تعتبر كرة القدم إحدى الأدوات الرئيسية التي تستخدمها الدول لتعزيز قوتها الناعمة وتأثيرها في محيطها الإقليمي وكذلك حضورها على الساحة العالمية، كما شهدت في الثلاثة عقود الأخيرة نموًا كبيرًا جعل منها صناعة رابحة عالميًا حيث تستفيد منها مختلف الأندية والشركات، وكذلك وسائل الإعلام عبر حقوق البث للبطولات مما جعلها تشكل جزءًا هامًا من الاقتصاد العالمي.
وبحسب موقع “statista” المتخصص في الإحصاءات العالمية، من المتوقع أن تصل إيرادات سوق كرة القدم العالمية إلى 59.10مليار دولار العام الحالي، بمعدل نمو سنوي متوقع قدره 3.07%، ليصل إلى 66.70 مليار دولار بحلول عام 2029. ويعود هذا النمو إلى عوامل مثل زيادة الوعي الصحي، والبرامج الرياضية الحكومية، ونمط حياة أكثر نشاطًا.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فقد شهدت كرة القدم تحولًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، على الصعيدين المحلي والدولي، فبفضل مزيج من المواهب والاستثمارات والمشاريع الطموحة، تطمح المملكة إلى ترسيخ مكانتها كلاعب فاعل في كرة القدم العالمية.
كما تستثمر الدولة مليارات الدولارات في الفعاليات الرياضية، وتشجع مشاركة المرأة، وتعزز التعاون الدولي. ولكن كيف يبدو مشهد كرة القدم في المملكة؟ هذا هو السؤال الذي طرحته الدكتورة ديزيريه كايزر الخبيرة في مجال التطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مقالها الذي نشرته منصة “meer” الإعلامية على موقعها الإلكتروني بعنوان “صعود كرة القدم في السعودية”، ونستعرضه على النحو التالي:
- الدوري السعودي وتطوير المواهب
تُعد كرة القدم بلا منازع الرياضة الأكثر شعبية في المملكة. وقد اكتسب الدوري السعودي للمحترفين شعبية متزايدة في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك جزئيًا إلى التعاقد مع نجوم ومدربين عالميين. كما تجذب أندية مثل الهلال والنصر والأهلي جماهير محلية ودولية على حد سواء، وتستثمر هذه الأندية بشكل كبير في تطوير المواهب الشابة لتعزيز ثقافة كرة القدم المستدامة في البلاد. وقد استفاد الدوري من تحسين البنية التحتية، حيث يتم بناء ملاعب ومرافق تدريب جديدة لتوفير ظروف مثالية للاعبين وتحسين تجربة المشاهد. ويعد هذا جزءا من خطة أوسع نطاقًا تتماشى مع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز الرياضة في المملكة وترسيخ مكانة السعودية كوجهة رياضية عالمية.
- نجاحات دولية
تأهلت المملكة العربية السعودية مرارًا وتكرارًا لكأس العالم لكرة القدم على مدار العقود الماضية، وقد حظيت مشاركتها في كأس العالم 2022 في قطر باهتمام خاص. فقد قدّم المنتخب السعودي أداءً رائعًا، بما في ذلك فوزه على الأرجنتين في دور المجموعات، مما أكد الطموحات الدولية للسعودية. ومن الإنجازات الرئيسية الأخرى فوز المملكة باستضافة كأس العالم 2034. ويمثل هذا القرار نقطة تحول في مسيرة كرة القدم السعودية، كما يُظهر ثقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في قدرة البلاد على استضافة بطولة ناجحة. وتجري الاستعدادات للحدث على قدم وساق، حيث يعمل الاتحاد السعودي لكرة القدم جاهدًا على تهيئة أفضل الظروف للاعبين والجماهير.
