تُعَدُّ متابعة المراهقين لحسابات المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مثل تيك توك وإنستغرام ويوتيوب وغيرها، من المظاهر التي يتسم بها ذلك الفضاء الرقمي، حيث يشارك بعض المؤثرين تجارب واقعية لإلهام متابعيهم، بينما يميل البعض الآخر منهم إلى تصوير حياة تبدو مثالية فقط.
ويُشكل النمط الخاص بإظهار حياة وصور مثالية تحديًا كبيرًا بالنسبة للمراهقين، فالمشاهدة المستمرة لهذه النظرة غير الواقعية للعالم يمكن أن تتسبب في معاناة لهؤلاء المراهقين تنعكس في مشكلات، من أبرزها عدم الرضا عن الذات والقلق والاكتئاب.
وفي ظل هذا الضغط الذي يُمارسه المؤثرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي على عقول المراهقين، تتعاظم أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه الآباء والمعلمون في حياة الأبناء والطلاب لمقاومة ذلك الضغط، مع إظهار حقيقة أن نمط حياة المؤثرين ما هو إلا سيناريو مرسوم بدقة وفقًا لأهداف الرعاة من المعلنين الذين يسعون إلى تسويق خدماتهم ومنتجاتهم عبر هؤلاء الأشخاص؛ بغية الوصول إلى قطاعات واسعة من الجمهور.
وفي هذا الإطار، يستعرض تقرير لموقع “Smart Social” المعني بمواقع التواصل الاجتماعي حزمة من التوصيات التي تساعد الآباء والمعلمين على تقليص التداعيات السلبية لمتابعة المراهقين لحسابات “مؤثري التواصل الاجتماعي”، وهي على النحو التالي:
الحد من التعرُّض للمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي
تُعتبر الطريقة الأكثر فاعلية لتقليص تأثير موجزات الوسائط الاجتماعية الخاصة بالمؤثرين التي تكون مُنسقة بعناية هي الحد من التعرض لها، حيث يمكن للآباء مساعدة الأبناء على توجيه وقتهم وطاقتهم نحو تطوير علاقات واقعية، حيث تُبرز تلك العلاقات التناقض مع الصور المفلترة وغير الواقعية التي قد يواجهونها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وحتى في خضم جائحة كورونا التي حجمت تفاعلاتنا بشكل كبير، لا يزال بالإمكان تشجيع الأبناء ومساعدتهم على قضاء وقت مفيد مع الأصدقاء والعائلة، سواء كانوا يلعبون الألعاب معًا عبر الإنترنت، أو يشتركون في دردشة عبر تطبيقات مثل “زووم- Zoom” أو “فيس تايم- FaceTime”، فهذه العلاقات تُوفّر نظامًا هادفًا للدعم ومصدرًا للسعادة، وتملأ الوقت بدلاً من إهداره في تصفح ومتابعة حسابات المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أنه من الضروري أخذ استراحة قصيرة من وسائل التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر من أجل سلامة الصحة العقلية، بحيث يُركز المراهقون على أنفسهم فقط خلال فترة الراحة، وذلك عبر الانخراط في أنشطة صحية أخرى؛ مثل ممارسة هواية، أو تعلم مهارة جديدة، أو مجرد قضاء الوقت مع العائلة ومشاهدة الأفلام.
تعليمُ المراهقين الإعجاب بأخلاقيات العمل ونقاط القوة في الشخصية
يتمتع المؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي ببراعة في إظهار مهاراتهم باستخدام “المرشحات- filters” والتصوير، وقد تطورت هذه المهارات على مدى سنوات من الممارسة، فهي ليست جديدة ولكنها باتت أكثر انتشارًا.
وفي هذا السياق، من الضروري أن يبدأ الآباء محادثات مع أبنائهم حول ما يعجبهم بشأن هؤلاء المؤثرين، وأن يسألوهم عما يعتقدونه عن المؤثرين في الحياة الواقعية، ومن تلك الأسئلة هل يعتقدون بأنهم مجتهدون في العمل؟ هل يساعدون الآخرين؟ ما المهارة التي يجيدونها؟
والهدف من هذا النهج التركيز على نقاط القوة في الشخصية كطريقة لتعزيز نمو احترام الذات والكفاءة الذاتية.
