يُعتبر التعليم أحد المجالات الواعدة للابتكار عبر شبكات الجيل الخامس “G5″، مدعومًا بالنطاق الترددي الهائل والسرعات العالية، بحيث يمكن لكل من المعلمين ومطوري البرامج على حد سواء من تحسين أدوات التدريس الرقمية.
ويُصبح بإمكان الطلاب استخدام تقنيات الواقع الافتراضي التي تقوم على إنشاء مشهد جديد لا يتطلب وجودًا فيزيائيًّا ماديًّا، وأيضًا الاستعانة بتقنيات الواقع المعزز الذي يتضمن الواقع بمكوناته المادية الحسية إضافة لمكونات برمجية تساعد على تحسينه وتعزيزه وجعله أكثر كفاءة، وبذلك يُعد الواقع الافتراضي والمُعزز مسارين جديدين للمساعدة على التفاعل مع المحتوى التعليمي.
فصولٌ دراسية أكثر ذكاءً.. واستخدام الروبوت التعليمي
ووفقًا لمجلة “entrepreneur” الأمريكية، ستؤدي تكنولوجيا الجيل الخامس “G5″، إلى ثورة في مجال التعليم من شأنها تحديث أنظمة التعلم وتحسين مستقبل التعليم عبر الإنترنت، فعلى سبيل المثال عندما كان موقع يوتيوب يحظى بأكثر من مليار زيارة يوميًّا لمتابعة مقاطع الفيديو التعليمية، فإن جزءًا من الفوائد الأساسية التي سيجلبها توسع شبكة الجيل الخامس هي وجود اتصال مثالي لتنزيل مقاطع الفيديو ومشاهدتها، بحيث لن تكون مشاكل الإنترنت عائقًا أمام القدرة على التعلم.
وتمهد شبكة الجيل الخامس الطريق أيضا لفصول دراسية أكثر ذكاءً (وعن بُعد) تعتمد على منصات تعلم الواقع المختلط، الذي يُقصد به خلق واقع جديد يتكون من أجسام حقيقة وأخرى افتراضية تنتج بامتداد البيئة الافتراضية إلى الواقع الحقيقي بعدة تعزيزات افتراضية مبرمجة عن طريق الحاسوب.
وتشير شركة Capabilia الإسبانية المتخصصة في تجارب التعلم في البيئات الرقمية، إلى أن الطلاب يستجيبون بشكل أفضل لعمليات “التعلم النشطة Immersive learning”، مما يحسن خبراتهم ومعدلات التعلم.
من ناحية أخرى، سيعزز الجيل الخامس زيادة استخدام تقنية إنترنت الأشياء، التي يمكن أن تعمل في المستقبل على إدخال الروبوتات في الفصول الدراسية كوسائط تعليمية.
وقد قامت فنلندا بتجربة هذه الفكرة من خلال روبوت يدعى إلياس “Elias”، وهو إنسان آلي يقدم الدعم للطلاب في فصول الرياضيات وتعلم اللغة، حيث يسمح إلياس للطلاب الصغار بالمشاركة في محادثات طبيعية مع إضافة بُعد من المرح من خلال الرقص والألعاب.
ويروي العديد من المدرسين في فنلندا أن الروبوت إلياس ساهم في تحسين مستوى الطلاب، وكسر الحاجز النفسي في تعلمهم اللغة، إذ يَذْكر أحدهم أن هناك طالبًا لم يكن ينطق كلمة واحدة خلال دروس تعلم اللغة الإنجليزية، أصبح أول من يريد التحدث إلى الروبوت إلياس.
وترى الدكتورة أينو أهتينين، الباحثة في شؤون الروبوتات الاجتماعية والمحاضرة بجامعة تامبيري الفنلندية أن الروبوت إلياس يجلب جوًّا سعيدًا وآمنًا إلى الفصل الدراسي، ويمثل حافزاً للتعلم.
