تقارير

التأثير الاجتماعي لاستخدام تطبيق “تيك توك” على الشباب السعودي

في ظل التطورات المتسارعة لشبكة الإنترنت، ترتفع يومًا بعد الآخر نسبة إقبال الجمهور على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وبينما كانت المنافسة والاستحواذ على أكبر قاعدة مستخدمين لمنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي تنحصر بين منصتين فقط هما فيسبوك وسناب شات، نجح تطبيق “تيك توك” خلال 4 سنوات فقط وحتى العام الجاري 2021، في الوصول إلى 800 مليون مستخدم نشط عالميًا، كما أصبح من ضمن أكثر التطبيقات تحميلًا في العالم.
وفي المملكة العربية السعودية بات “تيك توك” يشغل حيزًا كبيرًا من اهتمامات المستخدمين السعوديين، وكان المحتوى الأكثر اهتمامًا وتداولًا على التطبيق لعام 2020، هو اليوميات والفلوجز بواقع 35 مليار مشاهدة، والكوميديا بواقع 13 مليار مشاهدة، فيما بلغت مقاطع الطبخ 7 مليارات مشاهدة.
وعلى هذا الأساس، ركزت دراسة أجراها دكتور إبراهيم الثقفـي الأستاذ المساعد بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان “التأثير الاجتماعي على مستخدمي تطبيق “TikTok” من الشباب السعودي” على دراسة مدى إدمان الشباب السعودي لتطبيقات التواصل الإلكترونية بشكل عام وتطبيق “تيك توك” بشكل خاص من منظور رأس المال الاجتماعي، وذلك بالنظر إلى أنه قد يكون له تأثير إيجابي وسلبي على بناء العلاقات الاجتماعية بين الشباب السعودي، لا سيما وأن هناك بعض الدراسات تشير إلى تفوق الإنترنت على وسائل الإعلام الجماهيرية في تقوية العلاقات الاجتماعية لدى مستخدميها والحفاظ على استمراريتها، والعمل على الإبقاء على التواصل الاجتماعي مع أصدقاء انقطعت الصلة بينهم بسبب البعد المكاني.
مشكلة وعينة الدراسة
تمحورت مشكلة الدراسة في التعرف على مدى التأثير الاجتماعي لاستخدام تطبيق “تيك توك” على الشباب السعودي، وعلاقة ذلك برأس المال الاجتماعي بأنواعه المختلفة وهي:
– رأس المال الاجتماعي العابر: يشير هذا المفهوم إلى الاتصال العابر الذي يتم بين الأفراد عبر شبكات التواصل الاجتماعي دون وجود معرفة سابقة، فيكون الاتصال عابرًا ومؤقتًا وقد ينتهي بانتهاء هذا الاتصال.
– رأس المال الاجتماعي التواصلي: ينشأ هذا المفهوم بفعل العلاقات الاجتماعية السطحية أو الضعيفة بين الأفراد، وتقتصر مخرجاته الاجتماعية في سعي أطراف العلاقة لتوسيع شبكة علاقاتهم الاجتماعية من خلال اكتساب صداقات جيدة، إضافة إلى الرغبة في تبادل المعلومات أو الأخبار حول الأحداث الجارية.
– رأس المال الاجتماعي “الترابطي”: يتكون هذا المستوى نتيجة العلاقات الاجتماعية القائمة بالفعل بين أشخاص يرتبطون بعلاقات اجتماعية قوية كأفراد الأسرة الواحدة أو الأصدقاء المقربين، حيث تتجلى مظاهر هذا النوع من رأس المال الاجتماعي في سعي أطراف العلاقة لتبادل الآراء والمشاعر الشخصية على نحو يزيد من قوة هذه العلاقات الاجتماعية.
وللإجابة عن تساؤل الدراسة تم توزيع استبانة إلكترونية بموقع Google Drive على عينة قوامها 345 مفردة من الشباب السعودي، خلال الفترة من 1 مارس 2021 وحتى 1 فبراير 2021.
وبلغت نسبة الذكور المشاركين في الدراسة 45.8% مقابل 54.2% من الإناث، وكانت النسبة الكبرى من عينة الدراسة 71.6% تحمل مؤهلًا جامعيًا مقابل 21.4% مؤهلاتهم أقل من الشهادة الجامعية، ونسبة قليلة منهم 7% يحملون مؤهلات دراسات عليا (الماجستير والدكتوراه).
وفيما يتعلق بأعمار المشاركين، جاءت أغلبية المشاركين ضمن الفئة العمرية (18-25 سنة) والذين مثلوا (72.4%)، ويليها الفئة العمرية (26-35 سنة) بنسبة (15.1%). وفي المقابل كانت نسبة المشاركين ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة قليلة ( 8.4%)، ومثلها نسبة المشاركين ممن تزيد أعمارهم على 35 سنة قليلة جدا (4.1%).
نتائج الدراسة
خلصت الدراسة إلى أن استخدام الشباب السعودي لتطبيق “تيك توك” جاء في المستوى المتوسط، إذ تصدر متوسطو الاستخدام المرتبة الأولى بنسبة (47%)، يليهم منخفضو الاستخدام بنسبة (32.8%)، ثم مرتفعو الاستخدام بنسبة (20.2%). وبرغم حداثة التطبيق فإن تحقيق كثافة استخدام متوسطة لدى الشباب السعودي يعني أن للتطبيق دورًا في الأمور ذات الاهتمام من الشباب السعودي.
وتستخدم النسبة الكبرى من الشباب أسماء مستعارة وصورًا تعبيرية أكثر من استخدامهم لأسمائهم وصورهم الشخصية في الملف التعريفي للحساب. فبالنسبة لاسم المستخدم على التطبيق، كشفت نتائج الدراسة أن النسبة الكبرى (49.5%) من مستخدمي “تيك توك” يستخدمون اسما مستعارًا ما يعني أن المستخدمين يفضلون إخفاء هويتهم على هذا النوع من التطبيقات، لا سيما في مجتمع محافظ كالمجتمع السعودي، حيث إخفاء الهوية يتيح للفرد مشاركة الفيديوهات بحرية أكثر، ويأتي في المرتبة الثانية من يستخدمون الاسم الشخصي الأول بنسبة (43.5%)، وحصل المستخدمون لاسمهم الأول واسم العائلة على أقل نسبة (7%) ذلك أن استخدام الاسم واللقب يتيح معرفة المستخدم بدرجة أكبر من قبل متابعيه، وبالتالي سهولة كشف هويته.
وفيما يتعلق بصورة الملف الشخصي للمستخدم على “تيك توك”، فإن نسبة قليلة جدا من المستخدمين ( 8.4%) تُفعّل صورتها الشخصية في الملف الشخصي، بينما النسبة الأكبر ( 91.6%) تستخدم صورا أخرى وتتسق هذه النتيجة مع محاولة معظم مستخدمي التطبيق إخفاء هويتهم.
وبالنسبة لخصائص رؤية صورة وملف المستخدم على “تيك توك”، تشير النتائج إلى أن أكثر من نصف المستخدمين 51.5% يجعلون رؤية صورهم والملف الشخصي عبر التطبيق متاحة فقط لأنفسهم، بينما 29.6% يتيحون رؤيتها للأصدقاء والمتابعين، مقابل 24.9% يجعلونها متاحة للجميع، ونسبة قليلة 15.9% من يتيحون رؤية صورهم عبر التطبيق لأفراد عائلتهم، ويمكن تفسير هذه النتيجة في ضوء السياق الثقافي السعودي الذي يتميز بالروابط الاجتماعية وتقدير أفراد العائلة إلى جانب المحافظة على القيم والعادات والأعراف الاجتماعية، ونظرًا لأن الكثير من الفيديوهات المنشورة عبر التطبيق قد تتعارض مع بعض هذه القيم، ما يجعل الشباب يخفون صورهم والملف الشخصي عبر التطبيق، وبالأخص عن أفراد عائلتهم.
ووجدت الدراسة أن الشباب السعودي يستغل فترات طويلة من وقت الفراغ على تطبيق “تيك توك”، بينما يقل استخدامه عند العمل وتبادل الزيارات لذا لم يتسبب التطبيق كثيرا في إلغائهم للزيارات والمواعيد.
كما أظهرت النتائج تفوقًا لتحقق رأس المال الاجتماعي العابر للشباب السعودي على “تيك توك” ما يعني أن الشباب يوظفون التطبيق بدرجة أعلى في التواصل مع الأشخاص الغرباء أو المختلفين عنهم، في حين تحقق رأس المال الاجتماعي الترابطي للشباب السعودي على “تيك توك” بمستوى منخفض، ما يعني أنهم لا يستخدمون التطبيق كثيرًا في التواصل مع الأقارب والزملاء والأشخاص الذين يرتبطون بهم بروابط وثيقة.
وكشفت نتائج الدراسة عن وجود علاقة ارتباطية طردية ضعيفة بين كثافة استخدام الشباب السعودي لتطبيق “تيك توك” ومعدلات تحقق رأس المال الاجتماعي بأنواعه الثلاثة (التواصلي، الترابطي، العابر)، في حين أكدت وجود علاقة ارتباطية طردية قوية بين إدمان الشباب السعودي لتطبيق تيك توك ومعدلات تحقق رأس المال الاجتماعي.
ووجدت الدراسة أن المتغيرات النفسية والاجتماعية ممثلة في (تقدير الذات والرضا عن الحياة والثقة في المحيط الاجتماعي) تزيد من شدة العلاقة بين إدمان تطبيق “تيك توك” ومعدلات تحقق رأس المال الاجتماعي التواصلي لدى الشباب السعودي.
أما المتغيرات الاجتماعية والتقنية ممثلة في (المشاركة الاجتماعية والشعور بالعزلة الاجتماعية وتفعيل قواعد الخصوصية) فتزيد من شدة العلاقة بين إدمان تطبيق “تيك توك” ومعدلات تحقق رأس المال الاجتماعي الترابطي لدى الشباب السعودي.
توصيات الدراسة
وبناء على النتائج التي تم التوصل إليها، أوصت الدراسة بتفعيل الجهات الرسمية المخولة بالرقابة على تطبيقات التواصل الاجتماعي المزيد من الأدوات الرقابية على التطبيقات الحديثة مثل تطبيق “تيك توك”، حيث كشفت النتائج أن معظم الشباب يستخدمونها في تعزيز علاقاتهم التواصلية والعابرة مع إخفاء هويتهم، وهذا قد يسهم في نشر الفيديوهات والتعليقات المضللة والشائعات التي قد تستهدف الأمن الفكري أو السخرية من الأديان وبث الكراهية بين أفراد المجتمع.
كما اقترحت أيضًا أن تقوم المؤسسات الرسمية والمؤسسات الاجتماعية بتفعيل الحملات الاجتماعية التي تستهدف تعزيز الوعي المجتمعي، وأهمية المبادرات الشبابية التطوعية والمشاركة في الأعمال والأنشطة الخيرية والمجتمعية، حيث كشفت الدراسة عن ظهور بعد المشاركة المجتمعية لدى الشباب في الحد الأدنى للمستوى المتوسط.
وبينما ركزت الدراسة على فئة معينة من المجتمع السعودي وهي الشباب بوصفها الفئة الأكثر استخدامًا للتقنيات والتطبيقات الحديثة، إلا أنها أكدت أن هذا لا يعني إهمال الفئات الأخرى، لافتة إلى أنه من الأهمية بمكان توسيع الدراسة من خلال تطبيقها على فئات أخرى كالمرأة غير العاملة وكبار السن والأطفال، ومن ثم إجراء مقارنات بين هذه الفئات وفئة الشباب.
ومن منطلق ما خلصت إليه الدراسة من أن استخدام تطبيق تيك توك يزيد من رأس المال الاجتماعي العابر بدرجة أعلى من رأس المال الاجتماعي التواصلي والترابطي، والذي يعني أن الشباب يستخدمون هذه التطبيقات في تعزيز علاقاتهم العابرة مع أشخاص من خارج نطاقهم الاجتماعي ومختلفين عنهم في الثقافة والطبقة الاجتماعية والقيم، رأت الدراسة أن من المهم للغاية البحث في تأثير إدمان تطبيق “تيك توك” على القيم الثقافية والاجتماعية للشباب.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن حقيقة كون تطبيق “تيك توك” بات يشغل جانبًا كبيرًا من اهتمامات الشباب السعودي، تعني وجود قناة اتصال جديدة من الواجب استخدامها في تعزيز القيم لدى الشباب والحفاظ على الهوية عبر الوجود الفاعل لوسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والاجتماعية بحسابات على تلك المنصة تطرح من خلال محتوى جاذب وذي قيمة.

زر الذهاب إلى الأعلى