ترجمات

انتهاكات حقوق العمال.. تفتح السجل الأسود لقطر

في ديسمبر 2010 أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” فوز قطر بتنظيم بطولة كأس العالم 2022، بعد عمليةٍ أحاطت بها الشبهات، حول تورّط قطر في دفع رشاً لمسئولين في الفيفا، لتمرير الحصول على حقّ تنظيم البطولة.

مع تزايد عدد العمالة الوافدة إلى قطر، قفز عدد سكانها  من 1,6 مليون نسمة في ديسمبر 2010 إلى 2,7 مليون نسمة في أكتوبر 2018

وبدأت قطر بعدَها تستعدّ لبناء المنشآت الخاصة بهذا الحدث العالمي، واستقدمت العمالة الأجنبية ومنها الآسيوية تحديداً، للمساهمة في بناء تلك المنشآت، ومع تزايد عدد العمالة الوافدة إلى قطر، قفز عددُ سكانها من 1,6 مليون نسمة في ديسمبر 2010 إلى 2,7 مليون نسمة في أكتوبر 2018، حيث يمثل العمالُ الأجانب 95% من القوة العاملة فيها.

انتهاكات متنوّعة.. وإدانات واسعة

مع قسوة ظروف العمل أمام العمالة الأجنبية القائمة بعملية بناء وتشييد المنشآت الرياضية الخاصة بمونديال 2022 في قطر، ومع عدم توافر البيئة الإنسانية الملائمة لهم، سقط الكثير منهم قتلى وجرحى أثناءَ وخارج العمل، وهو الأمر الذي كانت له أصداء استنكارية واسعة على الصعيدين الرسمي والشعبي في معظم دول العالم.

وثقت تقارير منظمة العفو الدولية بين عامي 2013 و2016 استغلالاً واسع النطاق للعمّال في قطاع التشييد والبناء

فقد أشارت الكثير من المنظمات الحقوقية إلى أنواع الانتهاكات التي تمارسها قطر ضد العمالة في منشآت كأس العالم 2022، فأفادت صحيفة “الجارديان” في أكتوبر 2013، بأن 44 عاملاً نيبالياً قضوا نحبهم في قطر خلال فترةٍ لا تتجاوز الشهرين.

ووثقت تقارير منظمة العفو الدولية بين عامي 2013 و2016 استغلالاً واسع النطاق للعمّال في قطاع التشييد والبناء، بما في ذلك العمل بالسُّخْرة، كما هو الحال مثلاً في أعمال بناء “ملعب خليفة الدولي” في العاصمة الدوحة، وفي عام 2014، أفاد”مُقرِّر الأمم المتحدة الخاصّ المَعْنِي بحقوق المهاجرين، بأن “الاستغلال منتشر، وكثيراً ما يعمل الوافدون دون أجر، ويعيشون في ظروف دون المستوى”.

وتحدثت منظمة العفو الدولية عن حالةٍ لاقت اهتماماً كبيراً، وردت أنباؤها في مايو 2018، حيث ظل 1200 عامل دون أجر لعدة أشهر، وعاشوا أسابيعَ دون مياه أو كهرباء في المساكن المعدّة لإقامتهم.

وفي سبتمبر 2018، نشرت العفو الدولية نتائجَ تقرير تقصّي أعمال شركة هندسية تدعى “ميركوري مينا”، حيث تركت عشراتِ العمّال مفلسين، وقد تقطّعت بهم السُّبلُ في قطر، وشعروا في نهاية الأمر بأنهم مُجبَرُون على العودة إلى بلادهم مُثقَلين بالديون، رغم أن لهم آلافِ الدولارات من الأجور والمستحقات، وكان العمال يشاركون في تشييد بِنْيةٍ أساسية خاصة ببطولة مونديال 2022.

ونشرت العفو الدولية تقريراً لها عن العمالة الأجنبية في قطر بتاريخ 5 فبراير 2019، وقالت إنه لم يَتَبَقَّ سوى أقلَّ من أربع سنوات على انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، وما زال سِجلّ قطر بشأن حقوق العمّال الأجانب يَحمل بين صفحاته ممارساتٍ خطيرة، من بينها العمل بالسخرة والقيود على حرية التنقل.

