تقارير

مُعدَّلات استهلاك الإعلام التقليدي والرقمي في عصر كورونا

أدت جائحة كورونا ولجوء الحكومات إلى فرض حجر صحي عام أو حظر تجول جزئي؛ لوقف انتشار الفيروس إلى زعزعة اقتصادات وسائل الإعلام، حيث انخفض استخدام القطاعات الاقتصادية لوسائل الإعلام التقليدية في الإعلانات، بينما تسارعت جهود الوجود على المنصات الرقمية للاستفادة من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التي هزَّت المشهد الإعلامي في عام 2020.
وعلى النقيض من فقدان الزخم في الإنفاق على الإعلان والتسويق في عام 2020، حقق استهلاك الأفراد لوسائل الإعلام أسرع معدل نمو منذ عام 2015، ليطوي صفحة مرحلة تباطؤ النمو في استخدام الوسائط استمرت 5 سنوات.
ووفقًا لتقرير لشركة “PQ Media” المُتخصِّصة في التحليلات الإعلامية، فقد سجل معدل الوقت الذي يقضيه المستهلك العالمي في متابعة وسائل الإعلام سواء الرقمية أو التقليدية نموًّا بنسبة 2.8% بمتوسط بلغ نحو 53 ساعة أسبوعيًّا خلال عام 2020.
ونتيجة لذلك ارتفع استخدام الوسائط الرقمية العالمية بنسبة 9.6% بمتوسط 15 ساعة في الأسبوع، وهو ما يُمثل 28,5% من وقت المستهلك الذي يقضيه عبر الوسائط الرقمية في جميع أنحاء العالم.
إحصاءاتُ الاستهلاك في أكبر 20 سوقًا لوسائل الإعلام في العالم
لقد قدَّم التقرير السنوي الثامن لاستخدام وسائل الإعلام العالمية من قِبل المستهلكين، الصادر عن شركة “PQ Media، الذي يغطي الفترة من 2020 إلى 2024، المعلومات الأكثر شمولًا حول أكبر 20 سوقًا لوسائل الإعلام.
وبحسب التقرير، سجلت اليابان أعلى معدل استهلاك لوسائل الإعلام بواقع 79.6 ساعة في الأسبوع، بينما حقَّقت روسيا أكبر معدل نمو 4.5%، وكانت الحصة الأعلى لاستهلاك وسائل الإعلام الرقمية في كوريا الجنوبية بنسبة 45.3%. .
أما في الولايات المتحدة فقد ارتفع استخدام وسائل الإعلام بنسبة 2.9% أي ما يعادل 73 ساعة في الأسبوع، كما أدى تدفق استخدام تقنيات الفيديو والصوت إلى زيادة حصة استهلاك الوسائط الرقمية إلى 42.4%.
ووفقًا للتقرير تمثلت محركات النمو الرئيسية في عدد كبير من وسائط الإعلام المتنقل، بما في ذلك ملفات الفيديو عبر الهواتف المحمولة وتطبيقات الصوت والألعاب والكتب والأخبار، فضلًا عن منصات التواصل الاجتماعي والبودكاست وخدمات بث الفيديو عبر الإنترنت، التي سجلت جميعها معدلات نمو في الاستخدام تجاوزت 15%.
وفي الوقت الذي أدى فيه وباء كورونا إلى انخفاض الإنفاق على الإعلانات والتسويق بنسبة 6.8%، نما وقت المستهلك عبر وسائل الإعلام بنسبة 2.8، وهو أسرع معدل نمو سنوي منذ خمس سنوات، بحسب تقديرات استخدام المستهلكين العالميين لوسائل الإعلام خلال الفترة من 2020 إلى 2024.
ويرى باتريك كوين، الرئيس التنفيذي لشركة “PQ Media” أن المستفيد الرئيسي من هذا النمو في استخدام وسائل الإعلام، هي الوسائط التي يدعمها المستهلك، وخاصة الفيديو الرقمي والصوت والألعاب، والوسائط الاجتماعية وخدمات الدردشة.
ونوَّه كوين إلى مواصلة الوسائط التي يحركها المستهلك في انتزاع حصة كبيرة من النمو على حساب الوسائط المدعومة بالإعلان والتسويق، فعلى سبيل المثال استحوذت الوسائط التي يحركها المستهلك على أكثر من 55% من إجمالي استهلاك وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، بينما نمت إلى ما يقرب من 35 % على مستوى العالم في عام 2020.