إلغاءُ المتابعة لأي حساب مؤثر يُولِّد شعورًا سلبيًّا
تُوصي إيميلي ستانلي أخصائية تنمية المهارات، بالاستماع إلى الجسد أثناء تصفح خلاصات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤثرين، فإذا بدا أن هناك شعورًا سلبيًّا، يكون من الأفضل بالنسبة للمراهقين إلغاء الاشتراك في الصفحة أو إلغاء متابعة المؤثر، والعمل على أن تكون خلاصات الحسابات الخاصة بهم ممتلئة بالرسائل والأشخاص الذين يبعثون البهجة، أو يمثلون نماذج مُلهِمة.
كما يجب على الآباء الانتباه إلى أي تطبيقات تعديل على هواتف الأبناء، ومعرفة ما إذا كان الأبناء يشعرون بالحاجة إلى تعديل كل صورهم قبل نشرها على مواقع التواصل، فإذا كان الأمر كذلك فلا بُدَّ من مناقشتهم حول سبب هذا الشعور، والتأكيد على أن المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعكسون صورهم في الحياة الواقعية، فهم يستخدمون العديد من الفلاتر وأدوات التلاعب بالصور.
التفكيرُ بشكل نقدي بشأن ما لا يُرى عبر الإنترنت
من جهة أخرى، أدت زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إلى زيادة آثارها الضارة، مثل تدني احترام الذات.
وهنا تقترح خبيرة الصحة النفسية، دونا تانغ على الآباء والمعلمين تعليم المراهقين التفكير في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل نقدي، عبر طرح أسئلة حول ما يخفيه المؤثرون في مقاطع الفيديو والصور على وسائل التواصل الاجتماعي لأن أغلبها يخضع للتعديل قبل النشر.
إن هذه الطريقة ستجعل المراهقين يفكرون بشكل نقدي حول وسائل التواصل الاجتماعي وحياة الأشخاص الذين ينشرون كل شيء على الإنترنت.
ومن المفيد أيضا إخبار المراهقين أن مشاهير التواصل الاجتماعي أشخاص عاديون، لكنهم يصنعون مقاطع فيديو في بيئة محددة مسبقًا، فجميع مقاطع الفيديو تكون وفقًا لسيناريوهات مكتوبة سلفًا، وبعيدة كل البعد عن الواقع.
ومما لا شك فيه يساعد تبيان تلك الحقائق للمراهقين على استعادتهم احترامهم لذاتهم، والتفكير في أنفسهم على أنهم مثل أي شخص على وسائل التواصل الاجتماعي.
مناقشةُ قضايا صورة الجسد وإشكاليات تدني احترام الذات
تُؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بالتأكيد على المستخدمين من جميع الأعمار على كافة المستويات الجسدية والاجتماعية والنفسية، لكن تأثيرها على المراهقين أكثر عمقًا؛ نظرًا للطبيعة التأثرية لعقولهم في تلك المرحلة العمرية.
وللأسف، غالبًا ما يركز المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي على جذب الانتباه – توليد الإعجابات وزيادة متابعيهم – بدلاً من الاهتمام بالتأثير النهائي لمشاركاتهم.
ويتمتع المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي في عالم اليوم بدرجة كبيرة من القدرة على التأثير في المجتمع، خاصة على المراهقين الأكثر عُرضة للخطر، ويُفترض أن تلك القدرة ترتبط بتحمل مسؤولية كبيرة، لكن العديد من المؤثرين يتجاهلون بسهولة جانب المسؤولية.
فيمكن أن تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على المراهقين فيما يتعلق بصورة الجسد، ونظرًا للتأثير المتزايد لهذه الوسائل، فإن قضايا الاكتئاب والقلق الناتجة عن مقارنة الذات بمظهر الآخرين تزداد إشكالية.
وتُظهر الأبحاث أن وسائل التواصل الاجتماعي التي تحتوي على صور مثالية للمؤثرين تقابلها صور واقعية للمراهقين، تُؤثر سلبًا على شعورهم بقيمتهم الشخصية.
وفي هذا الإطار، يُمكن أن يضطلع الآباء بدور مهم يتمثل فيما يلي:
المشاركة في مناقشات مع الأبناء المراهقين حول قضايا مهمة مثل صورة الجسد و”الخجل من الجسد- body shaming” وتدني احترام الذات.
الحوار بشأن تأثير الصور المثالية للمؤثرين على احترام الذات.
إثارة النقاش حول تحويل وسائل التواصل الاجتماعي إلى سلعة، وكيف يؤثر ذلك على مظهر المؤثرين، فغالبًا ما يكون المراهقون غير مدركين تمامًا أن العديد من الصور التي يرونها تم إنشاؤها وتعديلها من أجل إفادة الآخرين ماليًّا.
وضع مساحة بسيطة وواضحة لوقت الشاشة غير المُخصَّص للأغراض الأكاديمية، مع عدم الرضوخ لرغبة الأبناء في الحصول على المزيد من الوقت.
البقاء على اطلاع بشكل عام على محتوى المواد التي يتصفحها المراهقون، والانتباه لطبيعة استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي.
توفير اقتراحات ومواد لطرق أخرى للحصول على المتعة؛ مثل الألعاب الترفيهية، وقراءة الكتب، وممارسة التمارين الرياضية.
إظهارُ الفرق بين المؤثرين الإيجابيين والسلبيين
يُغطي المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي مجالاتٍ مختلفةً، ففي حين أن هناك البعض ينشئ مدونات فيديو عن السفر والطعام، يقوم البعض الآخر بإنشاء مدونات فيديو عن الرياضة.
ويتفاوت تأثير هؤلاء المؤثرين على المراهقين، حيث يُمكن أن تؤدي مدونات الطعام إلى تطوير عادة تناول الطعام بالخارج، مما قد يُؤدي إلى السمنة والإفراط في الإنفاق.
وتُعدُّ الطريقة الوحيدة لإقناع المراهقين بأن المؤثرين يقودونهم إلى نمط حياة غير صحي هو تثقيفهم، فلا يمكن منعهم من مشاهدة مدونات الفيديو، ولكن يمكن تشجيعهم على مشاهدة المدونات الجيدة.
المؤثرون مثل الأبطال الخارقين ليسوا حقيقيين
تمامًا مثل أفلام الأبطال الخارقين التي كانت مصدر إلهام لجيل الألفية خلال طفولتهم، يلعب المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مقاطع الفيديو التي ينشرونها نفس الدور مع المراهقين اليوم، ولكن بشكل مختلف.
وقد كان الأمر مجرد مسألة وقت حتى أدرك جيل الألفية أن قوى الأبطال الخارقين لا يمكن أن تكون حقيقية أبدًا، ولا جدوى من التمني أن يصبحوا مثلهم.
أما في حالة المؤثرين حاليا، فمن الواجب تثقيف المراهقين حول الغرض من إنشاء المؤثرين مدونات الفيديو، والأسباب التي تقف خلف رغبتهم في تقديم أسلوب حياتهم بالطريقة التي يفعلونها، والغرض من اكتساب المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن أن يكون كل محتواهم مزيفًا.
وتأسيسًا على ما سبق.. يمكن القول إن الاستراتيجية المثلى لتعامل الآباء مع الضغط الذي يتعرض له الأبناء خلال مرحلة المراهقة بفعل متابعة المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، تتمثل في إجراء محادثات مفتوحة بانتظام مع الأبناء حول ما ينشره هؤلاء المؤثرون، ودوافع نشرهم، وما لا يظهره المؤثرون في حياتهم الحقيقية.