ووثق التقريرُ الانتهاكاتِ التي يتعرّض لها العمال الأجانب، حيث يتقاضون أجوراً زهيدةً، ويُلاقون إساءةً واستغلالاً يصلان في بعض الأحيان إلى مستوى أعمال العبودية والإتجار بالبشر.

وفي 12 مارس 2019 وَجَّهَ عددٌ من المنظمات الحقوقية والرياضية رسالةً إلى “جاني إنفانتينو” رئيسِ الاتحاد الدولي لكرة القدم، حول حقوق الإنسان والتوسيع المحتمل في بطولة كأس العالم 2022، مطالبين بتوفير ضمانات للامتثال لحقوق الإنسان، في جميع الأماكن الخاصة بالبطولة خاصة مواقع بناء المُنشآت، ووقّعت على تلك الرسالة منظمة العفو الدولية، رابطة مشجّعي كرة القدم في أوروبا، مركز الخليج لحقوق الإنسان، هيومن رايتش ووتش، اتحاد النقابات الدولي، منظمة الشفافية الدولية، الاتحاد العالمي يوني، ورابطة لاعبي العالم.

وكتب جيرمي آرمسترونج في صحيفة “ميرور” في 19 مايو 2019، أن قطر أنفقت 5 مليارات جنيه إسترليني لبناء الملاعب الجديدة، إضافةً إلى شبكات النقل والطرق، وأفادت التقارير بوفاة 1200 عامل، لكن قطر ادّعت حدوث ثلاث وفيات في حوادثَ وقعت في مواقع بناء الملاعب، فكان الأَوْلى رعاية هؤلاء العمّال.

ووصفت غيل كارتميل مساعدةُ الأمين العام لمنظمة “يونت ذا يونيون” العمالية، الأجورَ وظروفَ العمل وأماكن الإقامة التي توفّرها قطر لعمال البناء المهاجرين، بأنها مروّعة في أغلب الحالات.

وقالت إيلي كامبريدج في صحيفة “ذا صن” البريطانية في 20 مايو 2019، إن هناك ما يقرب من 28 ألف عامل في الملاعب القطرية، لا يحصلون إلا على 158 جنيهاً إسترلينياً في الشهر، بعد العمل لمدة 48 ساعة أسبوعياً، ونقلت عن أحد العاملين قوله “أنا من عمال البناء داخل الاستاد، وأساعد في أعمال أخرى، وأجري هو 900 ريال (190 جنيه إسترليني) شهرياً”، وقال آخر “في كثير من الأحيان لا يعطوك أجرك في الوقت المحدّد، وقد يكون هناك استقطاعات ولا يدفعوا مقابل العمل الإضافي، وفي نهاية اليوم عليك انتظار الحافلة طويلاً حتى تغادر مكانَ العمل، ما يجعل يومَ العمل طويلاً جداً”، وتحدّث المقال عن أن بعض الموظفين ظلوا بدون أجر لأشهر، واستدان بعضُهم مبالغَ وصلت إلى 4000 جنيه إسترليني.

منظّمو كأس العالم 2022 في قطر اعترفوا بوفاة عدد كبير من العمّال

وكتب “مات سلاتر” على “إندبندنت” في 4 يونيو عام 2019، أن منظّمي كأس العالم 2022 في قطر، اعترفوا بوفاةِ عددٍ كبير من العمّال، وأشار المقال إلى أن قطر عملت بعدَ ضغطٍ مع هيئاتٍ مثل منظمة العمل الدولية، وتم إصدارُ تقاريرَ بشأن العمالة في منشآت المونديال، ودقّ التقريرُ الأخير ناقوسَ الخطر بشأن الوفيات غير المرتبطة بالعمل، فبين فبراير 2018 ويناير من هذا العام، توفي 10 عمال بعيداً عن مواقع البناء، مات تسعة منهم في غرف نومهم، وستة منهم تقلّ أعمارهم عن 36 عاماً، وتراوحت أعمارهم بين 26 و 49 عاماً، خمسة منهم من بنجلاديش، ثلاثة من الهند، واثنان من نيبال، ما يشير إلى غياب الرعاية الصحية لهم، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن هذه التقارير تروي فقط جزءاً بسيطاً من القصة.

