تقارير

الرشاوى التحفيزية للمراجعات التقييمية على منصات التواصل الاجتماعي.. قراءة تحليلية

تشكل “كتابة المراجعات-  Write Reviews ” إحدى الأدوات الهامة في التسويق للمنتج أو الخدمة التي تقدمها شركة أو مؤسسة أو علامة تجارية ما، وهي مسألة ذات تأثير كبير على المستهلكين والعملاء المحتملين، بافتراض أن تلك المراجعات تقدم ملاحظات وتقييمات صادقة؛ وتشير تقديرات بحثية إلى أن 93% من البالغين في الولايات المتحدة يقرؤون المراجعات قبل الإقدام على عمليات شراء عبر الإنترنت، مما يشير إلى أن الغالبية العظمى من المستهلكين يفهمون فوائد المراجعات الموثوقة ويكونون متحمسين لكتابة مراجعات دقيقة بأنفسهم بعد حصولهم على السلعة أو الخدمة.

وقد ارتبط ازدهار تلك المراجعات بتوسع استخدام المسوقين والمستهلكين لمواقع التواصل الاجتماعي، فبينما يبحث المسوقون عن توسيع قاعدة العملاء والترويج للمنتجات، تحرّك المستهلكين دوافع أخرى تتصل بالرغبة في الحصول على عروض وتخفيضات على المنتجات، والتقصي عن جودتها، في ظل مناخ باتت فيه منصات التواصل الاجتماعي الملاذ الأول لكل من المنتج والمستهلك.

وأدى تعاظم أهمية المراجعات إلى لجوء بعض الشركات لتقديم حوافز مادية أو عينية من أجل زيادة عدد المراجعات والحصول على تقييمات تسهم في تنشيط مبيعاتها وترسيخ صورة ذهنية جيدة عن منتجاتها أو خدماتها.

تأثير الدفع للعملاء على كثافة وطبيعة المراجعات للمنتجات

وتشير مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” الأمريكية إلى أن الشركات عندما تدفع للعملاء مقابل كتابة مراجعات، فإنها تغير تلك المراجعات بطريقتين رئيسيتين، تتمثل الأولى في أن توفير حافز يزيد من عدد المراجعات التي من المحتمل أن تتلقاها الشركة، وهو ما خلصت إليه دراسة نشرتها مجلة “Management Science” العلمية، حيث وجدت أن الحوافز المالية أكثر فاعلية في إحداث كميات أكبر من المراجعات، لكن نصوص المراجعات التي تنتج عنها ليست طويلة مقارنة بالمراجعات التي تكتب بصورة تلقائية عبر مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين لم يحصلوا على أي حوافز لكتابة مراجعات.

أما التغيير الثاني، فكشفته دراسة بمجلة Journal of market Researchالتي أشارت إلى أن العملاء الذين يتلقون حافزًا يكونون أكثر عُرضةً لكتابة مراجعات إيجابية، بغض النظر عن تجربتهم مع المنتج.  ولفحص ما إذا كانت الحوافز تغير ما يكتبه المستهلكون وكيف ستغيره؟ أجرى فريق البحث القائم على تلك الدراسة سلسلة من التجارب شملت تجنيد العملاء لكتابة المراجعات، وبعد موافقتهم تم تقسيمهم بشكل عشوائي لتلقي حافز أو عدم تلقيه.

ففي التجربة الأولى التي شملت عينة تضم نحو 800 مستخدم لخدمات بث الفيديو مثل “نتفليكس Netflix” و”هولو- Hulu” و”أمازون برايم- Amazon Prime”، طُلب منهم مراجعة الخدمة للعملاء المحتملين في المستقبل، ثم تم تقسيم المشاركين بشكل عشوائي إلى أربع مجموعات كالتالي: أفراد المجموعة الأولى سيحصلون على حافز مالي صغير (0.20 دولار)، أما أفراد المجموعة الثانية سيدخلون في مسابقة يانصيب للحصول على جائزة مالية أكبر (200 دولار)، وبالنسبة للمجموعة الثالثة سيدخل أفرادها في مسابقة يانصيب للحصول على جائزة غير نقدية (سماعات “Apple AirPods” بقيمة 200 دولار)، بينما لم يتم تقديم أي حافز لـ”المجموعة الضابطة- control group”، وعقب كتابة مراجعاتهم، أجاب المشاركون عن أسئلة حول إلى أي مدى كانت تلك العملية مثيرة وممتعة.

تحليل المراجعات بأداة الاستفسار اللغوي وعدد الكلمات

واستخدم الفريق البحثي أداة تحليل نصية قياسية – الاستفسار اللغوي وعدد الكلمات (LIWC) – لتحديد النسبة المئوية للكلمات ذات الدلالات العاطفية الإيجابية والسلبية في كل مجموعة من المراجعات، وقد أظهر التحليل أن المشاركين الذين عُرض عليهم حوافز من أي نوع  كتبوا مراجعات تحتوي على لغة إيجابية أكثر بنسبة 40% من المراجعات التي كتبها أعضاء المجموعة الضابطة، كما وجدوا أن العملية أكثر إثارةً وإمتاعًا. كما أظهرت “دراسات المتابعة-Follow-up studies ” أن هذه المتعة الأكبر كانت الدافع الرئيسي للمحتوى العاطفي الإيجابي.

