تقارير

الجيل Z قوة دفع للاقتصاد الرقمي

فرض انتشار وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” العديد من التغييرات على سوق العمل والاقتصاد، حيث أدى إلى تسريع وتيرة التحول الرقمي، وهو ما يؤثر في شكل الطلب المستقبلي على القدرات والمهارات اللازمة للوظائف خلال العقد المقبل، وقدرة الأجيال على التكيف مع تلك التطورات في بيئات العمل وتقنيات الإنتاج، لا سيما الجيل Z الذي يضم مواليد الفترة ما بين منتصف التسعينيات وحتى عام 2010.
ومن المتوقع أن يلعب هذا الجيل الذي بات يمثل ما يقرب من ثلث سكان العالم، دورًا حيويًّا في دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد التعافي من كورونا ودعم الاقتصاد الرقمي، وذلك بحسب دراسة أجرتها شركة سناب شات بالشراكة مع مجموعة “Oxford Economics” المتخصصة في التحليلات الاقتصادية شملت 6 أسواق رئيسية – أستراليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة – واستندت إلى مزيج من البحوث الميدانية ورؤى الخبراء من رواد الأعمال وخبراء السياسات.
تعاظم مكانة الجيل Z في النظام الاقتصادي العالمي
واستعرضت الدراسة مجموعة من التقديرات التي تشير إلى الأهمية الكبرى التي سيتمتع بها الجيل Z في النظام الاقتصادي العالمي، حيث سيشكل تقريبًا ثلث القوى العاملة بحلول عام 2030، بعدما كان حجم توظيفه 10% فقط في عام 2019، وبموازاة ذلك ستتضخم دخول الجيل Z خلال العشر سنوات المقبلة، حيث سترتفع من 460 مليار دولار في 2019 إلى 3,2 تريليون دولار في 2030.
وسيكون الجيل Z محركًا أساسيًّا للإنفاق الاستهلاكي في ظل توقعات بإنفاقه 3 تريليونات دولار – في الأسواق الست عينة الدراسة- بحلول عام 2030، وهو ما يعادل 11% من إجمالي إنفاق الأسرة.
أما على صعيد القدرات التكنولوجية التي يتمتع بها هذا الجيل، فقد أظهر مقياس للكفاءة الرقمية طورته الدراسة أن متوسط درجة كفاءة الجيل Z أعلى بنسبة 2.5% من جيل الألفية (مواليد الفترة ما بين 1981-1996) وأكثر بنسبة 8% من الجيل X (المواليد من منتصف الستينيات إلى منتصف الثمانينيات).
وبالإضافة إلى تلك الكفاءة، تشير الدراسة إلى تمتع الجيل Z بثلاث سمات من المرجح أن تخدمهم بشكل جيد في بيئات العمل المستقبلية، وهي كالتالي:
– المرونة: لقد شكّل التأكيد على براعة الجيل Z في استيعاب المعلومات والاستجابة للتحديات الجديدة عند حدوثها، قاسمًا مشتركًا خلال المقابلات التي تم إجراؤها مع رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا.
– الإبداع: المنتمون إلى الجيل Z يكونون أكثر إبداعًا ومعرفةً بكيفية إنشاء وتصميم أنواع مختلفة من المحتوى الرقمي.
– الفضول: حيث إن أعضاء الجيل Z ينخرطون بشكل أكبر في أشكال مختلفة من التعلم غير النظامي، وهو توجه يتماشى مع طبيعته كجيل شاب لديه شغف بالمعرفة، واستكشاف كل ما هو جديد.
