ترجمات

اتجاهات مكافحة الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي

حظيت وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من الاهتمام الأكاديمي في السنوات الأخيرة بعد تزايد شعبيتها بين الجمهور واتخاذه لها كقبلة للمعلومات؛ نظرًا لسهولة الوصول إليها بتكلفة قليلة، إلا أن ذلك صاحبه ارتفاع في نسب المعلومات الخاطئة والمحتوى الوهمي على تلك المنصات الاجتماعية مما تسبب في إحداث فوضى أدت إلى معاناة لا توصف للبشرية.

فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي على عكس وسائل الإعلام التقليدية (الصحف والتلفزيون والراديو) في ظهور نمط جديد من الأخبار يُعرف باسم “الأخبار الزائفة”، والتي انتشرت بشكل واسع وسريع بسبب الشعبية الكبيرة التي تحظى بها المنصات الاجتماعية حول العالم.

وفي هذا الإطار، استهدفت دراسة جديدة نشرتها مجلة “Journal of Information and Telecommunication” فحص الأنواع المختلفة للأخبار الزائفة، وكذلك اتجاهات مكافحتها، من منطلق أن الأخبار الزائفة لها أنواع مختلفة؛ نظرًا لتعدد الدوافع وراء نشرها، ولذلك لا يمكن استخدام طريقة واحدة لكشف جميع الأنماط.

واستكشفت تلك الدراسة الطرق المختلفة لمكافحة الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل “معالجة اللغة الطبيعية- Natural Language Processing ” و”النموذج الهجين-Hybrid model”، مشيرة إلى أن تطبيق تقنيات التعلم الآلي والجهود الجماعية للبشر يمكن أن يكون لهما فرصة أكبر لمكافحة المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.

كيفية انتشار الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي

إن انتشار الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي له آثار قصيرة وطويلة المدى على المستخدمين مما قد يؤدي إلى إحجامهم عن مشاركة الأخبار الحقيقية ونشرها بسبب الخوف من الوقوع في فخ التضليل عبر نشر الأخبار الكاذبة. وتنتشر تلك الأخبار عبر طريقتين رئيسيتين وهما المعلومات الخاطئة والتضليل:

المعلومات الخاطئة: يقوم المستخدمون بمشاركة أخبار زائفة دون أن يعرفوا أنها كذلك، فدافعهم في المشاركة يكون في الغالب مجرد محاكاة أصدقائهم الذين يشاركونها، ويساهم تأثير غرفة الصدى بشكل كبير في هذا الجانب، إذ يتكون نظام وسائل التواصل الاجتماعي من خوارزمية توصي بأخبار أو معلومات معينة للمستخدم بسبب المجموعة التي ينتمي إليها على وسائل التواصل الاجتماعي ودائرة صداقاته، وتعمل خوارزمية التوصية هذه أيضًا كعامل محفز للمستخدم لمشاركة المحتوى حتى عندما لا يعرف مدى صحته، فالأفراد يميلون عادةً إلى تصديق الشيء الذي يتوافق مع وجهة نظرهم ويشاركونه دون التحقق.

التضليل: يتم عبر المستخدمين الذين يدركون أن المعلومات زائفة لكنهم يواصلون نشرها إما لتحقيق مكاسب سياسية أو مالية. ويتفاقم انتشار هذه المعلومات بشكل أكبر عند استخدام “برامج التتبع الاجتماعية- social bots” و”المتصيدين- trolls”، إذ يستطيع “برنامج Social bot” بكل سهولة إعادة تغريد ومتابعة آلاف الحسابات على تويتر بالإضافة إلى مشاركة منشورات على فيسبوك في وقت قصير جدًا.

وقد فسر علم النفس المعرفي سبب اقتناع مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بالأخبار الزائفة بأنه يعود إلى عدد من العوامل وهي:

الإجماع: فإذا آمن الآخرون بذلك، فسيؤمن المستخدم أيضًا.

التناسق: إذا كانت هذه المعلومات تتماشي مع نمط معتقداته.

الشعبية: أي عدد الأماكن التي يتم العثور فيها على هذه المعلومات، حيث تنتشر الأخبار الزائفة عادةً كالنار في الهشيم وتحقق قابلية عالية للتمدد في الفضاء الرقمي خاصةً مع استخدام الروبوتات الاجتماعية، وبالتالي تنتشر في جميع وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد أثبتت دراسة نفسية نشرتها مجلة “Palgrave Communications” عام 2019 أن محاولة تصحيح الأخبار الزائفة غالبًا ما حفزت انتشارها وبخاصة في حالات الخلافات الأيديولوجية، لافتة إلى أن محاولة الجمهوريين في الولايات المتحدة تصحيح أخبار زائفة نشرها الديمقراطيون أثارت ردود فعل عنيفة، بل حتى أنها جعلت المستخدمين يؤمنون أكثر بالأخبار الزائفة – حسب ما جاء في الدراسة -.

