تمارس المملكة العربية السعودية دور فاعل وحيوي في السياسة الإقليمية والدولية وتتمتع بمكانة محورية في محيطها العربي والإسلامي، حيث تنطلق السياسة الخارجية للمملكة من عدة أهداف استراتيجية كبري يأتي على رأسها تعزيز دورها خليجيًا وعربيًا وإقليميًا وإسلاميًا ودوليًا، وتأكيد مكانتها الروحية ورسالتها التاريخية ومواكبة التساؤلات التي تطرحها الحتمية الجغرافية والضرورات الجيوسياسية بما تنطوي عليه من تحديات للأمن الوطني وبما تمليه عليها من ضرورة تفعيل دور المملكة على المسرح الإقليمي والدولي تحقيقا لمصالحها الاستراتيجية.
وقد واجهت الدبلوماسية التقليدية خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحديات عدة، أبرزها ظهور عوامل جديدة في تفعيل العلاقات بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول، لاسيما في ظل تطور وسائل وأدوات الاتصال وثورة تكنولوجيا المعلومات وما أحدثته من تغيرات متلاحقة وسريعة في مجال الاتصال وقدرتها على ربط العالم دولًا وشعوبًا وحكومات.
في هذا الإطار، سعت دراسة بعنوان “السياسة الخارجية كما تعرض لها الحسابات الرسمية السعودية عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر: دراسة تحليلية”، للدكتور عبدالله بن عبدالمحسن العساف أستاذ الإعلام المشارك في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، إلي التعرف على صورة السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية كما يعكسها الحساب الرسمي لوزارة الخارجية على موقع تويتر، وتأثير توجهات المملكة نحو مختلف القوى السياسية الفاعلة على المستوى الإقليمي أو الدولي على محتوى ما يعرضه الحساب.
أهداف وعينة الدراسة
وتنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية المفهوم الذى تتناوله “السياسة الخارجية” ومركزيته على مستوى التخطيط الحكومي من جهة، ومن زاوية إلحاح حاجة الدول إلي رسم سياساتها وخططها عبر أساليب شاملة تواكب الحاضر ولا تسقط المستقبل من حساباتها. كما أنها تكتسب بعدًا مجتمعيًا وذلك عند الأخذ في الاعتبار الأهمية المتزايدة التى اكتسبتها مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في البيئة الإعلامية العربية الراهنة، لا سيما موقع تويتر الذى يحظى بنسب استخدام ومتابعة وتفاعل عالية في المملكة متفوقا علي غيره من مواقع التواصل الاجتماعي مما يسمح للأفراد بتكوين صورة ذهنية متكاملة عن القضايا الحالية من واقع ثراء هذه المواقع كوسيلة إعلامية مستحدثة.
وقد اعتمدت الدراسة على رصد طبيعة ممارسات وتوجهات السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة، كما تعرض لها الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية السعودية وذلك بالتطبيق علي عينة مختارة من التغريدات المنشورة عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” على مدار عام كامل بدء من يناير 2019 وحتى 31 ديسمبر من العام الميلادي نفسه، وقد بلغ إجمالي عدد التغريدات محل التحليل (963) تغريدة، حيث جرى تحليل محتوى التغريدات المنشورة على الحساب من خلال فئات حددها الباحث بشكل مسبق وهي (المحتوى البصري، نوع التغريدة، الدول أطراف التغريدة، صفات أدوار الأطراف “إن وجدت”، معد التغريدة، أبعاد السياسة الخارجية السعودية).
نتائج الدراسة:
تشير الدراسة إلي أن الحساب الرسمي لوزارة الخارجية السعودية يتميز بالتحديث المستمر للتغريدات على صعيدي المحتوى والشكل، ومواكبة الأحداث أوًلا بأول، وهو يحظى بتفاعلية كبيرة من جانب متابعيه، فكل التغريدات التي تٌنشر عليه تباعًا يتلقفها المتابعون، وتنهال عليها أشكال التفاعل التي يوفرها موقع تويتر من إعجاب وإعادة تغريد وتعليق عليها، ونادرًا ما تخلو تغريدة من محتوى مصور يتسم بالجاذبية والوضوح. كما أن الحساب يلتزم بمبادئ الاتصال الحواري الفعال، حيث الحرص على تقديم معلومات مفيدة، مع مراعاة أن تكون المعلومات متجددة وآنية للجمهور، وكذلك الرد على التعليقات إذا استلزم الأمر، كل هذا في ظل سهولة استخدام الحساب، وتعاقب زيارة الموقع، وقد جاءت نتائج تحليل التغريدات محل الدراسة (963) تغريدة، على النحو التالي:
المحتوي البصري:
شكَّل المحتوى المصور أحد أهم وأبرز أدوات الدبلوماسية الرقمية للخارجية السعودية وأنماطها الاتصالية في التواصل مع جمهورها، وتميز المحتوى البصري للتغريدة بالتنوع والحداثة، إذ روعي توظيف أكثر من نمط يجعلها جاذبة لعين المتصفح وأكثر سلاسة في توصيل الرسالة المطلوبة لمختلف المستخدمين، حيث اتخذت غالبية التغريدات شكل الانفوجرافيك بنسبة 66.6% من إجمالي عينة الدراسة، بينما تم الاعتماد علي الفيديوهات المصورة بنسبة 23,6% وأغلبها فيديوهات وثقت كلمات المسؤولين السعوديين في مؤتمرات أو لقاءات تلفزيونية على قنوات عالمية، وتميزت الفيديوهات بقصر المدة الزمنية إذ بلغ متوسط مدتها خلال فترة التحليل (1,25) دقيقة ما جعلها أكثر ملائمة للمشاهدة نظرًا لأن العلاقة في المطلق عكسية بين المدة الزمنية للفيديو ونسب مشاهدته من جانب المتابعين، كما عرضت أغلب الفيديوهات في إطار وسم # شاشة_الخارجية.