التطور التكنولوجي والتغير في سوق العمل
ونوهت الدراسة إلى أن التقدم التكنولوجي عبر التاريخ الحديث كان له تأثيرات هيكلية كبيرة على المهارات المطلوبة من خلال عملية الأتمتة، لافتة إلى أن الموجة التالية من الأتمتة تتمثل في رفع مستوى المهارات المعرفية مثل الإبداع والتفكير النقدي، وهنا تزداد أهمية انتهاج نمط التعلم مدى الحياة حتى تتمكن العمالة من التكيف مع بيئة العمل سريعة التطور.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نمو منصات التواصل الاجتماعي على مدى العقد الماضي وما ارتبط بها من تعاظم للبيانات كان له تأثير كبير على تزايد الطلب على المهارات الرقمية، وهو ما تؤكده طبيعة إعلانات الوظائف المنشورة في أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا على مدى الخمس سنوات الماضية، إذ كانت وسائل التواصل الاجتماعي و”الحلول السحابية-Cloud solutions” ومجموعات المهارات المختلفة المتعلقة بتحليل البيانات من بين أهم المساهمين في نمو الطلب على المهارات الرقمية خلال هذه الفترة.
وفي هذا الإطار، يرى هنري ورثينجتون، مدير مجموعة “Oxford Economics” أنه سيتعين على العمال في المستقبل القريب القيام بالمهام التي لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر القيام بها، ما يعني الحاجة إلى الابتعاد عن تعليم الشباب لتجميع المعرفة، بل التركيز على تطبيق هذه المعرفة والإبداع والتفكير النقدي.
الواقع المعزز محرك لزيادة الطلب على الوظائف الرقمية
كما سلطت الدراسة الضوء على تقنية الواقع المعزز (AR) الذي برز كإحدى أسرع التقنيات الرقمية نموًّا في ظل الوباء، حيث يزود الأشخاص بمنصة جديدة للتعبير والترفيه والحصول على الخدمات والمعلومات، مشيرة إلى أن خصائص الواقع المعزز تظهر أن لديه القدرة على إحداث زيادة في الطلب على المهارات الرقمية بالوظائف خلال العقد المقبل، على غرار تأثير منصات وسائل التواصل الاجتماعي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وتعتبر الوظائف في مجال الواقع المعزز الناشئ سوقًا من المتوقع أن تشهد زيادة في القيمة بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2023، كما يقدم مثالًا جيدًا على واقع مهني جديد يتطلب مزيجًا من المهارات التقنية والإبداع.
ويتوقع الخبراء أن تُستخدم هذه التكنولوجيا سريعة النمو في مجموعة متنوعة من الصناعات – من التسويق والتعليم إلى البناء والزراعة – لتبسيط العمليات وتقليل الخطأ البشري، ودعم التدريب في السنوات القادمة. كما تسلط دراسات أبحاث السوق الضوء على الإمكانات الهائلة للواقع المعزز، وأنه سيكون جانبًا رئيسيًّا في بيئة العمل، الأمر الذي تعكسه المؤشرات التالية:
– إحداث الواقع المعزز ثورة في مجال البيع بالتجزئة: لقد كان استخدام العلامات التجارية الاستهلاكية لتكنولوجيا الواقع المعزز من أجل استنساخ أجزاء من تجربة المتجر أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى زيادة تبني تلك التكنولوجيا على مدى العام الماضي، ولذلك يمكن أن يكون توسع الواقع المعزز في هذه السوق المزدهرة ركيزة مهمة لنمو الوظائف الرقمية خلال العقد القادم.
– الفائدة التجارية واسعة النطاق: تمتد تطبيقات الواقع المعزز إلى ما هو أبعد من التجارة الإلكترونية مع الشركات، لتشمل مختلف المجالات بدءًا من الزراعة ووصولًا إلى التعليم.
– تعزيز تكنولوجيا الجيل الخامس: سيؤدي إطلاق الجيل التالي من تكنولوجيا الاتصالات المتنقلة إلى تحسين فائدة “الجيل الخامس-5G” بشكل كبير، مما يوفر تجارب أكثر ثراءً وشمولاً أثناء التنقل.
– انخفاض العوائق أمام تبني تكنولوجيا الواقع المعزز:
مع توفر العديد من التطبيقات بواسطة مستعرض الويب أو تطبيقات الهواتف الذكية، يتمتع المستهلكون بوصول شبه عالمي إلى تجارب الواقع المعزز، وهم لا يحتاجون إلى الاستثمار في معدات إضافية على عكس الواقع الافتراضي.
