تقارير

الدراما الخليجية الرمضانية في ميزان النقد

على مدى عقود متتالية ارتبط شهر رمضان المبارك في وجدان الجمهور الخليجي بوجبة درامية دسمة، تتنافس فيها الأعمال الدرامية من أجل الحصول على رضا المشاهد، في موسم هو الأهم لصناعتي الدراما والإعلان على مدار العام.
واتسم العام الحالي بكثافة الإنتاج مع طرح نحو 24 مسلسلاً تلفزيونياً يشارك فيها نخبة من نجوم الخليج، وتتناول موضوعات مختلفة وإن كانت السمة الغالبة سيطرة القالب الاجتماعي عليها، وعودة عدد غير قليل منها إلى فترات زمنية سابقة وإن كانت لا تمثل نمط الدراما التاريخية، مع اتجاه كبير نحو تقديم الأعمال الكوميدية في الدراما الخليجية مقارنة بحجم الإنتاج الدرامي العربي.
وبعد مرور 10 أيام من الشهر الكريم، بدأت ملامح السباق الدرامي في التشكل عبر ردود أفعال وانطباعات الجمهور والتي تنعكس في آرائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ونسب المشاهدة، إذ تعالت أصوات النقد، ومثلت ما يمكن وصفه بتيار رئيسي، بينما خفتت الإشادات وكانت نادرة وقاصرة على عمل أو اثنين لا أكثر.
وتثير تلك الحالة مجموعة من التساؤلات حول دور الدراما ووظيفتها في المجتمع، والجوانب المطلوب تطويرها من أجل تقديم أعمال درامية تحقق رسالة الفن التثقيفية والتنويرية.
الدراما.. الفن الثامن كوسيط اتصالي  
لقد استطاعت الدراما التلفزيونية على الرغم من عمرها الذي لم يتجاوز عشرات السنين، أن تنجح في انتزاع مكانتها من بين غالبية وسائل التعبير الفنية الأخرى، لا سيما وأنها ضمت في جوانبها مجمل خصائص ومميزات هذه الوسائل، لدرجة أن بعض النقاد يرون أن الربع الأخير من القرن العشرين طرح مؤشرات قوية لولادة فن ثامن هو الدراما التلفزيونية، وكما أخذت السينما “الفن السابع” الكثير من صفات المسرح وبقية الفنون الستة التي سبقتها (العمارة، الموسيقى، الرسم، النحت، الشعر، الرقص)، تأخذ الدراما التلفزيونية بعض صفاتها من السينما ومن بقية الفنون، وهي تستخدم الكلمة والصورة والفعل الدرامي والموسيقى والإضاءة ضمن خصوصية معينة، فالدراما تخاطب الوجدان وتحرضه وتستخرج أنبل ما فيه.
وتعتبر الدراما وسيطاً اتصالياً محملاً بمجموعة من القيم والرؤى، فهي لا تقتصر على جانب الترفيه والإمتاع، بل إنها تقدم  ألواناً من الإعلام والتثقيف، ولم يعد خافياً على أحد أهمية الدراما التلفزيونية والدور الذي تلعبه في صياغة أفكار وآراء وثقافة جمهور المشاهدين بل حتى التأثير على سلوكهم.
أزمة نصوص وفقر بالخيال وهشاشة في الأحداث
وتوجد ثمة مؤشرات عدة على أن السباق الدرامي الذي نشاهده في شهر رمضان المبارك لا يروق للجمهور العام أو حتى النخبة الفكرية والثقافية، بل لا يليق لبعض المسلسلات أن تُعرض في هذا الشهر المبارك، الأمر الذي يكشف عن أزمة تمر بها الدراما الخليجية في الوقت الراهن وهي أزمة أفكار وليست أزمة إنتاج، فهناك ضعف واضح على صعيد الكتابة والسيناريو، فما تطرحه الأعمال الدرامية بعيد للغاية عن واقع المجتمع الخليجي إن لم يكن لا يلامسه على الإطلاق، فهي تقدم صورة مشوهة عن المجتمع بتناول غير منضبط لبعض القضايا، مثل التفكك الأسري وانحراف الشباب وتعاطي المخدرات والرفاهية المطلقة وعدم تحمل المسؤولية، كما تفتقد أيضاً الحبكة الدرامية إلى الخيال الفني الذي يعد متطلباً أساسياً لتقديم العمل الدرامي الجماهيري، فضلاً عن أن النصوص الخاصة بالسيناريو نصوص هزيلة للغاية، والأحداث هشة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن انطباعات الجمهور عن الأعمال الدرامية تشكل معيار النجاح والفشل، وأصبحت تلك الانطباعات أكثر بروزاً في عصر مواقع التواصل الاجتماعي الذي أدى لاتساع دائرة النقد، فلم يعد الأمر قاصراً على النقاد الفنيين.