أما الصور الشخصية فاستحوذت على نسبة 5,2% من إجمالي التغريدات محل الدراسة، وتضمنت صور لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالإضافة لصور لقاءات يجريها وزير الخارجية سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود ووزير الدولة للشئون الخارجية عادل الجبير مع مسؤولين رفيعي المستوي، بينما ظهرت أعلام بعض الدول ذات العلاقات مع المملكة بنسبة 4,2%.
نوع التغريدة:
اتخذت التغريدات المنشورة اتجاهات متنوعة المضامين لكنها تكاملت في اشتراكها في الغاية والهدف، وهي تجسيد مواقف المملكة من مختلف القضايا، وقد شغلت الكلمات الملقاة في مؤتمرات والحوارات التليفزيونية ما نسبته 21,5 %، ثم اللقاءات الرسمية بنسبة 19,5%، وتلتها التغريدات التي تحمل التهاني 19.1%، أما الترويج لمواقع تراثية فجاء بنسبة 14.7%، بينما تم توثيق أحداث تاريخية وثقافية تحت وسم # الذاكرة_التاريخية وبلغت نسبته من إجمالي التغريدات 7,1%.
واستكماًلا لمقتضيات العمل الدبلوماسي التي تحتم إظهار التضامن مع الدول الشقيقة إذا ألم بها طارئ، أو حل بشعوبها مكروه، فقد بلغت نسبة التغريدات التي تتضمن إدانات سعودية لحوادث إرهابية وقعت في بعض دول العالم 6,5%، كما ظهر التعبير عن التعاطف والمواساة لما يصيب المدنيين في أماكن مختلفة بنسبة 6,1%، أما البيانات الصادرة عن السفارات والقنصليات السعودية في الخارج بلغت نسبتها 3,8% ، وأخيرا الأخبار الخاصة بالتعيينات الجديدة في الوزارة أو مختلف المناصب الرفيعة بنسبة 1,6%.
الدول أطراف التغريدة:
بلغ عدد التغريدات التي حمل محتواها أسماء دول 269 تغريدة بما يعادل 27.9 % من إجمالي التغريدات محل الدراسة، جاءت الدول العربية في الصدارة بنسبة ظهور مجتمعة من إجمالي التغريدات 17,7% ( أبرزهم اليمن 6,3% ثم الإمارات 3% تليها سوريا 2,5% ثم الكويت 1,5%)
وفي المركز الثاني الدول الأوروبية بنسبة 7,3 % ( تتصدرهم تركيا 1,5% تليها بريطانيا 1,2% ثم دول أوروبية أخري 1%)، تليها الدول الأسيوية 3,6% (في مقدمتهم إيران 2,2% ثم روسيا 1,4%) أما الولايات المتحدة الأمريكية الشريك السياسي والتجاري المهم للملكة فجاءت بنسبة 1,7% من إجمالي التغريدات، بينما لم تزد نسبة الدول الأفريقية مجتمعة عن 1,2%.
صفات أدوار الأطراف:
تعددت الأطراف الدولية وتباينت أدوارها في مختلف القضايا والموضوعات، وهو ما اقترن بمجموعة من الصفات التي وصفت بها تغريدات الخارجية السعودية هذه الأدوار.
وكانت غالب الصفات المنسوبة إلى أدوار الأطراف في التغريدات محل الدراسة إيجابية بنسبة 20,8%، على حين بلغت نسبة التغريدات التي وصمت بسمات سلبية أدوار بعض الأطراف 7,1% من إجمالي عينة الدراسة.
