أدى الاستخدام واسع النطاق لمواقع التواصل الاجتماعي إلى ظهور ديناميكيات جديدة في الطريقة التي يتلقى بها المستخدمون المحتوى الإخباري ونمط استهلاكه، وآليات التفاعل معه، فهذه المنصات لا تسهل فقط عملية استيعاب أو استهلاك محتوى الأخبار، ولكن أيضًا نشر الأخبار أو التوصية بها أو مشاركتها مع الآخرين لقراءتها.
وتلعب أنشطة مشاركة الأخبار هذه دورًا حيويًّا في البيئة الإعلامية الحالية، وتتم تلك المشاركة من خلال منافذ الأخبار عبر الإنترنت والمستخدمين العاديين لمواقع التواصل.
منهجية تحليل مشاركة الأخبار في فيسبوك وتويتر
وفي هذا الإطار، نشرت دورية ” Journalism & Mass Communication Quarterly” دراسة ألمانية حول تأثير خصائص محتوى المقالات الإخبارية، وتوافر مقالات إخبارية أخرى حول نفس الموضوع حول مشاركة الأخبار على منصتي فيسبوك وتويتر.
وشملت الدراسة عينة قوامها 1764 مقالاً إخباريًّا نشرتها 4 منافذ إخبارية ألمانية كبرى على الإنترنت. وركزت على أن خصائص المحتوى الاخباري تحدد ما إذا كان سيتم مشاركة الأخبار على نطاق واسع أو لن يتم نشرها على الإطلاق.
ونوهت الدراسة إلى أن بعض الدراسات السابقة فحصت تأثير خصائص المحتوى على مشاركة مقالات إخبارية معينة، لكنها ركزت على مقال بعينه كوحدة للتحليل، متجاهلة حقيقة أن الموضوع الإخباري الواحد يتم تناوله في مقالات متعددة.
ولذلك سلطت الدراسة الضوء على تحليل تأثير التنافسية على مشاركة المقالات التي تغطي نفس الحدث الإخباري مع الأخذ في الاعتبار خصائص محتوى المقالات الإخبارية أيضًا.
طبيعة استهلاك الأخبار على مواقع التواصل
وتشير الدراسة إلى أنه لتحليل محددات مشاركة الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، يجب أولاً النظر في الهياكل الشاملة لاستخدام الأخبار، لافتة إلى أن استهلاك الأخبار على فيسبوك أو تويتر يختلف عن استهلاك الأخبار التقليدية من التلفزيون أو الراديو أو الصحف، وذلك من جانبين: الأول يتمثل في أن مستهلكي الأخبار التقليدية يواجهون الأخبار في صورة مجموعات من الأخبار في صحيفة يومية أو من بث إخباري يغطي عدة أخبار، لكنّ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يواجهون عادةً مقالات إخبارية منفصلة في شكل إحالات فردية على “جدولهم الزمني- Timeline” أو في “موجز الأخبار- News Feed” على حساباتهم.
أما الجانب الثاني فيتعلق بإثراء هذه الإحالات من خلال إشارات اجتماعية إضافية يمكنها إخطار المستخدم باستهلاك المستخدمين الآخرين لكل مقال إخباري وآرائهم حول ذلك، ويعتبر عدد المشاركات أو إعادة التغريدات مثالاً على مدى الشعبية التي يمكن أن تؤثر على رؤية مقال إخباري معين، وتصورات المستخدمين عنه.
وتؤثر مقاييس مثل معدلات النقر بشكل كبير على القرارات التحريرية في المؤسسات الإخبارية، ويمكن اعتبارها مقياسًا مناسبًا لمتابعة حجم مشاركة المقالات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي.
خصائص المحتوى كأداة للتنبؤ بمشاركة المقالات الإخبارية
تنبع مشاركة المقالات الإخبارية على مواقع التواصل الاجتماعي من التفاعل بين دوافع المستخدمين للمشاركة وخصائص محتوى المقالات، وهو ما استعرضته الدراسة فيما يلي:
• تأثير الخصائص الشكلية
طرحت الدراسة مجموعة من الأسئلة البحثية، منها كيف يؤثر طول المقال وتصنيفه الإخباري على مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكيف تؤثر الخصائص الأخرى مثل الطابع المرح أو العاطفي على مشاركة المقالات الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي؟
وانتهت الدراسة إلى أن المنفذ الناشر للمقال الذي تتم مشاركته له تأثير قوي على عملية المشاركة، حيث يؤثر المنفذ الإخباري الذي يندرج تحته في حجم المشاركة، فعلى سبيل المثال، تتم مشاركة المقالات من قسم الرياضة بشكل أقل كثيرًا عن المقالات الأخرى.
