يمارس الأشخاص ألعاب الفيديو مدفوعين بمجموعة مختلفة من الأسباب، تتنوع ما بين الرغبة في خوض المنافسة مع الآخرين أو التطلع للهروب إلى عالم افتراضي من أجل الاسترخاء، لكنّ كثيرًا من الناس باتوا يبحثون الآن عن طرق جديدة للتواصل مع الأصدقاء والغرباء على حدٍّ سواء عبر تلك الألعاب.
وقد راعى مطورو الألعاب أن يتم تصميمها مع إمكانات تُسهّل التفاعلات الاجتماعية بين اللاعبين، من خلال دمج طرق مُبتكرة للتواصل الاجتماعي داخل البيئة الافتراضية للعبة، وباتت مزايا التواصل الاجتماعي جزءًا من الحمض النووي لألعاب الفيديو، ما جعل الألعاب تُشكِّل نوعًا جديدًا من الشبكات الاجتماعية.
وعلى عكس الصورة النمطية التقليدية القائلة بأن الألعاب فردية ومُعادية للمجتمع، فإن الألعاب مُتعدّدة اللاعبين مثل Fortnite ومنصة إنشاء الألعاب Roblox التي تسمح للمُستهلكين ببرمجة ولعب الألعاب التي أنشأها مستخدمون آخرون، وهي بيئات اجتماعية للغاية تُشجع على التعاون، والمحادثة التي تتجاوز حتى بيئة الألعاب.
إقبالُ المراهقين على الألعاب يُوفر فرصةً تسويقيةً للمُعلنين
ويُشير موقع ” WARC” الأمريكي إلى أن ظهور الرياضات الإلكترونية وألعاب الفيديو التنافسية أدى إلى جذب الكثير من اللاعبين وأعداد مشاهدين عالية، حيثُ تحوّل بعض اللاعبين إلى مشاهير ونجوم مثل نظرائهم في الدوري الأمريكي للمحترفين أو نجوم البوب.
وقد بلغ عدد مشاهدي Super Bowl (مباراة كرة قدم أمريكية لتحديد الفائز بلقب الدوري الوطني لكرة القدم) 99.9 مليون مشاهد في عام 2020، أمّا عدد مشاهدي الرياضات الإلكترونية (منافسات ألعاب الفيديو، حيث يتنافس اللاعبون على هيئة أفراد أو فرق ضمن بطولات محلية أو عالمية؛ بهدف الفوز بجوائز معنوية ومادية) فقد بلغ 454 مليونًا، ويُمثّل ذلك من منظور التسويق والإعلان فرصةً هائلةً للتواصل مع جماهير جديدة.
وفي كل مرة يتم فيها تقديم شبكة اجتماعية جديدة للعالم، يُمكن للمعلنين إضافة النظام الأساسي إلى استراتيجية التسويق الخاصة بهم، كوسيلة إضافية تساعدهم على التواصل مع المستهلكين، وتختلف كل قناة قليلًا من حيث الخصائص الديموغرافية للمستخدم، والفرص الإبداعية التي تُوفرها للمعلنين.
لقد باتت ألعاب الفيديو شبكةً اجتماعيةً بها عدد ضخم من المُستخدمين النشطين يوميًّا، الذين يسجلون الدخول ليس فقط من أجل اللعب، ولكن أيضًا للتواصل والتحدث مع الأصدقاء والغرباء، مثل منصات الوسائط الاجتماعية الأخرى.
والألعاب عبر الإنترنت مثل Roblox وMinecraft و Animal Jam وغيرها لا تحتوي فقط على مهام يمكن للاعبين الشروع فيها معا، بل تحتوي أيضًا على غرف يمكن تخصيصها، أي أن لها مكونات اجتماعية، حيث تشير دراسات جديدة إلى أن الألعاب بالنسبة لبعض المراهقين قد تكون أفضل من وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لموقع “Verizon” المتخصص في التكنولوجيا.
وهنا تُثار تساؤلات، ومنها لماذا أصبحت الألعاب المكان المفضل لتجمع المراهقين؟ وما الذي يحتاج الآباء إلى معرفته عن الألعاب الاجتماعية الجديدة؟
وسيلةٌ للتفاعل مع الأقران تتخطى الدور التقليدي للمنصات الاجتماعية
لم يعُد المراهقون يكتفون بمجرد مشاركة الصور وتحديثات الحالة مع أصدقائهم فقط، بل يريدون التفاعل معهم أيضًا، وهذا هو السبب في أن منصات ألعاب مثل Roblox وSnap Games تحظى بشعبية جارفة، فهي تُشْبع لدى الشخص العديد من الاحتياجات، حيث يكون قادرًا على المنافسة واللعب وقضاء وقت ممتع مع الأصدقاء، أي أنها تتخطى وسائل التواصل الاجتماعي المعتادة التي يتم عليها مشاركة الصور ومقاطع الفيديو.