وعلى هذا النحو، يُمكن لتقنية الجيل الخامس أن تصبح جسرًا بين الواقع المعزز والفصول الدراسية الواقعية لجميع الأعمار، حيث يمكن أن يصل التعلم إلى مستويات جديدة لتحويل المفاهيم والصور التي تظهر في الكتب المدرسية إلى حقيقة فورية، فهذه التقنيات تفتح المجال أمام احتمالات لا حصر لها في ظل هذه الثورة التكنولوجية التي تؤدي إلى تحولات في طرق التدريس والتعلم على حد سواء.
الواقع المُعزّز والواقع الافتراضي داخل الفصل الدراسي
وتوفر شبكة الجيل الخامس بجانب إمكانية تغيير تفاعل المعلمين والطلاب مع بعضهم البعض من جهة ومع المواد الدراسية من جهة أخرى، مزايا على الصعيد التقني، إذ يسمح انتقال المعالجة الثقيلة والعرض من “سماعة رأس الواقع الافتراضي- VR headset” إلى السحابة بفعل النطاق الترددي العالي وشبكة زمن الوصول المنخفض، بإطالة عمر بطارية السماعة، وجعلها أخف وتكلفتها أقل، مما يُسهّل من إمكانية الوصول إلى هذه الأجهزة.
وهذه المزايا تهيئ الظروف لمساعدة مطوري المحتوى التعليمي الذين لن يكونوا محكومين بالقيود المفروضة على الأجهزة، بحيث يمكنهم تحقيق رؤاهم الإبداعية بطرق لم يتمكنوا من تحقيقها من قبل. فعلي سبيل المثال يمكن أن يشرح المعلمون للطلاب إقلاع مكوك نحو الفضاء أو مسار الدورة الدموية البشرية، بينما يرى الطلاب تلك العمليات أمام أعينهم فيشعرون باندماج داخل العملية التعليمية.
ولا يقتصر التأثير المحتمل لـتكنولوجيا الجيل الخامس على طريقة التدريس، بل يمكن أن يساعد في تغيير كيفية تعاون الطلاب وسلوكياتهم فيما بينهم، حيث ثبت أن المشاريع الجماعية تعمل على تحسين قدرة الأطفال على التعاون وبناء التعاطف، لذلك يمكن لشبكة الجيل الخامس أن تعزز التعاون بين التلاميذ داخل وخارج الفصل الدراسي.
وتوفر تقنية الجيل الخامس في التعليم إمكانات لمسارات جديدة للتعلم والمشاركة في الفصل الدراسي، مما يتيح للطلاب ليس فقط تعلم كيفية استخدام التقنيات المتقدمة، ولكن أيضًا كيفية التطوير والإبداع معها.
نماذجُ مشاريع لدعم استخدام تقنيات الجيل الخامس في التعليم
وقد ظهرت مبادرات متعددة لدعم استخدام تقنيات الجيل الخامس في التعليم، من بينها مبادرة مثل “Verizon 5G EdTech Challenge”، التي وفّرت تمويلًا وتوجيهًا فنيًّا وإرشاديًّا لمشاريع تظهر الفرص غير المسبوقة لتوظيف تقنيات الجيل الخامس في مجال التعليم، ومن أبرزها ما يلي:
تدشينُ جامعة نيويورك بالشراكة مع جامعة كولومبيا مجموعة من المعامل التعليمية الافتراضية، يُشكّل كل منها غرفة افتراضية يزورها الطلاب ويتعاونون فيها.
إطلاقُ جامعة نيويورك لحجرة الدراسة الواقعية المختلطة، حيث يعمل الطلاب معًا في فرق لبناء النماذج الافتراضية ومعالجتها وتشكيل الفرضيات واختبارها مباشرة.
استخدامُ جامعة “تافتس” بولاية ماساتشوستس الأمريكية مجموعة من أدوات الواقع المعزز ومناهج الروبوتات في الفصول الدراسية من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، والتي تمنح الطلاب فهمًا واضحًا لسير العمل المعقد للروبوت.
توظيفُ جامعة كولومبيا لتقنية الواقع المُعزّز في لعبة HoloLens لمساعدة طلاب المدارس الإعدادية ذوي الاحتياجات الخاصة على تعزيز التفاعل الاجتماعي خارج الفصل الدراسي في بيئة الواقع المعزز.