مُعد التغريدة:
يتولى إعداد التغريدات المنشورة على الحساب مركز الاتصال والإعلام الجديد التابع للوزارة، وهو مركز متخصص في مجال الإعلام الجديد، وينشط دوره بشكل رئيس في مجال الدبلوماسية الرقمية الناشطة في المملكة.
ويجسد المركز بما يضمه من إمكانات تقنية وبشرية، ودوره في الرصد والتحليل وصناعة المحتوى الرقمي، ونشره من خلال منصات التواصل الاجتماعي، مبادرة سعودية فاعلة تخاطب العالم بـ 18 لغة، وهو إحدى مبادرات المملكة الاتصالية، ويحمل رسالة المملكة إلى العالم، ويمِّثل الحاضن لمبادرة الدبلوماسية الرسمية.
أبعاد السياسة الخارجية السعودية:
تشير الدراسة إلي أنه من خلال التحليل الكيفي لمجمل التغريدات المنشورة على الحساب الرسمي لوزارة الخارجية السعودية على موقع تويتر خلال عام 2019، يمكن استنتاج أن العمل الدبلوماسي الرقمي للخارجية السعودية يقوم على أربعة ركائز رئيسة تجمع في مجملها بين التمسك بالثواب ومواكبة المتغيرات، حيث تمثلت في ما يلي:
إعلان الموقف الرسمي السعودي من قضايا العالم والإقليم
فقد ركزت التغريدات على توصيل الصوت السعودي إلى شعوب العالم وحكوماته في الاهتمام بنقل كلمات قادة المملكة ووزرائها وكبار مسئوليها في المؤتمرات واللقاءات التلفزيونية المُذاعة، وكذا تغطية المقابلات والزيارات الرسمية.
التأكيد على ثوابت العمل السياسي السعودي
عرضت التغريدات ثوابت العمل السياسي السعودي ومرتكزاته، فبعد أن صارت رؤية المملكة 2030 الإطار الحاكم والمنظم لتوجهات عمل الدولة السعودية، أكدت على ما لدى الحكومة من رؤية واضحة وأهداف ثابتة وخطط عمل محددة تعمل على التقدم في تنفيذها، مع الحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي كركيزة أساسية للنمو الاقتصادي المستدام، والأخذ في الاعتبار ما فيه مصلحة للوطن والمواطن.
تقديم السعودية كوجهة سياحية
كشفت التغريدات ما تتمتع به المملكة من شواطئ رائعة ومواقع تاريخية قديمة ومدن ملاهي، وفنادق فاخرة، حيث تشهد المملكة عصرًا جديدًا في صناعة السياحة والترفيه لتحقيق رؤية 2030، وتتجه لاكتشاف ما لديها من مدن ووجهات سياحية تضم العديد من المواقع الساحلية الخلابة والمناطق التراثية المتميزة، ما من شأنه الدفع بالسعودية إلى أن تكون واحدة من نقاط الجذب السياحي والترفيهي بمنطقة الشرق الأوسط في غضون سنوات قلية.
ممارسة صور الدبلوماسية التقليدية
استمرت الدبلوماسية السعودية في أداء أدوراها التقليدية ذات الصلة بتقوية علاقاتها الدولية الحالية وبناء علاقات جديدة، وهو ما عرضت له التغريدات بالحرص على إبراز مشاركة السعودية للآخرين أحزانهم ومشاطرتهم فيها وإعلان التضامن معهم، وكذا تهنئتهم في مناسباتهم الوطنية، ومد جسور التعاون معهم في مختلف المجالات.
وختامًا، أظهرت الدراسة أن الحساب الرسمي لوزارة الخارجية السعودية على موقع تويتر استطاع نقل وجهة النظر السعودية إلى الشعوب وليس فقط إلى الحكومات، كما ساعد على الترويج لمركزية الدور الذي تقوم به المملكة في محيطها وما يجري فيه من تغييرات تستهدف تعزيز عناصر القوة الاقتصادية بتنويع مصادر الدخل والتحول إلى نمط حياة عصري يواكب مستجدات الحياة المعاصرة.
كما استطاعت الدبلوماسية الرسمية السعودية أن تكون نافذة إعلامية متميزة أطل من خلالها مستخدمي موقع تويتر على المملكة في صورتها الجديدة، حيث تمت الاستفادة من المؤطرات البصرية الرقمية، واستغلالها لعرض الأخبار والبيانات وكافة الفعاليات السعودية المقررة، ويعد الإنفوجرافيك أحد أكثر الأشكال المعلوماتية الموظفة لتوصيل الرسالة الإعلامية السعودية عبر الحساب الرسمي إلى مستخدميه حول العالم، وأضيف إليه الفيديوهات المصورة بجودة عالية والتي تابعت جولات المسئولين السعوديين وأنشطتهم الداخلية والخارجية.