في تجربة ثانية، تم الاستعانة برواد مطعم لإجراء مسح قصير بعد الانتهاء من وجباتهم، بمجرد موافقتهم على مراجعة تجربتهم، قيل لنصف العينة إنهم سيحصلون على بطاقة هدايا من أمازون بقيمة دولار واحد، أما النصف الآخر لم يُعرض عليه أي حافز. وقد أظهر تحليل (LIWC) أن الحافز زاد اللغة الإيجابية بنسبة 55%. وتم عرض المراجعات على محكمين بشريين لتقييمها وقد صنفوا ما كتبته المجموعة المحفزة على أنه أكثر إيجابية بنسبة 70% من تلك المكتوبة من قبل المجموعة الضابطة.

وتشير الدراسة إلى أنه قد تم تقديم الحافز في هذه التجارب بعد أن أكمل العملاء تجربتهم مع المنتج المعني، وطُلب منهم تقديم أوصاف دقيقة وصادقة. ونظرًا لعدم وجود سبب يجعل العملاء الذين حصلوا على حوافز يتمتعون بتجربة مختلفة مع المنتجات عن نظرائهم غير الحاصلين على حوافز، قد يكون المتوقع ألا تؤثر الحوافز على محتوى المراجعات، لكن التجارب أظهرت خلاف ذلك، فبمجرد معرفة الفرد أنه سيتلقى مكافأة مقابل كتابة مراجعة يجعل العملية أكثر إمتاعًا، مما يزيد من احتمالية كتابة مراجعة إيجابية.

حدود استغلال آلية الدفع والتحفيز مقابل المراجعات

ولعل هذا ما يثير تساؤلاً هل يجب على جميع الشركات تقديم حوافز لكتابة المراجعات؟ والإجابة ليس بالضرورة، إذ تشير  الدراسة إلى أنه على الرغم من أن تقديم الحوافز يعد إيجابيًّا بشكل عام، إلا أن هناك ظروفًا يمكن أن تكون أقل فاعلية فيها، فعلى سبيل المثال، قد تميل شركة تمر بفضيحة عامة إلى استخدام الحوافز للحصول على مراجعات إيجابية بسرعة، لكن التجربة أظهرت أنه في مثل هذه الحالة، من غير المرجح أن يؤدي تقديم الحافز إلى نتائج أفضل.

إذ قام فريق الدراسة باختيار عملاء لكتابة مراجعات لـ”حبوب الإفطار breakfast cereal ” (حبوب القمح للإفطار) التي تبيعها شركة شاركت في أنشطة غير أخلاقية، مثل استخدام زيت النخيل الذي تتم زراعته بعد إزالة الغابات المطيرة واستهداف الأطفال الصغار بالإعلانات.

وقرأ نصف العملاء عن الممارسات غير الأخلاقية قبل كتابة مراجعاتهم، أما النصف الآخر لم يقرأ أي شيء مسبقًا، ثم تم إخبار نصف العملاء في كل مجموعة أنهم سيحصلون على حافز لكتابة مراجعتهم. وكانت النتيجة أن هذا الحافز أدى لزيادة إيجابية المراجعة التي كتبها العملاء الذين لم يقرؤوا عن السلوك غير الأخلاقي للشركة، أما أولئك الذين قرأوا عن هذا السلوك السيئ كتبوا جميعًا مراجعات سلبية بغض النظر عما إذا كان قد عُرض عليهم حافز أم لا.

ويشير هذا إلى أنه إذا شعر الناس بأنهم يتلقون رشوة من شركة لا تستحق دعمهم، فمن المستبعد أن يتركوا تقييمًا إيجابيًّا حتى لو عرضت الشركة عليهم حافزًا.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت الدراسة أن تعظيم إيجابية المراجعة بأي ثمن ليس دائمًا فكرة جيدة، ففي إحدى التجارب طُلب من العملاء المحتملين تقييم سلسلة من المراجعات – بعضها كتب بواسطة مراجعين محفزين، وبعضها بواسطة مراجعين غير متحمسين – ثم أشاروا إلى اهتمامهم بشراء المنتج.

وكما هو متوقع كان الأشخاص أكثر اهتمامًا بشراء المنتج بعد قراءة مراجعة كتبها عميل حصل على حافز، لأن المراجعات المُحفزة كانت تحتوي على محتوى أكثر إيجابية. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت التقييمات الإيجابية غير دقيقة، فيمكن أن تولد خيبة أمل وردود فعل عنيفة. لذلك يجب أن يفكر المديرون في تشجيع الكتاب على توخي الدقة في مراجعاتهم حتى عند تلقي حافز.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن تقديم الحوافز يُعد استراتيجية فعّالة لتحسين تجربة كتابة مراجعات العملاء وزيادة المحتوى الإيجابي في مراجعات المنتج أو الخدمة، لكن عندما يتعلق الأمر بتصميم برامج حوافز من أجل كتابة المراجعة للمنتج أو الخدمة، فلا يوجد حل واحد يناسب الجميع، إذ تزداد احتمالية تطوير نظام مكافآت يحقق النتائج التي تبحث عنها الشركة أو العلامة التجارية من خلال إدراك التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه المكافآت والحوافز.

وفي الوقت نفسه يضعف هذا التأثير عندما لا ترتبط الحوافز بتجربة المراجعة أو عندما لا يُنظر إليها بشكل إيجابي، فلا يجب اللجوء إلى استخدام الحوافز للتستر على فضيحة ما، لأن الخيار الأنسب في حال وقوع أي مشكلة هو الشفافية مع الجمهور، وأي محاولة لشراء التعليقات والمراجعات من أجل احتواء الأزمة لن تؤدي إلى حل، بل ستزيد من صعوبة الموقف، وتهدد بضياع المصداقية التي تعد واحدة من أهم الأصول التي تمتلكها الشركة في المجتمع الذي تعمل فيه بما يشمله من عملائها الحاليين أو المحتملين.

زر الذهاب إلى الأعلى