تقارير

توظيف الإنفوجرافيك في تغطية القضايا الدولية

أدت ثورة المعلومات إلى تغير ملحوظ في التدفق المعلوماتي وأسلوب إتاحة البيانات، وارتبطت تلك الثورة بظهور مصطلح البيانات الضخمة، وقد بدأ تداول هذا المصطلح في أواخر تسعينيات القرن العشرين، ويعني مجموعة البيانات العددية التي تنتج عن استخدام التقنية الحديثة لأغراض شخصية أو مهنية، ويفوق حجمها قدرة سعة التخزين.

وفي ظل هذا الكم الهائل من البيانات لم يعد النص وحده قادرًا على إيصال المعلومة للجمهور، فظهر مصطلح صحافة البيانات وهو العملية التي تقوم من خلالها مؤسسات الأخبار بتصفية البيانات وعرضها على هيئة رسوم وأشكال، وأضحت الأكثر جذبًا للقراء نظرًا لقدرتها على تبسيط المعلومة، حيث إنها تعتمد على السرد البصري للبيانات، لذا لجأت العديد من المؤسسات إلى عرض البيانات من خلال الإنفوجرافيك بأشكال وتقنيات متعددة بوصفه إحدى الوسائل المهمة والفعالة وأكثرها جاذبية خاصة عبر الشبكات الإلكترونية، حيث تدمج بين السهولة والسرعة في عرض المعلومة وتوصيلها إلى المتلقي، وهو ما تناولته دراسة منشورة بمجلة البحوث والدراسات الإعلامية للدكتورة ريهام درويش المدرس بقسم الإعلام جامعة كفر الشيخ، تحت عنوان “دلالات توظيف الإنفوجرافيك في تغطية القضايا الدولية.. دراسة تحليلية لمنصة Graphic News“، نستعرضها في التقرير التالي:

مكانة مميزة للإنفوجرافيك في صحافة البيانات

بدأ الاهتمام بمصطلح صحافة البيانات في عام 2006 في محاولة للتركيز على البيانات باعتبارها جوهر صناعة الأخبار، التي تجمع بين التحقيق المتعمق وتصميم الرسوم البيانية، لذا تبنت العديد من المؤسسات الإخبارية ممارسات صحافة البيانات لإنتاج محتوى خبري قائم على التقييم أو التفسير أو عرض كميات كبيرة من البيانات.

وتنقسم البيانات إلى نوعين بيانات وصفية يمكن عرضها في صيغ غير رقمية، وبيانات كمية يتم التعبير عنها بقيمة رقمية، وفي ظل تنوع مصادر الحصول على المعلومات وتعددها وتوغل الدور الذي تقوم به شبكة الإنترنت في شتى المجالات بات من السهل الحصول على حزم متنوعة من البيانات من خلال ما يلي:

بوابة البيانات المفتوحة: في ظل وجود اتجاه عالمي نحو تعزيز مبدأ الشفافية الحكومية اتجهت العديد من حكومات العالم والمنظمات الدولية إلى إنشاء منصات إلكترونية تتيح من خلالها كافة البيانات والأرقام الحكومية حتى يتمكن المواطنون من الاطلاع عليها بسهولة لكونها بيانات عامة بموجب القانون.

مواقع المؤسسات الدولية: التي تتضمن عددًا من قواعد البيانات العامة في العديد من القطاعات المختلفة، وتعد ثروة هائلة من البيانات، حيث إن غالبية هذه المؤسسات تخصص قسمًا للمنشورات والتقارير يتضمن إحصاءات ومؤشرات رقمية.

ومع التدفق المتزايد للبيانات توجب على الصحفي التعامل مع البيانات المتوفرة لديه على أنها فرصة يمكنه من خلالها إظهار الكثير من المعلومات والعلاقات المتشابكة والمتداخلة بينها وتفسير مدلولها للقارئ، حيث إن السرد البصري للبيانات يعتمد على العديد من العناصر الرئيسية التي لا تقل أهمية عن البيانات نفسها، مثل الألوان والأشكال والأحجام، والخطوط التي تساهم في وضع التصور البصري للبيانات، ولكل منها مدلولها الذي يساهم في إظهار وتوضيح الرسالة الرئيسية المراد توصيلها إلى القارئ.

ومن هذا المنطلق بدأت المواقع الإلكترونية والمنصات الإخبارية في توظيف الإنفوجرافيك كإحدى الأدوات الاتصالية الأساسية في تقديم الكم الهائل من البيانات والمعلومات المعقدة بسرعة وبشكل واضح من خلال تقديم المحتوى على هيئة صور أو خرائط أو رسوم بيانية.

ويتألف الإنفوجرافيك من 3 أجزاء رئيسية هي:

  • العناصر المرئية أو البصرية: تشمل الألوان والرسومات والعلامات والرموز والخرائط والرسوم البيانية.
  • عناصر المحتوى: تتضمن عرض الحقائق والإحصاءات والنصوص والمراجع والأطر الزمنية بتصميم بصري فقط.
  • المعرفة: وهي تقديم الوقائع والمعلومات من خلال الاستنتاجات والحقائق.

ويمكن تقسيم الإنفوجرافيك إلى أنواع عدة وفقًا لتصميمه وتنفيذه كالتالي:

الإنفوجرافيك الثابت: عبارة عن دعاية ثابتة إما أن تطبع أو توزع أو تنشر على صفحات الإنترنت، ومحتوى الإنفوجرافيك الثابت يشرح بعض المعلومات عن موضوع معين يختاره صاحب الإنفوجرافيك.

الإنفوجرافيك المتحرك: له نوعان الأول عبارة عن تصوير فيديو عادي وتوضع عليه البيانات والتوضيحات بشكل جرافيك متحرك يظهر بعض الحقائق والمفاهيم على الفيديو نفسه. أما النوع الثاني فيتمثل في تصميم البيانات والتوضيحات والمعلومات بشكل متحرك كامل، ويتطلب هذا النوع الكثير من الإبداع واختيار الحركات المعبرة التي تساعد في إخراجه بطريقة شيقة وممتعة، وكذلك يكون لها سيناريو كامل للإخراج النهائي لهذا النوع الذي يعد أكثر الأنواع استخدامًا الآن.

تحليل الإنفوجرافيك الخاص بالقضايا الدولية على موقع “Graphic News

وقد بدأت المؤسسات الصحفية توظيف الإنفوجرافيك كنوع من القوالب الصحفية يتميز بقدرته على تبسيط المعلومات والأرقام والإحصاءات وتقديمها في أشكال بصرية متنوعة حتى يسهل استيعابها وفهمها دون الحاجة إلى قراءة متعمقة للموضوعات. ومع انتشار استخدام الإنفوجرافيك  في مجالات الإعلام ظهرت مواقع متخصصة تتناول القضايا الدولية بتوظيف الإنفوجرافيك في عرضها من بينها منصة Graphic News المتخصصة في تقديم أحدث الإنفوجرافيك للأخبار والرياضة والترفيه والعلوم والتكنولوجيا للوسائط المطبوعة والرقمية.

وقامت دراسة نشرتها مجلة البحوث والدراسات الإعلامية بتحليل لمحتوى الإنفوجرافيك المتعلق بالقضايا الدولية على تلك المنصة (عينة تضم 119 إنفوجرافيك) من أجل محاولة الكشف عن العلامات والدلالات التي يحتويها الإنفوجرافيك وكيفية توظيفها لتوصيل الرسالة بمعانٍ محددة.

وسعت الدراسة إلى تحليل دلالة الإنفوجرافيك في ضوء التحليل السيميولوجي له الموظف في تغطية القضايا الدولية بتحقيق قراءة متعمقة لما يتضمنه الإنفوجرافيك من بيانات ومعلومات وحقائق، ومدى توظيف الموقع للأشكال والرسوم لتوصيل معلومة، وذلك في ضوء المقاربات السيميولوجية وما تشمله من تحليل تعييني وتضميني لمحتوى الإنفوجرافيك.

وقد احتلت القضايا العسكرية والتسليح العسكري لبعض الدول المرتبة الأولى في عينة الدراسة، يليها الشؤون السياسية وما تتضمنه من صراعات دولية وحروب خاضتها الولايات المتحدة لمجابهة الإرهاب وقرارات سياسية على الصعيد الدولي، أما في المرتبة الثالثة فجاءت الانتخابات في إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والبرلمان الأوروبي وتركيا وغيرها من الدول سواء كانت انتخابات رئاسية أو برلمانية، وفي المركز الرابع قضايا الاقتصاد الدولي، وفي المرتبة الخامسة الاحتجاجات في السودان وهونج كونج وإيران ولبنان وغيرها من الدول.

نتائج الدراسة التحليلية

اعتمد موقع Graphic news  على تحليل البيانات كأبرز أنواع الإنفوجرافيك استخدامًا في تقديم المعلومات والبيانات، حيث اتسمت معظمها بعرض الإحصاءات والبيانات خاصة في المجال العسكري والانتخابات، وفي المرتبة الثانية جاء عرض الأفكار وذلك بعرض التوجهات السياسية في المجالات السياسية والعسكرية ومنها على سبيل المثال السيناريوهات المستقبلية للسياسة الإيطالية، تداعيات سحب القوات الأمريكية من سوريا وإجراءات عزل الرئيس في الولايات المتحدة، ثم الشخصيات في المرتبة الثالثة ثم المقارنات ثم التسلسل الزمني في المرتبة الخامسة، وأخيرًا جاءت الصور الشخصية أو الموضوعية.

كما اهتم موقع  ” Graphic news”” باستخدام الأساليب التحليلية في تقديم المعلومات والبيانات، مثل تداعيات سحب القوات الأمريكية من سوريا، وعرض أكثر الدول إنفاقًا على الدفاع في العالم.

وتحددت العناصر المكونة للإنفوجرافيك في موقع Graphic news في عناصر مرئية وعناصر مقروءة، وتمثلت العناصر المرئية في عرض البيانات والمعلومات في الرسوم والخرائط، وتقديم الصور والرسوم معًا، ثم تقديم الصور فقط، أما العناصر المقروءة المكونة للإنفوجرافيك فتحددت في عرض المعلومات والحقائق، ثم الإحصاءات، ويعكس ذلك اهتمام الموقع بتوظيف عوامل الجذب البصري للقارئ من خلال الرسومات والألوان، مما يدل على اهتمام الموقع بتقديم البيانات والمعلومات باستخدام عناصر تسمح للقارئ بالحصول على معلومات منها لما تحمله من مضامين سهلة وجذابة.

إلى ذلك، أشارت نتائج الدراسة إلى أن موقع Graphic news اهتم بتأكيد المعلومات والبيانات والحقائق التي يتم نشرها من خلال الإنفوجرافيك، وذلك من خلال تقديم معلومات الإنفوجرافيك الواحد من أكثر من مصدر، حيث تنوعت ما بين وكالات أنباء وصحف أجنبية والمراكز والمعاهد البحثية، والمنظمات والمؤسسات الدولية والمؤسسات الحكومية.

وأثبتت الدراسة وجود علاقة ارتباطية ذات دلالة بين نوع القضايا الدولية ونوع الإنفوجرافيك المستخدم في تغطية الأحداث السياسية، حيث اهتم الموقع بتوظيف إنفوجرافيك تحليل البيانات في قضايا كل من الشؤون السياسية والانتخابات والاقتصاد والشؤون العسكرية.

كما كشفت الدراسة عن علاقة ارتباطية بين نوع الإنفوجرافيك واستخدام العناصر المرئية في تكوين الإنفوجرافيك، وجاء تحليل البيانات في مقدمة الأنواع اعتمادًا على الأساليب المرئية خاصة من خلال تقديم الرسوم البيانية والخرائط والصور والرسوم معا.

وأكدت الدراسة وجود علاقة ارتباطية بين نوع الإنفوجرافيك واستخدام العناصر المقروءة في تكوين الإنفوجرافيك، وجاء تحليل البيانات في مقدمة الأنواع اعتمادًا على الأساليب المقروءة من خلال عرض المعلومات والبيانات وتقديم الإحصاءات والأرقام.

 أما على صعيد التحليل الدلالي لنماذج الإنفوجرافيك المستخدمة في تغطية القضايا الدولية، خلصت الدراسة إلى أن موقع “Graphic News” حاول توظيف المعلومات بشكل قام على الصور والبيانات، ففي الوقت الذي حملت بعض نماذج الإنفوجرافيك معلومات ضمنية غير ظاهرة وعناوين تحمل بين طياتها توجهات وسياسة مختلفة، إلا أن أغلبها اتصف بالمستوى التعييني ومنها على سبيل المثال تركيز الموقع على إبراز القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في ضوء المقاربة العسكرية للأوضاع الاقتصادية للولايات المتحدة من خلال التركيز على الإمكانيات العسكرية التي تمتلكها بأكثر من دولة، كما سعى الموقع إلى توظيف الإنفوجرافيك في موضوعات مرتبطة بالانتخابات من خلال المقاربة السياسية بالتركيز على عرض أبعاد مختلفة للعملية الانتخابية بعرض إحصاءات للأحزاب المؤيدة والمعارضة إلى جانب عرض البيانات المرتبطة بالعملية الانتخابية، وقام الموقع بنشر صور شخصية للقيادات الدولية فقط ولكن في حدود الحديث عن الشخصية، كما أبرز الموقع القضية السورية بأبعاد مختلفة لمحاولة حل الصراع وعرض وجهات نظر مختلفة، إضافة إلى عرض الإجراءات التي تتخذها الدول الكبرى في سوريا مع عدم تركيز على معاناة المواطن السوري وتجاهله بشكل تام.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الإنفوجرافيك أضحى أداة رئيسية تستخدمها كافة المؤسسات الإخبارية ووسائل الإعلام وأيضًا المؤسسات الحكومية والمنظمات والشركات، وذلك لقدرته الاتصالية على تبسيط المعلومات والبيانات، وتسهيل استيعابها وفهمها لدى الجمهور، في ظل ثقافة جديدة لدى القراء تميل إلى مطالعة المحتوى الموجز والمكثف والاهتمام بالبيانات والإحصاءات الرقمية التي توفر عليهم عناء القراءة وصعوبة استيعاب النصوص المطولة.

زر الذهاب إلى الأعلى