات العامة؛ فجاءت “القراءة والاطلاع من خلال حضور كورسات متخصصة في المنزل أو العمل أثناء الخدمة” في المرتبة الأولى بنسبة ( 31.4%) ثم “التدريب في المؤسسة” بنسبة (24.4%)، ثم الحصول على شهادة جامعية في العلاقات العامة أو الاتصال قبل التوظيف (17.4%)، يليه الحصول على ماجستير متخصص ( MBA)  بعد سنوات من الخبرة في العمل ( 15.7%)، ثم الحصول على شهادة جامعية في إدارة الأعمال أو الإدارة قبل التوظيف بنسبة (2.9%)، وأخيرًا جميع ما سبق (8.1%).

واعتبر (51%) من عينة الدراسة أن مسؤولية زيادة المعارف والمعلومات تقع على عاتق المؤسسات التعليمية (الجامعات)، لذلك لا بد من تطوير المقررات والمناهج التدريبية في مجال العلاقات العامة بالجامعات.

وخلصت الدراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين درجة وعي المبحوثين بتطوير المعارف والمهارات في ممارسة العلاقات العامة والمتغيرات الديموغرافية المتمثلة في النوع – العمر – المستوى التعليمي– سنوات الخبرة – الوضع الإداري، في حين ثبت عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين درجة وعي المبحوثين بتطوير المعارف والمهارات في ممارسة العلاقات العامة والمتغيرات الديموغرافية المتمثلة في التخصص الدقيق.

وأشارت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة إحصائية بين مدى قيام المبحوثين بالبحث عن المعلومات والموضوعات الخاصة بالعلاقات العامة وتقييم معرفتهم بالعلاقات العامة واحتياجاتهم المعرفية، فكلما ارتفع قيام المبحوثين بالبحث عن المعلومات والموضوعات الخاصة بالعلاقات العامة، ارتفع تقييم معرفتهم بالعلاقات العامة واحتياجاتهم المعرفية.

توصيات الدراسة:

قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات التي بإمكان الباحثين والمنظمات المتخصصة الأكاديمية والمهنية وصناع ومتخذي القرارات الاستئناس بها في مسيرة تطوير ممارسة العلاقات العامة في المملكة وجاءت على النحو التالي:

  • البدء في دراسات مسحية على المستوى الوطني لتحديد المستوى الحالي من المعرفة والمهارة والكفاءة المهنية لدى ممارسي ومديري العلاقات العامة، والنتائج المرجوة من الدراسة الوطنية سوف يكون لها دور في رسم استراتيجية سعودية وطنية لتطوير صناعة وتخصص العلاقات العامة على المستوى الأكاديمي والتطبيقي.
  • ضرورة زيادة البرامج التثقيفية بالجامعات والمعاهد والمؤسسات المهنية؛ وذلك لتدريب الممارسين على كيفية البحث عن مصادر البيانات والمعلومات المتاحة لممارسي ومديري العلاقات العامة، خصوصًا في ظل التطور التقني الهائل الذي تشهده المملكة.
  • تطوير البرامج التعليمية والتدريبية في مجال العلاقات العامة بحيث تركز على المعلومات والنظريات والنماذج المتخصصة؛ وذلك لزيادة الجرعات المعرفية في مجال العلوم الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام والإعلام والعلاقات العامة على وجه الخصوص.
  • أهمية عقد لقاءات مفتوحة ومحاضرات في الجامعات والمعاهد والجمعيات لنشر معلومات أكثر عن تخصص العلاقات العامة حتى ينخرط الطلاب والطالبات وصغار الممارسين والممارسات والمستشارون والمديرون بمجال العلاقات العامة وهم على معرفة ودراية علمية ورغبة شخصية.
  • قيام المؤسسات العلمية والمهنية المتخصصة في العلاقات العامة بالبدء في إجراء دراسات نوعية (كيفية) موسعة وفق منهج “الإثنوجرافية- Ethnography”، وذلك لتحديد المهارات المطلوبة في ممارس ومشرف ومستشار ومدير العلاقات العامة في زمن الذكاء الاصطناعي بالمملكة العربية السعودية.
  • وجوب تكثيف التركيز على إعطاء المزيد من الجرعات التدريبية في مجال مهارات الاتصال والاتصال الشخصي؛ وذلك للوصول إلى المستوى المطلوب للممارس والمستشار والمدير من الخصائص الإدارية والسمات الشخصية.
  • دعوة الباحثين للتوجه نحو دراسة عدد من الموضوعات الملحة والمعاصرة مثل تأثيرات الذكاء الاصطناعي على مستوى الكفاءة المهنية، وواقع التعليم والتدريب في صناعة العلاقات العامة في العصر السيبراني، وتأثير البرامج التعليمية على مستوى أداء برامج العلاقات العامة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن ممارسة أنشطة العلاقات العامة مسألة تحتاج إلى توافر حزمة من المهارات وإصقالها عبر البرامج التدريبية، كما أنها أضحت تحتل أهمية كبرى بوصفها مكونًا أساسيًّا لنجاح برامج الاتصال المؤسسي في شتى القطاعات الحكومية والخاصة والقطاع الأهلي والخيري في إطار العمل على تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. وبالإضافة إلى ذلك، يفرض التطور الرقمي الذي تشهده المملكة ضرورة مواكبة العاملين والاختصاصيين في العلاقات العامة لتلك التطورات وامتلاك القدرة على ممارسة دورهم عبر وسائط التواصل الرقمي، وفقًا لخطط استراتيجية مُحكمة.

زر الذهاب إلى الأعلى