توثيق ميداني للانتهاكات

استدعت خطورةُ ما يقوم به النظام القطري من انتهاكاتٍ لحقوق العمال، عدداً من المهتمين، لرصد تلك الانتهاكات ميدانياً، ففي صحيفة “الجارديان” كتب ديفيد كون بتاريخ 21 نوفمبر 2018، أن العمال يأتون من أفقر دول العالم، ويحصلون على أجرٍ بَخْس لتحقيق حلم كرة القدم، في إحدى أغنى دول العالم من حيث نصيب الفرد، ناقلاً صورةً حية للعمال من ملعب الريان، وأظهر الكاتبُ عمالاً من غانا، حيث قالوا إن الإعلانات حول وظائف البناء في قطر تمّ بثّها عبر الراديو، وانتهز عددٌ منهم الفرصة للسفر إلى قطر، ووقعوا ضحية استغلال لوكلاء غرّروا بهم.

وقال أحد العمال إن الوكيل أوضح له بأن قطر أغنى بلدٍ في العالم، وسيحصل على راتبٍ كبير، لكن عندما وصل إليها هو وزملاؤه، وجدوا الأمر عكس ذلك، وقال آخر إنه من الصعب أن أكون بعيداً لفترة طويلة، في بعض الأحيان تريد الأسرة أن أكون بينها، وقد لا أملك أموالاً لإرسالها، وكان من المفترض أن نكسب كثيراً، لكننا نكسب أقلَّ من المطلوب.

وشرح الكاتب أنه لبناء واحدٍ من الملاعب الراقية التي صُمِّمَتْ كي تتمكن قطر من إبهار العالم في 2022، يجري العمل ثماني ساعاتٍ في اليوم، وستةَ أيام في الأسبوع، فيما يحصل العامل الواحد من الذين التقاهم الكاتب على مبلغٍ يُقدَّر بـ140 جنيهاً إسترلينياً شهرياً، أي أقلّ من 35 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع.

ومثل جميع المهاجرين العاملين في قطر، فإن الأموال التي يرسلونها إلى بلادهم ليست كافية، موضّحين أنهم ما زالوا يتحمّلون نفقاتِ معيشتهم في قطر.

وكتب جيمس ثورجود في “دويتشه فيليه” بتاريخ 6 يونيو 2019، أن الفيفا اعترفت بالانتهاكات العمالية في قطر بعد تحقيقٍ استقصائي أجرته إذاعة غرب ألمانيا، ففي مايو الماضي دخل الصحفي بنيامين بست إلى قطر، وهو صحفي في إذاعة غرب ألمانيا، واستعان في تحقيقه بكاميرا خفية رَصَدَ بها الظروفَ الصعبة التي يعيشها آلاف من العمال النيباليين، الذين يبنون الملاعبَ الخاصة بمونديال 2022.

وصفت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ظروف العمالة الوافدة في قطر بأنها “كارثية”

ورصدت كاميرا بيست الأماكن المُخصَّصة لإقامة هؤلاء العمال، أظهرت مدى السوء والانتهاكات التي يعيشها هؤلاء العمال، في فيديو متاح للجميع على شبكة الإنترنت.

والتقى الصحفي بالعديد من العمال الأجانب لمناقشة الظروف التي وصفتها منظماتٌ مثل هيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية، بأنها كارثية، وقال العامل النيبالي ديل براساد: “كلّ يوم نقتات على الماء والخبز، ولا يوجد مال، فلا يمكننا أن نأكل شيئاً آخر، نحن هنا في “الأَسْر”، شهراً بعدَ شهر يصبح وضعنا أكثرَ سوءاً، أريد فقط العودة إلى المنزل، فهنا لا يمكننا حتى الاتصال بأُسَرِنا في نيبال”.