وبالإضافة إلى مشاركاته في كأس العالم، حقق المنتخب السعودي نجاحًا أيضًا في المسابقات الآسيوية، بما في ذلك الفوز بألقاب كأس آسيا عدة مرات. ولا تسلط هذه الإنجازات الضوء على القوة المتنامية لكرة القدم في البلاد فحسب، بل تعمل أيضًا كحافز للمواهب الشابة لمواصلة مسيرتها المهنية في هذه الرياضة.
- تعزيز كرة القدم النسائية
يُعد تعزيز كرة القدم النسائية جانبًا أساسيًا آخر من جوانب تطوير كرة القدم في السعودية، ولطالما قُيّدت مشاركة المرأة في الرياضة بشدة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تغييرات كبيرة، حيث تم تأسيس فرق نسائية، وتنظيم بطولات لدعم مشاركة المرأة في الرياضة. ويُعدّ هذا جزءًا من تحوّل مجتمعي أوسع يهدف إلى توفير المزيد من الفرص للمرأة في الرياضة وغيرها من المجالات.
وقد سجّلت المملكة العربية السعودية إنجازًا تاريخيًا بإرسال لاعبات إلى الألعاب الأولمبية لأول مرة في عام 2012. واليوم، توجد دوريات رسمية لكرة القدم النسائية، والملاعب الرياضية مفتوحة أيضًا للنساء.
ومن التطورات الجديرة بالملاحظة بشكل خاص إدخال التربية البدنية للفتيات في المدارس، وهي خطوة رئيسية نحو تحقيق المساواة بين الجنسين.
- آفاق مستقبلية واعدة لكرة القدم في السعودية
مع استمرار الاستثمار في الدوري، وتنمية المواهب الشابة، والسعي لتحقيق النجاح الدولي، يمكن للمملكة أن تلعب دورًا أكبر في كرة القدم العالمية في السنوات المقبلة. فالجمع بين الأهداف الطموحة وثقافة كرة القدم المتنامية يُثير الآمال في أن تصبح السعودية قوةً مهيمنةً في كرة القدم الآسيوية، بل وتكتسب مكانةً بارزةً على الساحة العالمية.
وفي إطار مشاريعها الضخمة وفعالياتها الرياضية الكبرى، تسعى المملكة إلى تنفيذ خطط طموحة في إطار استراتيجيتها التنموية “رؤية 2030” لترسيخ مكانتها كمركز رياضي. وتُوظف استثمارات كبيرة ليس فقط في كرة القدم، بل أيضًا في مباريات الملاكمة، وفعاليات المصارعة العالمية الترفيهية (WWE)، والجولف، والتنس، وسباقات “الفورمولا1” في جدة، بالإضافة إلى الرياضات والألعاب الإلكترونية، وهي من أبرز الصناعات الواعدة في المستقبل.
ولا يهدف الترويج المكثف للرياضة إلى تعزيز الهوية الوطنية والسمعة الدولية فحسب، بل يخدم أيضًا أغراضًا اقتصادية، فصناعة الرياضة المتنامية تخلق فرص عمل، وتجذب السياح، وتساعد البلاد على تنويع اقتصادها بعيدًا عن قطاع النفط.
الخلاصة، تشهد المملكة العربية السعودية تحولًا مثيرًا في كرة القدم. ومع وجود دوري قوي، وحضور دولي متزايد، وتركيز على تشجيع الرياضة النسائية، تسير البلاد بخطى ثابتة لتصبح لاعبًا رئيسيًا في كرة القدم العالمية.
قد يُمثل فوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034 إنجازًا آخر في هذا التطور، مما يزيد من الاهتمام الدولي بكرة القدم السعودية. كما تتميز الرياضة في المملكة بتوازنها بين الأصالة والمعاصرة، فبينما لا تزال الرياضات التقليدية، مثل سباقات الهجن، تحظى بشعبية واسعة، تستثمر المملكة بشكل استراتيجي في الفعاليات الدولية والرياضات الحديثة.
ويُظهر تشجيع الرياضة النسائية والمشاريع الضخمة الطموحة عزم السعودية على ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية العالمية.