تقارير

المساعدات الإغاثية والدبلوماسية الإنسانية السعودية

تشكل المساعدات الإنسانية والإغاثية والإنمائية جزءاً أساسياً من محاور حركة الدبلوماسية والسياسة الخارجية السعودية، وذلك في إطار دور رائد تلعبه المملكة على المستويين الإنساني والتنموي، ورسالة تحملها على عاتقها من أجل مكافحة الفقر وحفظ كرامة الشعوب المحتاجة، وتحقيق الازدهار للفئات الأشد ضعفاً حول العالم، فهي تمد يدها بالخير والعطاء لتقديم المساندة والدعم انطلاقاً من مكانتها كعضو بارز وفاعل في المجتمع الدولي وكقائدة للعالم الإسلامي وقلب نابض للعروبة.
وعملت المملكة في ممارستها لتلك الرسالة السامية على أن تتم من خلال أطر مؤسسية تكلف بأداء هذا الدور، كما أن تلك المساعدات لم تقتصر على البعد الخارجي، بل شملت أيضاً الداخل ممثلاً في المقيمين والزوار واللاجئين وكل من يعيش على أرض المملكة.
ورغم تلك الجهود الكبيرة التي تبذلها مملكة الإنسانية، فإنها تتعرض بين الحين والآخر لحملات تشويه مغرضة تسعى للنيل من دورها الإنساني، وهو ما يتطلب التذكير بالمنجزات المتحققة في هذا المجال، وبذل المزيد من الجهد لإيضاح تلك الجهود أمام الرأي العام العالمي.
المملكة أكبر دولة مانحة للمساعدات في العالم خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
لقد برزت المملكة العربية السعودية كأكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية في العالم خارج منظومة الدول الأعضاء في لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد فاقت المساعدات التي قدمتها السعودية في العديد من الكوارث الطبيعية تلك التي قدمتها الجهات المانحة الغربية المتعارف عليها، فعلى سبيل المثال قدمت المملكة في عام 2007 لبنجلاديش منحة قدرها 158 مليون دولار لأغراض إنسانية؛ استجابةً لإعصار سدر الذي ضرب البلاد، ولقي فيه أكثر من 3 آلاف شخص حتفهم وخلّف ملايين بلا مأوى، في مقابل 20 مليون دولار فقط مقدمة من الولايات المتحدة ومنحة أقل من بريطانيا.
كما تعهدت السعودية بـ 220 مليون دولار للاستجابة للفيضانات التي اجتاحت مساحات واسعة بباكستان في عام 2010، متجاوزةً بذلك مجموع التعهدات التي قدمتها الدول الأوروبية المانحة مجتمعة (209 ملايين دولار).
ووفقاً للمعهد العالمي للسياسات العامة (مؤسسة بحثية مقرها برلين)، تفضل السعودية توجيه المساعدات من خلال القنوات الثنائية، وذلك مراعاة لأهمية الحفاظ على السيادة والتكامل الإقليمي للدول، أي أنها تتجنب إجراء أية تحركات يمكن أن تفهم على أنها تدخل محتمل في شؤون البلد المستقبل للمعونة، كما تقود المملكة في كثير من الأحيان آليات متعددة الأطراف مع التشديد على أن حكومات المناطق المتضررة ذات سيادة، وهي المنوطة بتحديد احتياجاتها من المعونة.
إطار مؤسسي لتوجيه مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات
اهتمت الحكومة السعودية منذ سنوات طويلة بوضع نظام مؤسسي للمساعدات، وتطوير الآليات في هذا المجال الحيوي الإنساني العالمي المهم، ومن بينها الصندوق السعودي للتنمية، الذي تم تأسيسه ليصبح القناة الرئيسية التي تقدم من خلالها الحكومة السعودية مساعداتها الإنمائية، إذ يتمثل هدفه الأساسي في المساهمة في تمويل المشاريع الإنمائية في الدول النامية عن طريق منح القروض لتلك الدول، بجانب تقديم منح للمعونة الفنية لتمويل الدراسات والدعم المؤسسي.
أما على الصعيد الإغاثي، فيتصدر مركز الملك سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية الذي تأسس في مايو 2015 برأسمال يبلغ مليار ريال، قائمة المؤسسات المعنية بالإغاثة ليس فقط من حيث قيمة المساعدات والمعونات التي تمر من خلاله، بل أيضاً الأساليب المتطورة التي يتبعها في هذا المجال.