وروى آخرون قصصاً عن عدم القدرة على العمل لدى شركاتٍ أخرى، نتيجة عجزهم عن الوصول إلى الأوراق التي يَحتفظ بها أربابُ عملهم الحاليون، ورغم عملهم لأشهر فهم لا يتقاضون رواتبهم، ويقول عدي جورونج “ذهبنا إلى محكمة العمل وإلى السفارة، لكن لم يتغير شيء”، وجدير بالذكر أن سفيرة نيبال السابقة في الدوحة مايا كوماري شارما، أشارت إلى أن قطر تُعتَبَر “سجناً مفتوحاً”.

المال الفاسد وإخفاء الجريمة

نتيجةَ تلك الممارسات، طالب البعضُ بسحب تنظيم البطولة من قطر، وكتب فرانكلين فوير في صحيفة “ذا أتلانتك” الأمريكية بتاريخ 7 يوليو 2019، أن استضافة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، ستكون بمثابة مشروعٍ لنظام فاسدٍ وديكتاتوري حصل على هذه البطولة بالفساد، مؤكداً أن المنظمات الحقوقية تُشير إلى وفاة أكثرَ من ألف عامل بسبب ظروف العمل، وطالب الكاتبُ بتوجيه الأموال المخصّصة لكأس العالم بقطر، لتطوير مونديال السيدات.

وأشار إلى أن مباريات كأس العالم تُقام في الصيف، والصيف في قطر يشبه “فرن البيتزا”، مما يشكل خطراً جسدياً على اللاعبين والعمالة الخاصة بعملية بناء الملاعب، ولاستيعاب هذا المناخ المتطرّف، تغيّر موعدُ البطولة لتقام في شهري نوفمبر وديسمبر، في منتصف موسم كرة القدم الأوروبي.

وأوضح أنه كمُشَجِّع لا يمكنه تَحَمُّل هذا الخلل في التقويم، فإذا تمّ حَلّ مشكلة ارتفاع درجة الحرارة على اللاعبين بنقل البطولة إلى الشتاء، فإن العاملين في تلك المنشآت ما زالوا يعملون في درجة حرارةٍ وحشية.

وقد وصف الاتحادُ الدولي لنقابات العمال هؤلاء العمال بأنهم يعملون كـ”عبيد”، وأصدر تقريراً عن قطر، تَوقَّع فيه أن يموت أربعةُ آلافِ عامل أثناء إقامة منشآت البطولة.

الأموال القطرية كانت ولا تزال سبباً أساسياً في أن تغضّ المنظمات الحقوقية الطَّرْفَ عن الجرائم بحقّ العمالة الأجنبية

وهنا لعبت أموال الفساد القطري دوراً كبيراً في خفض الأصوات المطالبة بتطبيق العقاب على قطر، وسحبِ شرفِ تنظيم البطولة منها، فقطر بعد أن خَطَفَتْ تنظيمَ البطولة من الولايات المتحدة، كشفت التقاريرُ أنها دفعت ملايين الدولارات لإرضاء الفيفا من أجل استضافة البطولة، وهذا ما تورّط فيه الفرنسي ميشيل بلاتيني الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وجوزيف بلاتر الرئيس السابق للفيفا، وغيرهما من مسئولي الفيفا السابقين، الذين لا تزال الملاحقات القضائية تسعى خَلفَهم بهذا الشأن.

تلك الأموال القطرية أيضاً كانت ولا تزال سبباً أساسياً في أن تغضّ المنظماتُ الحقوقية الطَّرْفَ عن كل تلك الجرائم التي ارتكبتها قطر وما زالت ترتكبها بحق العمالة الأجنبية، حيث تستضيف الدوحةُ عدداً من هذه المنظمات على أرضها وتموّلها بملايين الدولارات سنوياً، ما يضعها بين سندان كشف الحقيقة، ومطرقة وقف التمويل عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى