ظهرت جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا في أواخر ستينيات القرن الماضي، حيث أسسها لاجئون سياسيون وطلاب وفدوا من المشرق والمغرب بغرض الدراسة، حيث شرع شباب المهاجرين من العالم الإسلامي في الانضمام إلى صفوفهم منذ ذلك الوقت، وقد استمر حجم التنظيم في الازدياد منذ أوائل الثمانينيات ليصبح خلال عقدين من الزمن التنظيم الإسلامي الأكثر ثقلاً في أوروبا، إذ تتمتع الجماعة بقوة تنظيمية كبيرة وإمكانيات مالية مكنتها من نسج شبكة ضخمة من الخدمات الاجتماعية والدينية في أوروبا، والتغلغل في صفوف المجتمع الإسلامي من أجل نشر أيديولوجية الجماعة وأفكارها في عقول الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين المسلمين في القارة العجوز.
فكرة “أستاذية العالم” كمحرك لانتشار فروع الجماعة في القارة العجوز
اتخذت فروع جماعة الإخوان في أوروبا شأنها شأن التنظيم الأم الذي تأسس على يد حسن البنا في مصر من العمل الدعوي كمظلة من أجل بث أفكارها وتطبيق سياستها وصولاً لتحقيق رؤيتها لما يسمى بـ”أستاذية العالم”، حيث تمكنت الجماعة من تأسيس 500 مؤسسة في 28 دولة أوروبية، وذلك عن طريق “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”، الذي يقع مقره في بروكسل، بحسب دراسة أعدها سمير أمغار أستاذ علم الاجتماع في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس.
وتعتبر الجماعة الإسلامية في ألمانيا (GID) التي تأسست عام 1958 الفرع الألماني للإخوان المسلمين في أوروبا، حيث أسسه سعيد رمضان صهر حسن البنا. أما رابطة مسلمي بلجيكا (LMB) فهي القناة التاريخية للجماعة في بلجيكا إذ تأسست عام 1997، ويتبعها 10 مساجد ومقرات بعدة مدن منها بروكسل وأنفير وجراند، فيما تمثل الجماعة في هولندا “رابطة المجتمع المسلم” التي أسسها في لاهاي يحيى بويافا المغربي الأصل عام 1996، وتضم الرابطة عدة منظمات منها على وجه الخصوص “مؤسسة اليوروب تراست نيديرلند (ETN)” والمعهد الهولندي للعلوم الإنسانية والإغاثة الإسلامية.
ويمثل الإخوان في إيطاليا اتحاد الهيئات والجاليات الإسلامية (UCOII) الذي تأسس عام 1990 ويضم ما يقرب من 130 جمعية، ويتحكم في 80 % تقريباً من المساجد في إيطاليا، كما يمتلك فرعاً ثقافياً وآخر نسائياً وثالثاً شبابياً.
وعلى ذات المنوال، تعتبر الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB) الهيئة التي تمثل جماعة الإخوان في المملكة المتحدة، وقد أنشأها كمال الهلباوي – القيادي المنشق عن الجماعة حالياً – عام 1997، وقد تولى الإخوان إدارة مسجد فينسبيري بارك تحت رعاية الحكومة البريطانية.
أما في سويسرا، فإن الإخوان المسلمين ممثلون من خلال “رابطة مسلمي سويسرا” ( LMS) التي أسسها التونسي محمد كرموس المقرب من الحركة الإسلامية التونسية عام 1991، ولدى الرابطة فروع عدة في جميع أنحاء سويسرا (بازل وجنيف وتيسين وبيرن وزيورخ وغيرها).
وتعتبر فرنسا أيضاً مركزاً مهماً للأيديولوجية الإخوانية، ويتجسد ذلك في اتحاد المنظمات الإسلامية، كما أن فرنسا تضم ما يقرب من 250 جمعية و100 مكان للعبادة خاص بالإخوان في لاكورنوف وديجون ومارسيليا وليل وبوردو وغيرها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المنظمات الإسلامية في أوروبا تنقسم إلى نوعين، الأول هو منظمات أو جمعيات عامة تتولى الأنشطة الدينية والاجتماعية والتعليمية، وتربطها علاقات تختلف في قوتها بجماعة الإخوان، فهي إما جماعات دعوية أو متعاطفة أو منتمية بشكل رسمي للإخوان المسلمين.
أما عن النوع الثاني فهي كيانات أكثر تخصصاً مكملة لشبكة الدعوة الإخوانية مثل جمعيات الشباب والطلاب مثل “جمعية الطلبة المسلمين”، وجمعيات المرأة حيث “المنتدى الأوروبي للنساء المسلمات”، وجمعيات إنسانية مثل “الإغاثة الإسلامية”.
 عزل المسلمين في الغرب واستقطابهم في مجتمعات موازية
وتعمل فروع جماعة الإخوان على عزل المسلمين عن المجتمعات الأوروبية من خلال إنشاء مجتمعات موازية لها مؤسساتها الخدمية، حيث المدارس والمراكز الثقافية والدينية والطبية، الأمر الذي يغذي الشعور بالاغتراب لدى الأفراد المنخرطين في تلك المؤسسات، فضلاً عن الترويج لصورة زائفة لدى الدوائر الرسمية الغربية عن قبول الجماعة بالديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان، بما يعزز أهداف التنظيم الرامية للوصول إلى السلطة في عدد من الأقطار العربية والإسلامية، والترويج للمظلومية وتعرضهم للاضطهاد في البلدان الأصلية.
