تنفق الشركات ملايين الدولارات سنويًّا على الإعلان من أجل الترويج لمنتج أو خدمة ما، وضمان استهداف أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، وتستعين في سبيل تحقيق ذلك الهدف التسويقي بوكالة متخصصة؛ من أجل وضع خطط التسويق، وتصميم الحملات الدعائية.
وتُعتبر الإعلانات الأساس الذي تقوم عليه أي حملة تسويقية ناجحة، حيث يسعى الجميع إلى إنشاء إعلان جذاب يُقبل الجمهور على مشاهدته مرارًا وتكرارًا، ومشاركته على حساباته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي.
وبطبيعة الحال، فإن الانتشار الفيروسي للإعلان ليس بالأمر السهل، فهو يتوقف على استقبال الجمهور للإعلان، وتفاعله الشعوري مع محتواه.
تكنولوجيا التعرُّف على الوجه ورصد مشاعر مشاهدي الإعلانات
وفي هذا الإطار، عرضت مجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” الأمريكية دراسةً أجراها جونا بيرجر أستاذ التسويق بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، والباحث في شركة مايكروسوفت الرائدة في عالم التكنولوجيا دانيال مكدوف اعتمدت على استخدام تكنولوجيا التعرُّف الآلي على الوجه؛ لتحليل كيفية تفاعل الأشخاص مع أنواع مختلفة من الإعلانات.
اختبرت الدراسة مئات مقاطع الفيديو الإعلانية على أكثر من 2000 مشارك من جميع أنحاء العالم، وغطَّت تلك المقاطع كافة المجالات من منتجات التجميل إلى منتجات العناية بالحيوانات الأليفة، ومقطع الحلوى إلى المناشف الورقية الصديقة للبيئة.
واستعانت الدراسة بكاميرات الإنترنت الخاصة بأجهزة المشاركين – بموافقتهم بطبيعة الحال- لتتبع تعابير وجوههم أثناء مشاهدة كل مقطع فيديو، ثم قامت خوارزمية التعلم الآلي الخاضعة للإشراف بتصنيف تعبيراتهم إلى مشاعر مختلفة، وطرحت تساؤلًا رئيسيًّا على المشاركين حول مدى احتمالية مشاركة كل إعلان.
وكان لهذه المنهجية الجديدة بعض المزايا الرئيسية، من أبرزها أنه بينما تتطلب تكنولوجيا التعرف على الوجه تقليديًّا من الأشخاص القدوم إلى المختبر واستخدام أجهزة متخصصة باهظة الثمن، فإن هذا النهج الجديد سمح للمشاركين باستخدام كاميرات الويب التي لديهم بالفعل في المنزل، حيث قاموا بكل بساطة بالنقر فوق رابط في رسالة بريد إلكتروني للوصول إلى مقاطع الفيديو، وإكمال نموذج موافقة يمنح الإذن بالتسجيل عبر كاميرا الويب، ثم ملء استبيان قصير بعد مشاهدة كل إعلان.
وساعد ذلك النهج في الوصول إلى عدد أكبر بكثير من المشاركين عما كانت تسمح به الأساليب القياسية، ويعني ذلك أن المشاركين يتمتعون بتجربة منزلية أكثر واقعية عند مشاهدة الإعلانات.
بالإضافة إلى ذلك، بدلاً من الحاجة إلى الباحثين لعرض تسجيلات وجوه الأشخاص يدويًّا وتسمية تعبيراتهم، تم الاستفادة من “التعلم الآلي- machine learning”لأتمتة العملية بأكملها، عبر تصميم نظام مخصص لاكتشاف ردود فعل الوجه الشائعة بناءً على الحركة في سمات الوجه الرئيسية مثل الابتسامات، و”تجعد الحاجب- brow furrows” وغير ذلك.
وقد تم تدريب النموذج على مجموعة من الأمثلة المحددة مسبقًا؛ لتحديد عدد المرات التي عبَّر فيها كل مشارك عن مشاعر مختلفة أثناء مشاهدة مقاطع الفيديو.
كما هو متوقع لعب رد الفعل العاطفي دورًا رئيسيًّا في مدى احتمالية قيام أفراد عينة الدراسة على مشاركة الإعلان، لكن مدى تأثير المشاعر على المشاركة لم يكن واضحًا دائمًا.
مشاعرُ المشاهدين وانتشار المحتوى الإعلاني
وبينما يتوقع المرء أن يشارك الأشخاص الإعلانات التي تجعلهم يشعرون بالرضا، ولا يشاركون الإعلانات التي تجعلهم يشعرون بالسوء، فقد خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
– إن الإعلانات التي بدت وكأنها تثير مشاعر إيجابية، مثل الفرح أكثر احتمالًا للمشاركة، أما الإعلانات التي تثير مشاعر سلبية، مثل الحزن أو الارتباك فهي أقل احتمالًا للمشاركة.
– في حين أن بعض المشاعر السلبية مثل الحزن قلَّلت من معدل المشاركة للإعلان، فإن البعض الآخر مثل الاشمئزاز أدى إلى زيادتها نسبيًّا، الأمر الذي يُمكن تفسيره من منظور إثارة المشاعر.
وقد أظهرت الدراسة أنه كلما زادت عملية إثارة المشاعر، زاد احتمال مشاركة الأفراد للإعلان.
الاستفادة من قراءة المشاعر في تصميم المحتوى الإعلاني
ويترتب على هذه النتائج مجموعة من الآثار بالنسبة للمسوقين، تتمثل في ما يلي:
– أولاً: عدم كفاية إشعار الناس بالرضا عن علامتك التجارية، ففي كثير من الأحيان، يعتقد منشئو المحتوى بأنه إذا كان بإمكانهم فقط جعل العملاء يشعرون بإيجابية تجاه منتجاتهم أو خدماتهم أو علاماتهم التجارية، فسيقوم العملاء بمشاركة هذه المنتجات مع أصدقائهم.
ولكن كما أظهرت الدراسة، فإن الرضا عن المحتوى لا يكفي، فإذا كانت هناك رغبة في التمسك بالمشاعر الإيجابية في الإعلان، فلا بد من الانتقال إلى أبعد من تحقيق الرضا عبر إنشاء محتوى يثير إعجاب العملاء ويلهمهم ويسعدهم، أي المحتوى الذي “ينشط المشاعر-activating emotions”.
– ثانيًا: على الرغم من ميل الأشخاص إلى الابتعاد عن المشاعر السلبية، لكن السلوك السلبي ليس دائمًا فكرة سيئة، فعلى سبيل المثال إذا كان هناك إعلان تجاري يجعل المشاهدين يشعرون بالاشمئزاز، فلن يتشاركوه. ولكن عند توظيفه بشكل صحيح يمكن أن تكون هذه المشاعر طريقةً فعّالةً لجذب العملاء.
– فعلى سبيل المثال، الإعلانات التي تجعل الناس يشعرون بالغضب من خلال توضيح الظلم، أو تجعلهم يشعرون بالقلق أو الإحباط من خلال وصف المخاطر الصحية لمرض ما، قد تحفزهم على اتخاذ إجراء من خلال مشاركة المعلومات مع الآخرين.
– ثالثًا: بينما اعتمدت الدراسة على تحليل إعلانات مجموعة متنوعة من الصناعات من أجل استكشاف الرابط العام بين ردود الفعل العاطفية ومعدلات المشاركة، يمكن للمسوقين تكييف تلك المنهجية لاكتساب رؤى حول ردود الفعل على محتواهم المحدد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تكون طرق أبحاث السوق التقليدية مثل الاستطلاعات و”مجموعات التركيز-focus groups” يمكن أن تكون فعّالةً أيضًا في بعض الحالات، ولكن لديها بعض القيود الخطيرة، ومنها أن مجرد سؤال الأفراد عن شعورهم لا يضمن الحصول على معلومات دقيقة، فقد يكونون غير واثقين من مشاعرهم، أو قد لا يكونون متأكدين من كيفية التعبير عن مشاعرهم.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن تشكيل استجابات مجموعة التركيز من خلال التأثير الاجتماعي، مما يزيد الشكوك حول موثوقيتها. كما تتطلب هذه الأدوات القياسية الكثير من العمل اليدوي الشخصي، مما يعني أنه قد يكون مكلفًا للغاية لتوسيع النطاق لتحقيق الاستفادة.
في المقابل، يوفر التعرُّف الآلي على الوجه باستخدام كاميرات الويب المنزلية الفرصة للمسوقين من أجل قياس ردود فعل المستهلك بطريقة فعّالة وغير مزعجة وقابلة للتطوير بدرجة كبيرة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل رصد مشاعر الجمهور تجاه المحتوى الإعلاني، ومعرفة فرص وآفاق انتشار الإعلان، يسهم في توفير مزايا تتعلق بالسرعة وانخفاض تكلفة عملية الرصد، لكن وجود العنصر البشري يبقى أمرًا لا غنى عنه في دراسات قياس الجمهور، وتدوين انفعالاتهم ومشاعرهم.
بعبارة أخرى، إن الاعتماد على النماذج التقنية المتعلقة بقراءة انطباعات ومشاعر الأفراد، لا يخلو من قيود، لعل أبرزها التحيزات العرقية والثقافية في برامج التعرف على الوجه، مما يجعل من الصعب قياس الاستجابات بدقة وحيادية عبر قاعدة مستهلكين متنوعة.
وبغض النظر عن الاختلافات الثقافية الواسعة، يمكن أن يختلف الرابط بين تعبيرات الوجه والمشاعر الأساسية بشكل كبير وغير متوقع بين الأفراد، فعلى سبيل المثال قد يكون بعض الأشخاص أكثر تعبيرًا عن غيرهم، لكن هذا لا يعكس بالضرورة حالتهم العاطفية ومشاعرهم الحقيقية.