أنواع الأخبار الزائفة

قدمت الدراسة تصنيفًا لأنواع مختلفة للأخبار الزائفة، فعند اكتشاف تلك الأخبار من المهم التمييز بين الأشكال المختلفة لها والتي تشمل ما يلي:

“العنوان الخاطف للانتباه- clickbait“: هذا النمط يقدم قصة زائفة لها عناوين جذابة تهدف إلى حث القارئ على النقر على رابط، وهو ما يولد دخلاً لصاحب هذا الرابط في شكل أجر مقابل كل نقرة.

“الدعاية- Propaganda“: شكل من أشكال الأخبار الكاذبة، ويعود إلى زمن الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث غالبًا ما كان ينقل الصحفيون معلومات كاذبة لإنقاذ الجمهور من حالة الذعر.

وتشير الدعاية إلى القصص الإخبارية التي يتم إنشاؤها بواسطة كيان سياسي للتأثير على التصورات العامة وعادة ما يُنظر إلى الدول على أنها الفاعل الرئيسي للدعاية، إلا أن تحولًا قد طرأ مؤخرًا مع  لجوء سياسيين ووسائل إعلام لاستخدامها  من أجل دعم موقف أو وجهة نظر معينة.

“الهجاء والمحاكاة الساخرة- Satire and parody“: هي نوع منتشر على نطاق واسع من الأخبار الزائفة، ويتم ذلك من خلال قصة ملفقة أو من خلال المبالغة في الحقيقة التي يتم نشرها في وسائل الإعلام الرئيسية بشكل فكاهي.

“الخداع –Hoaxes“: هي تقارير ملفقة عن عمد في محاولة لخداع الجماهير، نظرًا لأنها تتم بشكل متعمد، فقد تمت صياغتها جيدًا بحيث تعتقد وسائل الإعلام الرئيسية في بعض الأحيان أنها صحيحة.

“سرقة الأسماء-Name-theft“: تشير إلى مصدر إخباري كاذب يحاول سرقة هوية مزود أخبار حقيقي من أجل خداع الجمهور للاعتقاد بأن هذه المعلومات تأتي من مصدر معروف.

“التأطير- framing“: يعتبر أحد أشكال الأخبار الزائفة، وفيه يتم خداع القارئ من خلال توظيف بعض جوانب الواقع، وجعله أكثر وضوحًا بينما يتم إخفاء الحقيقة الكاملة، وبالتالي سيفهم المتلقي الرسالة الاتصالية بناءً على طريقة صياغتها.

نماذج كشف الأخبار الزائفة

اتجه الباحثون إلى التوصية بتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي في الكشف عن الأخبار الزائفة نظرًا لتطورها السريع وتعقد مكافحتها، ومن أبرز النماذج في هذا الإطار ما يلي:

نهج الخبراء أو مدققي الحقائق: هم مجموعة صغيرة من المحترفين في مختلف التخصصات لديهم القدرة على التحقق من صحة بعض الأخبار، وتحديد ما إذا كانت هذه المعلومات زائفة أو حقيقية، ويقوم هؤلاء المدققون بتحديد المحتوى الخاطئ، ووضع علامات تحذيرية عليه يمكن رؤيتها من قبل المستخدمين.

ومع ذلك، فإن بعض مدققي الحقائق  ليسوا مستقلين، كما أن الاعتماد على ذلك النموذج يكون بطيئًا خاصة في مواجهة كم المعلومات الضخم المطلوب التحقق منه مع قلة عدد هؤلاء المدققين.

“نهج التعلم الآلي – Machine learning approach “: تم اقتراح طريقة التعلم الآلي في الكشف عن الأخبار الزائفة، ونظرًا لأن الأخبار الزائفة يتم إنشاؤها عن قصد لتحقيق منفعة سياسية أو مالية، غالبًا ما يكون لها عنوان رئيسي معني بالرأي ومُغرٍ، لذلك فإن استخراج الميزة النصية واللغوية ضروري للتعلم الآلي.

وتعتمد معظم أدوات الذكاء الاصطناعي للكشف والإبلاغ عن الأخبار الزائفة على “معدلات النقر- Click-Through Rates”، وعادة ما يكون لبعض أنواع الأخبار المزيفة مثل مقالات “clickbait” معدلات نقر عالية نظرًا لأنها جذابة.