ويمارس التنظيم هذا الدور وفقاً لوثائق مرجعية داخلية وسياسة ممنهجة، ومن مؤشراته وثيقة عثرت عليها أجهزة الأمن بسويسرا في أحد مكاتب إبراهيم منير، القيادي في التنظيم الدولي، فهذه الوثيقة المعروفة بـ”المشروع السري” والتي صيغت في ديسمبر 1982، جاءت تحت عنوان “نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية.. منطلقات وعناصر ومستلزمات إجرائية ومهمات”، وتحتوي على تفاصيل مهمة حول تحركات جماعة “الإخوان” للهيمنة على الغرب، أهمها بناء شبكات اجتماعية واقتصادية واسعة النطاق من المدارس والمستشفيات والمنظمات الخيرية المكرسة للنموذج الإسلامي، وتأسيس ما يعرف بـ”جهاز معلوماتي”، يجمع ويخزن ويحلل المعلومات في إطار رصد المخاطر الموجهة للحركة الأصولية في أوروبا، بجانب تأسيس المنصات والمراكز البحثية الأكاديمية والعلمية التي تعمل على تقديم رؤية للقضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة من منظور إسلامي، إلى جانب إعداد خريطة عقائدية ومذهبية تشمل مختلف دول العالم العربي والإسلامي.
كما أوضحت الوثيقة أن لدى الجماعة خطة مكونة من 3 مراحل، للهيمنة على الغرب، من خلال 12 منطلقاً أهمها قراءة الواقع، واعتماد المنهجية العلمية في التخطيط والتنفيذ، والعمل الموازي التدريجي في السيطرة على مراكز القوى المحلية، وبناء القوة الداعمة للمشروع الإسلامي.
وتنطبق بنود تلك الوثيقة على ممارسات الجماعة في أوروبا، إذ إنها تحرص على تجنب الظهور بأي مظهر عنيف وتنأى بنفسها عن أعمال العنف والإرهاب في إطار أدوار مرسومة ومحددة بدقة من قادة الجماعة من أجل تحسين صورتها، لا سيما في ظل حالة الانكشاف الاستراتيجي التي باتت تتعرض لها الجماعة بفعل ممارستها الإرهابية في العديد من الدول العربية وبخاصة في السنوات التالية على موجة الاضطرابات التي سميت إعلامياً بـ”الربيع العربي”.
المؤسسات التعليمية الإخوانية منصة رئيسية لتجنيد الشباب بأوروبا
وتشير العديد من التقارير الإعلامية الغربية إلى اهتمام الإخوان المسلمين بالمؤسسات التعليمية بوصفها منصة رئيسية لتجنيد الشباب، فخلال تسعينيات القرن الماضي تم إنشاء المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في مبنى تابع لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، كما أسس الإخوان العديد من المدارس بفرنسا.
وقد اتخذ ذلك التركيز على البعد التعليمي منحى أكثر تبلوراً ووضوحاً في عام 2002، حينما عقد المركز الثقافي الإسلامي في آيرلندا وجمعيات علماء الاجتماع المسلمين من بريطانيا وألمانيا مؤتمراً في مدينة بون الألمانية حول التعليم الإسلامي في أوروبا، إذ كان الهدف من المؤتمر وفقاً للمنظمين تعليم جيل الشباب كيفية التعبير عن رسالة الإسلام في العالم الغربي، ومواجهة ما وصفوه بتحدي مناهج المدارس العلمانية، وفقاً لمجلة “كوزر” الفرنسية.
ويعتبر التعليم وإنشاء المدارس إحدى أدوات التغلغل الناعم لجماعة الإخوان في الجسد الأوروبي، وهي أنشطة على رادار أجهزة الاستخبارات الأوروبية التي تستشعر قلقاً بالغاً إزاءها، ولعل هذا ما عبرت عنه دوائر أمنية ألمانية من بينها جهاز الاستخبارات في ولاية شمال الراين فيستفاليا، الذي حذر من أنه على المدى المتوسط قد يصدر من تأثير الإخوان المسلمين خطر أكبر على الديمقراطية الألمانية مقارنة مع الوسط السلفي الراديكالي الذي يدعم أتباعه تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” أو “داعش”.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن تنظيم الإخوان في نشر أفكاره المتطرفة وأيديولوجيته الهدامة في الغرب يستند إلى سياسة ممنهجة تستغل ثغرات في التشريعات الأوروبية تسمح له بحرية الحركة، وتمنحه بغير قصد أدوات تمكنه من التغلغل في نسيج المجتمع عبر المراكز والمدارس الدينية والجمعيات الخيرية، وهو ما أدى إلى صعوبات جمة في اندماج المسلمين داخل المجتمعات الغربية، وألقى بالعديد من الشباب في دائرة الإرهاب والتطرف.
ومن هذا المنطلق فإن مواجهة التنظيم الإخواني ومخططاته في أوروبا تتطلب تشريعات قوية توازن بين حق الجاليات الإسلامية في الغرب في ممارسة عقيدتها، والتصدي للتنظيمات المتطرفة كجماعة الإخوان والتي تستغل هذا المناخ من أجل خدمة أهدافها الخبيثة التي تهدد على المدى البعيد أمن واستقرار تلك الدول وتماسكها، كما أن تلك المواجهة تستلزم تعميق التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط بما لها من خبرة وفهم بطبيعة ذلك التنظيم المتطرف، وفي الوقت نفسه استجابة وخطوات غربية تعالج شواغل دول المنطقة إزاء توفير بعض العواصم الأوروبية ملاذات آمنة لعناصر التنظيم المتورطين في أعمال إرهابية، والمطلوبين لدى السلطات القضائية في العديد من الدول بالمنطقة.
5 دقائق