ووفقاً لمنصة المساعدات السعودية، بلغ إجمالي المساعدات الإنسانية والتنموية التي قدمتها المملكة عبر 15 جهة سعودية مانحة 124.11 مليار ريال سعودي (ما يعادل 33.09 مليار دولار أمريكي)، وذلك من خلال 4075 مشروعاً في 156 دولة، وقد غطت المشاريع قطاعات مختلفة من أبرزها المساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الطوارئ بواقع 1878 مشروعاً، والتعليم (1370)، والنقل (246)، والزراعة (101)، والمياه والصحة العامة (85)، والصحة (64).
وتصدرت اليمن قائمة الدول الأعلى تلقياً للمساعدات السعودية بواقع 17,937 مليار دولار، تليها سوريا (6,613 مليار)، ثم مصر (2,367 مليار)، وفي المركز الرابع فلسطين (2,064 مليار)، ثم السودان (1,596 مليار)، وفي المرتبة السادسة ميانمار (1,412 مليار).
وفي ذات الإطار، بلغت المساهمات المالية للمملكة في المنظمات والهيئات الدولية 8.30 مليار ريال سعودي (ما يعادل 2,21 مليار دولار أمريكي) تشمل دعم البرامج العامة، والمساعدات الإنسانية والإغاثية في حالات الطوارئ والأعمال الخيرية الدينية والاجتماعية إضافة إلى الصحة والنقل.
وتعد الأمم المتحدة على رأس أكبر 5 جهات مستفيدة، حيث حصلت على (309,7 مليون دولار)، يليها البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (305,3 مليون دولار)، ثم الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (251,2 مليون)، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي  (238,6 مليون)، ثم البنك  الإسلامي للتنمية (173,4 مليون).
وبالنسبة للخدمات المقدمة للزائرين (وهم اللاجئون داخل المملكة) والتي تشكل خدمات صحية وتعليمية وإعفاءات من رسوم الإقامة فقد بلغت 59,69 مليار ريال (ما يعادل 15,91 مليار دولار) موزعة على الجنسيات اليمنية والسورية والروهينجا القادمين من ميانمار.
كما امتد عطاء المملكة ومساعداتها إلى اللاجئين خارج الحدود، إذ مدت يد العون إلى المجتمعات المنكوبة والمتضررة حول العالم عبر برامج ومشاريع إغاثية وإنسانية تخفف من معاناتها لتعيش حياة كريمة، وشمل ذلك 10 دول وهي سوريا وفلسطين واليمن والبوسنة والهرسك، بجانب أفغانستان وميانمار والصومال، وكذلك غانا وباكستان والأردن، بإجمالي مساعدات 953,3 مليون دولار.
ويظهر من خلال تلك الإحصاءات الخاصة بحجم المساعدات وتوزيعها سواء بالنسبة للدول أو المنظمات الدولية، حرص المملكة على توجيه الدعم والمساندة لكل دول العالم دون أي تمييز، فهي تنطلق من  نظرة واعتبارات إنسانية بحتة.
اليمن وأزمة كورونا ودعم وكالة الأونروا كنماذج للدور الإنساني
وفي إطار تلك الجهود الإنسانية، برزت بعض الحالات التي جسدت الفلسفة التي تتبناها المملكة في ملف الإغاثة والمساعدة في أوقات الأزمات، وفي مقدمتها المساعدات الموجهة إلى دولة اليمن الشقيقة، إذ أسهم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية منذ تأسيسه قبل 6 سنوات بتقديم مساعدات تزيد على 17 مليار دولار تنوعت في مجالات شتى، منها التنموية وأخرى لدعم الحكومة اليمنية، والبنك المركزي اليمني، إضافة لما يقارب 3,5 مليار دولار في المجال الإغاثي والإنساني.
وقد تبنت السعودية نداء الاستغاثة الأول من الأمم المتحدة في عام 2015 بتوفير 274 مليون دولار، حيث أصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أمرا بتخصيص المبلغ بالكامل، ما جعل المملكة أول دولة في العالم تتبنى نداء استغاثة أممياً بالكامل، كما قدمت 500 مليون دولار خلال العام الماضي 2020 لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن من واقع الاحتياج الإنساني المقدر بـ2.4 مليار دولار.
بالإضافة إلى تنفيذها مشروع الاستجابة للتصدي لجائحة كورونا، إذ جاءت المرحلة الأولى بقيمة 10 ملايين دولار يستفيد منها 16 مليون شخص، والثانية بقيمة 3 ملايين دولار يستفيد منها 350 ألف شخص، فضلاً عن تنفيذ مشروع لدعم الحد الأدنى من تقديم حزم الخدمات الصحية ودعم تنسيق مجموعة الصحة بقيمة 20 مليونا و500 ألف دولار يستفيد من ذلك 6 ملايين و941 ألف فرد.
كما تساهم السعودية في الوقت الحرج الذي لا يزال يعاني فيه اليمن من تبعات الحرب والتصدي لفيروس كورونا في تقديم اللقاحات ضد الوباء، حيث سيتكفل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بتغطية 50% من احتياجات اليمن للقاحات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة ضربت نموذجاً يحتذى به خلال أزمة كورونا عل الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما يتضح في ملمحين أساسيين وهما:
– عدم تفريق حكومة المملكة في تعاملها مع أزمة كورونا بين المواطن والمقيم والزائر، فالجميع سواسية، والإنسانية هي البوصلة التي تحرك جهود الحكومة، لذلك قامت بتوفير اللقاح مجانا لكل من يوجد على أرض المملكة دون أي استثناء.
– اضطلعت المملكة بدور قيادي عالمي لتنسيق جهود مكافحة الوباء وتقليل آثاره الإنسانية والاقتصادية، حيث تعهدت خلال قمة مجموعة دول العشرين في مارس 2020 برصد 500 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الوباء، وتعزيز الجاهزية والاستجابة للطوارئ والجهود الدولية للتعامل مع فيروس كورونا ومعالجة آثاره.
من جهة أخرى، لطالما كانت السعودية داعماً راسخاً للاجئين الفلسطينيين لسنين عديدة، وهي من بين كبار المانحين لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” منذ سنوات، ففي عام 2018 تبرعت السعودية بـ50 مليون دولار للأونروا لسد النقص الناتج عن قرار الإدارة الأمريكية بوقف التمويل عن الوكالة، وعلى مر السنين، اتضح الدعم القوي للمملكة من خلال زيادة التمويل للمعونة الغذائية ومشاريع البنية التحتية والمشاريع المتعلقة بالصحة من قبل مركز الملك سلمان للإغاثة والصندوق السعودي للتنمية والتي بلغ مجموعها أكثر من 800 مليون دولار. ومثال ذلك إعادة إعمار وإصلاح حوالي 250 منزلا متضررا للاجئي فلسطين في قطاع غزة.
وفي أكتوبر الماضي، قدمت المملكة من خلال سفارتها في الأردن تبرعاً للأونروا بقيمة 25 مليون دولار، كجزء من تعهد أكبر للمملكة بمساعدة الوكالة على المحافظة على الخدمات المهمة التي تقدمها لما مجموعه 5,6 مليون لاجئ من فلسطين في المنطقة.
وختاماً، لقد دأبت المملكة العربية السعودية على أن تقدم القروض بسخاء وتمنح المساعدات الإنسانية، كما كانت دائماً داعماً قوياً للدول الشقيقة التي تمر بضائقة، وتأتي هذه المبادرات من منطلق دور المملكة كلاعب رئيسي على الساحة العالمية وكقائدة للعالم الإسلامي، وهذه الجهود ليست موسمية أو عارضة، بل هي رافد أصيل من روافد السياسة الخارجية السعودية، إلا أن ذلك الدور الإنساني محل استهداف وحملات تضليل تسعى لتزييف الواقع، وتقليل حجم الإنجاز المتحقق خدمة لأغراض سياسية خبيثة، ما يستلزم تحركاً فاعلاً على مستوى الإعلام الخارجي لنشر الوعي بالجهود التي تبذلها المملكة والتصدي لحملات التضليل، وكشف زيفها أمام الرأي العام العالمي بلغة الأرقام والإحصاءات.

زر الذهاب إلى الأعلى