تقنية معالجة اللغة الطبيعية (NLP): تعمل البرمجة اللغوية العصبية ضمن تقنية كشف الخداع الآلي التي تتضمن تطبيق التحليل المعجمي والدلالي، وكذلك تقنيات التصنيف مثل التصنيف الثنائي للنص، حيث يتم تصنيف الأخبار على أنها حقيقية وليست حقيقية، ويمكن إضافة فئة ثالثة مثل حقيقية جزئيًا أو مزيفة جزئيًا. ثم يتم حساب “نقاط المشاعر- Sentiment Score” باستخدام خوارزمية تحويل النص ومجموعة أدوات اللغة الطبيعية حيث يتم تحديد إشارات الخداع في النص الذي يتم استخراجه وتجميعه.

وأظهرت دراسات أن التحقق من الحقيقة باستخدام معالجة اللغة الطبيعية أثبت نجاحًا أكبر عند مقارنته بالتحقق البشري.

“التقنية الهجينة- Hybrid technique“: تظهر تقنيات الكشف الهجين كبديل للعديد من طرق الكشف عن الأخبار المزيفة، فنظرًا لتعقيد وغموض تلك الأخبار، فإن الجمع بين أكثر من طريقة أمر حتمي. ويتضمن نموذج الكشف الهجين دمج التقنيات من النموذج القائم على المحتوى بالإضافة إلى التقنيات المستندة إلى السياق الاجتماعي التي تستخدم المعلومات المساعدة من وجهات نظر مختلفة.

وتوجد العديد من التقنيات القائمة على الهجين التي تتضمن عمليات ديناميكية ومجموعة من بعض النماذج ومن أمثلها:

“نهج الخبراء والتعهيد الجماعي-Expert-crowdsource approach: وهي طريقة جديدة نسبيًا ظهرت نتيجة لنقاط الضعف في تدقيق الحقائق القائم على الخبراء وكذلك القائم على “التعهيد الجماعي- crowdsourced”، فهو يستعين بقدرة الجمهور غير المتحيز والقادر على التفاعل بسهولة على كمية كبيرة من المعلومات، حيث يتم إرسال حكم الجمهور (غير المتخصص) إلى الخبراء وهو ما يضمن تدقيق المعلومات والأخبار.

“نهج الإنسان والآلة- Human-Machine approach: غالبًا ما فشلت معظم خوارزميات التعلم الآلي التي تم تطويرها للكشف التلقائي عن الأخبار الزائفة، وذلك لأن جميع الأخبار لا تحتوي على نفس نمط الكتابة، فمعظم اللغات المستخدمة في كتابة الأخبار الكاذبة تتجاوز عملية الكشف، وفي حين أن حكمة الجمهور نهج جيد، ولكنه يستغرق وقتًا طويلاً ويفتقر إلى معرفة الخبراء لأن الجمهور عادةً ما يتكون من أشخاص عاديين، فعلى هذا الأساس فإن المزج بين خوارزميات التعلم الآلي والجهود الجماعية للبشر أثبتت قدرتها على تحقيق نتائج أفضل، لا سيما في مجال اكتشاف الأخبار المزيفة التي تتم آليًا بواسطة “برامج التتبع الاجتماعية- social bots”.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن انتشار الأخبار الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي ألحق أضرارًا جسيمة بالمجتمعات وهو ما يتطلب من مستخدمي تلك المنصات التأني قبل تداول الأخبار والتأكد من صحة المعلومات من خلال النظر في مصدرها وناشرها، لكن يبرز أيضًا تحدٍ خاص بحسابات المتصيدين والروبوتات الاجتماعية التي تعمل كمحفز لتوليد ونشر الأخبار الزائفة، الأمر الذي يجعل قضية نشر الأخبار الزائفة والتضليل عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحتل مكانة بارزة على أجندة المجتمع البحثي في ذلك الحقل المعرفي البيني الذي يجمع بين متخصصي الإعلام الجديد وعلم النفس والحوسبة والتقنية، ما يتطلب تضافر كافة الجهود من أجل تطوير أدوات لاكتشاف الروبوتات الاجتماعية التي تفاقم من انتشار الأخبار المزيفة، فضلًا عن الاهتمام بإجراء دراسات استكشافية حول اختلاف آليات وأدوات التضليل تبعًا لطبيعة كل منصة من منصات التواصل  الاجتماعي.

زر الذهاب إلى الأعلى