ويمكن استخلاص مجموعة من التوجهات لدى الجمهور بشأن المسلسلات الرمضانية هذا العام، وذلك على النحو التالي:
كرفض القولبة التي تعتمد عليها بعض الأعمال في نطاق كوميدي، والتي تسعى لنشر صورة نمطية لفرد أو لمجتمع أو منطقة ما جغرافية بطريقة قد تتضمن تشويهاً.
افتقاد الأعمال التاريخية التي غابت تماماً عن مائدة الدراما الرمضانية، وهو أمر يخل بالتنوع الذي يفترض أن تعكسه المسلسلات لتلبية ذائقة الجماهير بشرائحها المختلفة، وربما يعود ذلك الغياب بحسب بعض المراقبين إلى التكاليف المادية المرتفعة جداً خاصةً ما يتعلق بالتجهيزات ومواقع التصوير والمجاميع المطلوبة، والجهد الكبير الذي يبذل على صعيد السيناريو، حيث الحاجة لإشراف المختصين من المؤرخين.
شعور بالملل من الأفكار المستهلكة والمستوردة التي لا تعبر عن واقع المجتمع ولا تلائم عاداته وقيمه، فهناك حالة من الفقر الفني الحاد والقصور في الخيال الذي يعتبر أساس الإبداع والنجاح لأي عمل فني.
رغبة الجماهير في إنتاج أعمال تجسد البطولات والتضحيات التي يقدمها الجنود البواسل بالقوات المسلحة الساهرون على حماية الحد الجنوبي للمملكة، حيث مواجهة الإرهاب الحوثي، وكسر مخالب أذرع إيران في المنطقة.
وربما عزّز من تلك الرغبة وجود تجارب درامية عربية، وتحديداً في مصر، استطاعت أن تحقق نجاحاً عريضاً، كونها عملت على توثيق بطولات الأجهزة الأمنية ومعاركها في الدفاع عن الوطن، فتوثيق الأحداث بهذه الجودة الدرامية هي رسالة تستحق الدعم والاهتمام،  فمثل هذه مسلسلات تكشف وجه المؤامرات التي تحيط بالوطن.
أما على صعيد الطرح الخاص بالمقترحات المتعلقة بتطوير الدراما الخليجية، فهي تنطلق بالأساس من قاعدة أن العمل الدرامي الجيد يقوم على وجود نص درامي جيد، وهو أمر ممكن في ظل وجود واقع يزخر بالأحداث المهمة في مسيرة الوطن، سواء على صعيد جهود البناء والتنمية أو مواجهة التهديدات التي تقوض استقرار المنطقة، فضلاً عن أن الجمهور ذاته مهيأ نفسيّاً وذهنيّاً ويتوق لمشاهدة مثل تلك الأعمال.
كما يوجد ثمة دور يقع على الجهات الرسمية المعنية بالفن والثقافة في إنتاج الأعمال الهادفة عبر الدخول في شراكات إنتاجية مع القطاع الخاص، فهذا المسار يحرر الفن من أسر قواعد الإعلان والتسويق التي باتت المتحكم الأول في شكل العمل الفني وأطرافه من ممثلين ومخرجين.
وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن حالة عدم الرضا السائدة -على الأقل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي- تشير إلى أن وعي الجمهور درامياً أعلى بكثير من مؤسسات الإنتاج الفني، التي تركز على الاعتبارات التسويقية وحسابات الربح فقط، دون النظر إلى المضمون والمحتوى والرسالة والهدف من تقديم العمل الفني، حيث إن فلسفة الإنتاج تقوم على النظر إلى الجمهور كمجرد رقم في نسبة المشاهدة، دون النظر إلى رغباته ومدى رضاه أو غضبه مما يشاهده.
ويبقى الاقتراب من الواقع السبيل الأقرب لجذب انتباه الجمهور وتعلقه بالعمل الفني الذي يستشعر معه أنه يقدم شخوصاً وأحداثاً يراه في دائرته المحيطة ما يجعله أكثر تفاعلاً مع الرسالة التي يقدمها العمل الفني، وبالتالي يحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة، ففي تلك الحالة يحقق العمل نجاحاً جماهيرياً عبر متابعة كثيفة، وتجارياً من خلال مردود الإعلانات، وفنياً بمعايير نظرة النقاد الفنيين.

زر الذهاب إلى الأعلى