إطلاق معهد جورجيا للتكنولوجيا بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا تطبيقًا تفاعليًّا متنقلًا للواقع المعزز يتناول مفاهيم الفيزياء التي يصعب على الطلاب استيعابها مباشرةً في بيئات الفصول الدراسية اليومية، بهدف تمكين الطلاب من ربط النظرية بالواقع.
إنشاءُ مؤسسة “Mapper’s Delight”، بيئة واقع مختلط تتيح للطلاب استكشاف الجغرافيا من خلال موسيقى الهيب هوب، فمن خلال توفير قاعدة بيانات تضم مئات الآلاف من أغاني الهيب هوب منذ عام 1979 وحتى الآن، يستكشف الطلاب علم الاجتماع والتاريخ والابتكارات اللغوية في ذلك النمط من الموسيقى.
إطلاقُ “قاعة نيويورك للعلوم- New York Hall of Science” تطبيقًا ديناميكيًّا يسمح لطلاب المدارس المتوسطة باستخدام الفيزياء كأداة لفهم عالمهم في الفصل الدراسي وخارجه، حيث يقوم الطلاب بتوثيق حركة أجسادهم وتتبع مسارات أنشطتهم البدنية، واستخدام أدوات البيانات التي تظهر على الشاشة لتحليل متغيرات القوة والطاقة والحركة.
تدشين المهرجان العالمي للعلوم بالشراكة مع جامعة كولومبيا لتجربة واقع افتراضي، حيث تدعو الطلاب لاستكشاف عوالم يتعذر الوصول إليها، بما في ذلك النجوم والكواكب والثقوب السوداء والمجرات.
إتاحةُ التعلم أثناء التنقل
تتيح تكنولوجيا الجيل الخامس أيضًا إمكانية التعلم أثناء التنقل، ففي ظل مجتمع متنقل بشكل متزايد، فإن الأجهزة الموجودة في جيوب الأشخاص وفي آذانهم ومعصمهم تجيب على الأسئلة وتساعدهم على التعلم.
ونظرًا لأن تلك التكنولوجيا تصل إلى المزيد من جوانب الحياة اليومية، فإنها تتمتع بالقدرة على تسهيل التعليم أثناء التنقل أيضًا، حيث يمكن أن تتحول رحلة ميدانية للطلاب إلى متحف من مجرد أصوات للطلاب تتعالى في متحف هادئ إلى تجربة تعلم لا تُنسى عبر استخدام تقنيات الواقع المختلط، فمثلًا تخيّل طالبًا يوجه جهازه اللوحي إلى رمز الاستجابة السريعة “QR code” لنموذج ثلاثي الأبعاد من العصر الجليدي، ويظهر على شاشته هيكل عظمي لماموث صوفي عملاق “Mammuthus primigenius” ( نوع منقرض من الثدييات) بالعناصر التفاعلية.
ولذلك تحقق تلك التكنولوجيا تجارب تفاعلية مع القطع الأثرية، وتُشكّل ميزة مهمة لتعلم الأطفال بطرق أكثر إثارة وجذب الانتباه، ما يؤدي إلى تثبيت المعلومات في الذهن.
وختامًا.. يُمكن القول إن تكنولوجيا الجيل الخامس ستسهم بشكل غير مسبوق في تحقيق تجارب تعليمية قائمة على الاندماج عبر تقنيات الواقع الافتراضي والمُعزّز، الأمر الذي يُعزز من قدرة الطلاب على الاستيعاب والفهم، لا سيما العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والجيولوجيا، فضلًا عن تعزيز القدرة لدى الطلاب على التخيل والابتكار.
كما أن النماذج الحالية لتطبيق تلك التقنيات تُرسي قاعدة مفادها أن الحدود والقيود الوحيدة المفروضة على مطوري المحتوى التعليمي تأتي من خيالهم فقط، فتكنولوجيا الجيل الخامس أفضت إلى ثورة غير مسبوقة في المجال التعليمي، تضع اللبنات الأولى لطفرات تنموية في ظل الثورة الصناعية الرابعة حيث التحول إلى نمط حياة يعتمد على التكنولوجيا سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع ككل.