• تأثير عوامل الأخبار
تعتبر قيمة الأخبار واحدة من أكثر الأساليب المستخدمة لشرح قرارات الاختيار المتعلقة بالأخبار، لا سيما فيما يتعلق بالأحكام القيمية التي يتم اتخاذها عندما يقرر الصحفيون أي القضايا أو الأحداث سيتم معالجتها لتصبح أخبارًا.
وعمليات الاختيار هذه لا يمارسها الصحفيون فقط، ولكن أيضًا المنافذ الإخبارية والجمهور، وعلى هذا افترضت الدراسة أن المستخدمين الذين يشاركون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي يخضعون لتأثير عوامل الأخبار، فدورهم كمراقبين للأخبار أو منظمي الأخبار يتداخل بشكل متزايد مع دور الصحفيين المحترفين، ويعني هذا أن عوامل الأخبار تدفع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ليس فقط لاختيار مقالات معينة لقراءتها، ولكن أيضًا لنشرها على مستخدمين آخرين.
ورصدت الدراسة مجموعة من العوامل التي تؤثر على أداء مشاركة الأخبار، وتتمثل هذه العوامل في العدوان والجدل وحجم الضرر، والقرب الجغرافي، ومشاركة البلد الأم (في محتوى الخبر)، والجهات الفاعلة، ومدى التخصيص، والإشارة للدول الرائدة.
• مواضيع الأخبار والمقالات
نوهت الدراسة إلى أن جميع الدراسات السابقة ركزت على المقالات الإخبارية المنفردة كوحدة أساسية للتحليل، وهذا يعني أنه تم قياس خصائص مقال إخباري واحد لشرح معدل المشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن الموضوع الإخباري يتم تغطيته عادةً من قبل أكثر من منفذ إخباري واحد، مما ينتج عنه عدد من المقالات الإخبارية حول نفس الموضوع.
فعلى سبيل المثال، من غير المحتمل أن تقدم وسيلة إخبارية واحدة فقط تقريرًا عن نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة أو مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ، لذلك ركزت الدراسة على تأثير المنافسة بين الأخبار، وإلى أي مدى يؤثر وجود مقالات إخبارية أخرى حول نفس الحدث على مشاركة المقال الإخباري على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تمثلت فيما يلي:
– يلعب المنفذ الإخباري الذي ينشر المقال الأصلي دورًا كبيرًا على احتمالية مشاركته على مواقع التواصل الاجتماعي، فكلما كان للمنفذ الإخباري السبق في التغطية والنشر، زاد معدل مشاركة مقاله على كل من فيسبوك وتويتر.
– يختلف تأثير تصنيف المحتوى الإخباري في حجم المشاركة بين فيسبوك وتويتر، ففي حين أن الأخبار المتعلقة بالاقتصاد تنتشر أكثر من غيرها على تويتر، فإن الأمر لا ينطبق على فيسبوك.
– لاحظت الدراسة أن الأخبار الرياضية كانت الأقل مشاركة على كل من فيسبوك وتويتر.
– لم ترصد الدراسة أي تأثيرات ذات صلة بخصائص النص الرئيسي للمقال الإخباري مثل طول الخبر، على مشاركة الأخبار سواء على فيسبوك وتويتر، وقد يرجع ذلك لحقيقة أن المستخدمين لا يقرؤون بالضرورة نص المقال الإخباري قبل مشاركته، بل يقررون مشاركته بناءً على العنوان أو جملة محفزة.
– إن التباين الكبير بين محددات مشاركة الأخبار على فيسبوك وتويتر يسلط الضوء على حقيقة مفادها أنه لا يمكن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي ككيان متجانس، حيث تتبع جميع المنصات منطقها الخاص بناءً على جمهورها الخاص، وهذا المنطق قد لا يكون خاصًّا بالمنصة فحسب، بل بالمنطقة التي ينتمي إليها الجمهور.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مشاركة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للأخبار، تتوقف على عاملين رئيسين: الأول شكلي يتعلق بعوامل محفزة كالصورة المرفقة والعنوان الجاذب، والعامل الثاني موضوعي يتصل بالمحتوى الإخباري ومدى قربه من تفضيلات ودوائر اهتمام المستخدمين، لكن اللافت أن الدراسة السابقة لم تضع في اعتبارها محددين على درجة كبيرة من الأهمية عند مشاركة الأخبار، وهما درجة الثقة في المنفذ الإخباري، وتأثيرها على حجم مشاركة إنتاجه، وأيضًا طبيعة مشاركة المستخدمين للمحتوى الإخباري، هل تعكس صورة إيجابية عن المؤسسة الإعلامية أي تمتعها بالمصداقية، أم أن المشاركة تأتي في إطار سلبي كالسخرية من معالجتها الإخبارية للأحداث؟