وعلى سبيل المثال، فبدلًا من مجرد التعليق على صورة لصديق عبر منصات التواصل الاجتماعي، يمكن الذهاب معه في مُغامرة لبناء مدينة أو قتل تنين في لعبة إلكترونية ما، حيث يُعَد تنسيق الهجمات أو حل المشكلات معًا أكثر جاذبية للأطفال الذين نشؤوا على التكنولوجيا أكثر من مجرد مشاركة تحديثات الحالة.
وساعدت الألعاب مُتعدِّدة اللاعبين ذات المكونات الاجتماعية، مثل الدردشة داخل اللعبة أو العمل معًا كفريق واحد، الأطفال على البقاء على اتصال بأصدقائهم الذين لم يَعُد بإمكانهم رؤيتهم شخصيًّا خلال العام الماضي بفعل جائحة كورونا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأطفال والمراهقين ليسوا مُخلصين لمنصة اجتماعية معينة، بل يتنقَّلُون بسرعة من منصة لأخرى، وتُوفر الألعاب فرصةً رائعةً بالنسبة لهم؛ كونها تسمح لهم بالتفاعل أثناء اللعبة، ولا تحصرهم في نظام أساسي معين لتفاعلاتهم الاجتماعية.
واللافت أنه بمجرد أن يبدأ الكبار في استخدام منصة اجتماعية كان الشباب والمراهقون يغادرونها إلى منصة أخرى، وهو ما يعكسه التطور التالي، عندما بدأ الآباء في استخدام فيسبوك، انتقل الأبناء إلى إنستغرام ، وبعد أن استخدم الكبار تلك المنصة انتقل الأطفال إلى سناب شات وتيك توك، ولما بدأ البالغون في الوجود الكثيف على المنصتين انتقل الأبناء إلى ممارسة الألعاب متعددة اللاعبين.
التوعيةُ من مخاطر الاستمالة عبر المحادثات خلال الألعاب
وفي هذا السياق، يبرز دور المحادثات عبر الألعاب في تحقيق تفاعلات نصية أو صوتية بين مختلف اللاعبين، حيث تُعدُّ هذه الدردشات طريقةً رائعةً للأطفال للتفاعل أثناء المهام وعند بناء العوالم، ويُمكن أن تكون جانبًا مهمًّا من اللعبة نفسها، ويمكن أن تساعد الأطفال على العمل معًا لحل مشكلة ما.
ومع ذلك، فإن هذه الدردشات تنطوي على قدر من المخاطر لطبيعة الاتصال مع طرف مجهول؛ لذا تتمثل إحدى طرق مساعدة الأطفال والمراهقين في البقاء بأمان أثناء اللعب عبر الإنترنت في السماح بممارسة تلك الألعاب الاجتماعية في المناطق المفتوحة فقط، وربما حتى قصرها على الأجهزة الأكبر حجمًا، مثل التلفزيون الرئيسي في غرفة المعيشة أو كمبيوتر سطح المكتب.
وتوجد ثمة توصيات للتعامل مع تلك الدردشات، تتمثل في التشديد على الأبناء بعدم إعطاء معلومات شخصية نهائيًّا لأي طرف، بما في ذلك أسماء الحسابات على وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى.
بالإضافة إلى تثقيفهم حول “الاستمالة- grooming”، والتي تحدث عندما يُظهر شخص غريب في اللعبة اهتمامًا كبيرًا بطفلك أو بشخص آخر في اللعبة، ويقدم لهم مكافآت داخل اللعبة، أو يمتدح باستمرارٍ أداءهم وذكاءهم في اللعبة.
ومن المهم أيضًا التحقق من تصنيف الألعاب عبر الموقع الإلكتروني لمجلس تصنيف البرامج الترفيهية “ESRB” وهي هيئة تقوم بتقييم محتوى اللعبة استنادًا إلى درجة العنف واللغة، فضلًا عن تقديم تفاصيل محددة للغاية حول “تفاعل المستخدمين”، ومدى خضوعه للمراقبة، بجانب التوصيات العمرية لممارسة اللعبة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الألعاب أضحت نمطًا من أنماط التواصل الاجتماعي، فهي شبكة من الأشخاص يُركّزون جميعًا على فعل شيء يستمتعون به ومشاركة اهتماماتهم مع الآخرين، إلا أنّ التواصل مع الغرباء يقتضي الالتزام بضوابط لحماية الخصوصية والبيانات، والتحفظ في نمط الاتصال، وحصره في سياق المهمة أو اللعبة التي يتم ممارستها؛ لتجنب السقوط في فخ الابتزاز.
من جهة أخرى، لقد فتح هذا الجانب الاجتماعي لممارسة الألعاب عبر الإنترنت فرصًا أمام المسوقين والمعلنين للوصول إلى نطاق جديد من الجماهير، حيث تتيح خيارات متفاوتة التعقيد، بداية من إعلان ما قبل التشغيل الذي يتم تشغيله قبل بدء اللعبة، مرورًا برعاية اللعبة، ووصولًا إلى دمج العلامة التجارية داخل أحداث اللعبة.
4 دقائق