خدمات بث الفيديو والألعاب كمحرِّك رئيسي لنمو استهلاك الوسائط الرقمية
ووفقًا لما رصده تقرير شركة “PQ Media”، عبر 22 قناة وسائط رقمية قضى المستهلكون معظم الوقت مع خدمات “OTT” (Over-The-Top)، مثل الفيديو عند الطلب، وبرامج البث التلفزيوني على الأجهزة المتصلة بالإنترنت، بمعدل 5 ساعات في الأسبوع.
وحقَّقت خدمات بث الفيديو والصوت العام الماضي انتشارًا واسعًا، بشكل مُتزامن مع فيروس كورونا الذي أجبر المستهلكين على التزام منازلهم لفترات أطول، مما أدى إلى زيادة معدلات استهلاك تقنيات الفيديو والصوت الرقمية، فعلى سبيل المثال أضافت شبكة “نتفليكس-Netflix”26 مليون مشترك على مستوى العالم في النصف الأول من عام 2020 مقارنة بـ 12 مليونًا فقط في النصف الأول من عام 2019، حيث قدمت الشبكة مسلسلات مِثل “Tiger King” و”Ozark” و”The Queen’s Gambit” كمحتوى جديد للجماهير المتزايدة في المنازل.
واستطاعت قناة الفيديو الجديدة ديزني بلس “+ Disney ” اجتذاب ما يقرب من 74 مليون مشترك مدفوع الأجر بحلول الربع الأخير من العام الماضي.
ويشار إلى أنه مع إغلاق دور السينما وإجبار الاستوديوهات إما على تأخير إصدارات الأفلام أو إطلاقها عبر خدمات البث، عرضت ديزني لأول مرة فيلمي “مولان-Mulan ” و”سول- Soul” على قناة ديزني بلس، بينما أطلقت شركة “وارنر بروس- Warner Bros” الترفيهية المدمجة فيلم “Wonder Woman 84” بشكل مُتزامن على منصتها للبث المباشر “HBO Max” وفي دور العرض.
أما عن ألعاب الفيديو فبعدما كانت تقليديًّا تشهد انخفاضًا في معدلات الاستخدام قبل طرح تحديثات أجهزة الألعاب الرئيسية، إلا أن استخدامها شهد معدلات مرتفعة على مدار عام 2020، إذ تم إصدار نسخ جديدة من الألعاب مثل لعبة “Call of Duty” التي تنتجها شركة Activision، حتى قبل موعد ظهور الإصدارات الجديدة من أجهزة Playstation 5 وXbox Series X في الربع الأخير من العام.
وحققت ألعاب أونلاين مثل “Animal Crossing” و” Among Us” نجاحًا كبيرًا، مما أدى إلى زيادة الوقت الذي يتم قضاؤه على ألعاب الفيديو.
الراديو وراء أكبر نمو لاستهلاك الإعلام التقليدي منذ 10 سنوات
وفي الوقت نفسه، سجل العديد من وسائل الإعلام التقليدية في عام 2020 أقوى نمو لها منذ أكثر من 10 سنوات، وتحديدًا منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 – 2009، غير أن جانبًا كبيرًا من النمو المتحقق في وسائل الإعلام التقليدية جاء من مستمعي الراديو بمعدل نمو بلغ 2.8%، إذ شكل مصدرًا أساسيًّا للمعلومات حول الوباء في المناطق الريفية.
واللافت هنا أن النمو في الاستهلاك لم يشمل جميع وسائل الإعلام التقليدية، فنظرًا لظروف انتشار الوباء فقدت المجلات المطبوعة المشتركين الذين كانوا يخشون استقبال البريد، والمتاجر التي كانت لديها اشتراكات، مثل صالونات التجميل التي اضطرت إلى التخلص من غرف الانتظار.
وعلى الرغم من توقع توزيع لقاحات كورونا على نطاق واسع بحلول منتصف العام الحالي 2021، وتسجيل زيادة طفيفة في استهلاك وسائل الإعلام خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بطوكيو المؤجلة من العام الماضي، فإن تقديرات شركة “PQ Media” تشير إلى أن الوقت الذي سيقضيه المستهلكون على وسائل الإعلام سيعود للتباطؤ في عام 2021، ليبلغ معدل النمو 1.4% فقط.
واعتبرت الشركة أن الطفرة في الاستهلاك الناتجة عن الوباء في عام 2020 تمثل اضطرابًا قصير المدى في اتجاهات النمو التي ستعود لوتيرتها السابقة المتباطئة، مشيرة إلى أن انتشار الهواتف الذكية في الأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم، واقتراب تلك الأسواق من الوصول لحالة تشبع، سيدفع ذلك الوسائط الإعلامية على الإنترنت والجوال لتحقيق نمو سنوي أبطأ.
ووفقًا لتقرير شركة “PQ Media”، فإن الارتفاع في استهلاك وسائل الإعلام له علاقة مباشرة بالتأثير المتزايد للأجيال الشابة، فعلى الرغم من أن استهلاكهم لوسائل الإعلام أقل بكثير من الأجيال الأكبر سنًّا، إذ بلغ معدل استهلاك الشباب لوسائل الإعلام نحو 29 ساعة في الأسبوع خلال عام 2020، لكن نصف الاستهلاك تقريبًا يتم عبر الأجهزة الرقمية.
أما الأجيال الأكبر سنًّا فتستهلك وسائل الإعلام أكثر بواقع 89 ساعة في الأسبوع خلال العام الماضي، ولكن 22% فقط من هذا الاستهلاك يحدث عبر الأجهزة الرقمية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن انتشار الوباء أدى إلى زيادة استهلاك وسائل الإعلام لتحقق أسرع نمو منذ سنوات حتى مع انخفاض الإنفاق على الإعلان والتسويق، إلا أن معدلات انتشار الأجهزة المحمولة في معظم أسواق الوسائط الرئيسية في جميع أنحاء العالم، ومدى قوة إمكانات التكنولوجيا الجديدة، مثل تقنيات الجيل الخامس، يبقيان المحدد الرئيسي لتوقعات نمو استخدام الوسائط الرقمية، مما يؤثر على حجم التراجع في استهلاك وسائل الإعلام التقليدية، فضلًا عن التنوع في شكل الوسائط الرقمية، وطبيعة النمط الذي يحقق أعلى معدل نمو.

زر الذهاب إلى الأعلى