– تغيير استراتيجية التسويق: يقدم الواقع المعزز منصة فريدة للتفاعل مع العملاء بأسلوب يتردد صداه ويساعد على بناء ارتباط عاطفي بالعلامة التجارية، فهو يوفر مزيجًا فعالًا للتسويق وبناء العلامة التجارية.
وفي هذا الإطار، نوهت الدراسة إلى أن متوسط درجة كفاءة استخدام الواقع المعزز بالنسبة للجيل Z أعلى بنسبة 17% عن جيل الألفية و34% عن الجيل X، لافتة إلى العديد من المبادرات التي تهدف لتطوير قدرات الشباب في هذا المجال ومنها إطلاق شركة سناب مبادرات حول العالم شارك فيها أكثر من 10 آلاف شاب حتى الآن، وأيضًا ورش عمل “Snap Lens Studio” في أستراليا والهند وفرنسا والولايات المتحدة وماليزيا، بهدف تعليم الشباب مهارات تصميم وإنتاج الواقع المعزز.
توصيات لتأهيل الجيل Z لسوق العمل الرقمية
واستعرضت الدراسة توصيات قدمتها مجموعة “Oxford Economics” إلى كل من الحكومات والشركات وصانعي السياسات بشأن أنظمة التعليم والتدريب؛ لمساعدة الشباب على اغتنام فرصة التحول إلى اقتصاد أكثر رقمية من خلال سد الفجوة التعليمية على المدى القصير، فضلاً عن إعادة التفكير في النماذج التعليمية التقليدية على المدى الطويل، وهو ما يتضح في النقاط التالية:
– سد الفجوة في التعليم: تسبب وباء كورونا في تعطيل تعلم الشباب بشكل خطير، وهو أمر إذا تُرك دون علاج سيؤثر سلبًا على الآفاق الاقتصادية للجيل Z، مما يجعلهم غير قادرين على اغتنام الفرص التي يوفرها الاقتصاد الرقمي، ولذلك يجب على الحكومات النظر في استخدام مجموعات تعلم صغيرة إضافية، خاصة للأطفال من الأسر المحرومة، حيث تقل احتمالية وصولهم إلى التكنولوجيا المطلوبة في المنزل للتعلم غير النظامي.
– إعادة التفكير في أنظمة التعليم:
لا يزال التعليم النظامي يركز على تراكم المعرفة بدلًا من تطوير المهارات اللازمة لتفسيرها، كما أن أنظمة التعليم الحالية في جميع أنحاء العالم لا تبذل الجهد الكافي لتشجيع التفكير الإبداعي المرن الذي سيكون مطلوبًا لوظائف العقد القادم، لذلك يجب أن تتجه أنظمة التعليم نحو التعلم القائم على المشكلات، والابتعاد عن الاختبارات المعيارية المنتظمة للمعرفة الواقعية، حيث ستكون هذه طريقة فعّالة لجلب المزيد من الفرص لتطوير هذه الأنواع من المهارات.
– استخدام التكنولوجيا لمواجهة تحدي إعادة تشكيل المهارات:
أدى وباء كورونا إلى تسريع الانتقال إلى اقتصاد أكثر رقمية، وتعطيل العديد من الصناعات بشكل دائم، لذا يجب أن تكون إعادة التدريب متاحة لمجموعات واسعة من المجتمع حتى لا يتخلف أحد عن الركب. وهنا لا ينبغي على الحكومات أن تركز فقط على تدريب العمال من الصناعات المُعطلة على الوظائف التي تتطلب المزيد من المهارات الرقمية، ولكن يجب أن تنظر إلى التكنولوجيا الناشئة مثل الواقع المعزز، والذي يمكن أن يكون مفيدًا بشكل خاص في حالة برامج التدريب ذات الموارد المادية المحدودة.
وتأسيسًا على ما سبق.. يمكن القول إن التطور التكنولوجي وأزمة كورونا دفعا إلى تغيير الطلب على المهارات بالنسبة للوظائف، حيث تتطلب غالبية الوظائف مهارات رقمية متقدمة، لذلك بات التركيز بشكل أكبر على مهارات مثل الإبداع والتفكير النقدي وحل المشكلات، والتي تعد من نقاط القوة الطبيعية في الجيل Z.

زر الذهاب إلى الأعلى