تقارير

صحافة المواطن في عصر الإعلام الجديد

شهدت الساحة الصحفية والإعلامية بشكل عام خلال السنوات الأخيرة العديد من التحولات التي رافقت تطور وسائل الاتصال، لعل من أبرزها فقدان مكانتها كقناة حصرية لنقل المعلومات والأخبار، إذ عززت التكنولوجيا ظهور نمط جديد من الصحافة هو صحافة المواطن التي كسرت احتكار الصحف لمنظومة صناعة الخبر، فقامت بمشاركة المعلومات حول الموضوعات التي لا تحصل على تغطية كافية في وسائل الإعلام التقليدية، ووفرت صوتا جديدا للتيار السائد في الإعلام.

وبذلك باتت المساهمات العامة في المشهد الإخباري جزءًا طبيعيًّا من الصحافة، إلا أن تلك العملية لا تقتصر على الإيجابيات، بل محفوفة أيضًا بمخاطر، أبرزها الجانب المتعلق بنزاهة ومصداقية المحتوى الذي تقدمه صحافة المواطن.

سجال فكري حول صحافة المواطن

تعتمد صحافة المواطن المعروفة أيضًا بالصحافة التشاركية أو صحافة الشارع على المواطنين الذين يلعبون دورًا نشطًا في عملية جمع الأخبار والمعلومات وإعداد التقارير والتحليل ونشرها.

ويقول جاي روسن، أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك، إنها تعني استخدام الأشخاص الذين كانوا معروفين سابقًا باسم الجمهور الأدوات الصحفية التي بحوزتهم لإعلام بعضهم وبعض بالمستجدات.

أمَّا كورتني رادسيتش، مديرة قسم المناصرة في لجنة حماية الصحفيين (منظمة غير حكومية مقرها نيويورك) فتشير إلى أن صحافة المواطن تعد شكلا بديلا وناشطا لجمع الأخبار وإعداد التقارير خارج المؤسسات الإعلامية الرئيسية، وجاءت كرد فعل لأوجه القصور في مجال الصحافة المهنية.

يعني ذلك أنه يمكن لأي شخص القيام بهذه المهمة دون أي تدريب رسمي من معهد للصحافة.

وتحظى أنشطة صحافة المواطن بشعبية في جميع أنحاء العالم، إذ جذبت شعبية هذا المجال الكثير من الأشخاص ليكونوا جزءًا منها، الأمر الذي شكَّل موجة جديدة في صناعة الصحافة، ساعدت على تقليل الفجوة التي نشأت بسبب أوجه القصور في وسائل الإعلام التقليدية.

وعلى الرغم من ذلك، تنقسم الآراء حول صحافة المواطن إلى ثلاثة تيارات:

– تيار مرحب: يرى أنصاره أن صحافة المواطن التي لا تقوم على وجود أي مؤهلات أو خبرة صحفية تقدم أخبارا جديدة قريبة من القارئ دون الحاجة إلى أي وسطاء، ويمكن أن تحل شيئا فشيئا محل الصحفيين والإعلاميين المهنيين، أو على الأقل يتعايش ممارسو صحافة المواطن جنبًا إلى جنب مع الصحفيين المحترفين.

– تيار معارض: يرفض بشكل قاطع إمكانية وجود أصوات غير مهنية، كالذين يعملون بشكل منفصل عن المؤسسات الصحفية وبدؤوا في منافسة الصحفيين في الساحة الإعلامية.

– تيار يتبنى نهجا توفيقيا: يؤكد الحاجة إلى الصحفيين المهنيين لنشر قصص إخبارية معدة جيدًا، بحيث يقوم هؤلاء الصحفيون بدور الوسيط بين الصحفي المواطن وجمهوره المحتمل. ولهذا السبب يتبنى هذا التيار مقاربة تقوم على إيجاد حل وسط بين أولئك الذين يدعمون الانفتاح الكامل على صحافة المواطن وكل أشكال المعلومات، وأولئك الذين يرفضون أي خطوة من هذا القبيل.

ومن المعطيات التي يستند إليها التيار التوفيقي، أن الصحف تتمتع بميزة فريدة تتمثل في أن علامتها التجارية ذات الثقة تم بناؤها على مدى سنوات عديدة، مما يعنى أنها ستمنح صحافة المواطن المصداقية وتولد حالة من الثقة لدى الجمهور.

ووفقًا لذلك ستقوم الصحيفة المعنية بتعديل وانتقاء المعلومات من أجل تطبيق معايير تتعلق بالجودة، حيث إنه إذا كان هناك شيء يجب على وسائل الإعلام الحفاظ عليه بأي ثمن في عصر الإعلام الجديد فهو الجودة.

وبالتالي من الممكن إنشاء علاقة تعود بالنفع على كلا الطرفين، فمن ناحية يتم إثراء الصحيفة عبر وجهات نظر مختلفة حول الموضوعات المحلية وتمثيل أصوات الجمهور، ومن ناحية أخرى  تصبح صحافة المواطن أكثر أهمية وتتخطى حدود كونها مجرد مدونة.

مزايا صحافة المواطن

ووفقًا للمعهد الوطني للإعلام الجماهيري والصحافة في الهند، توجد 3 فوائد أساسية لصحافة المواطن تتمثل فيما يلي:

– سهولة الوصول إلى الأحداث وقت وقوعها: فالتوسع في استخدام التكنولوجيا وانتشار منصات التواصل الاجتماعي مثل “تويتر” و”يوتيوب” و”فيسبوك” وغيرها جعل نشر المعلومات أسهل وأسرع، خاصة مع وجود الكاميرا والإنترنت بالهواتف الذكية، التي جعلت من السهل التقاط الأخبار وقت حدوثها، فيمكن أن يساعد المواطن الصحفي في  الإبلاغ عن الأحداث التي قد لا يدركها الصحفيون التقليديون لسبب أو آخر، مثل الحوادث والكوارث الطبيعية التي تتميز بالفجائية، مما يُعزز أهمية دور صحافة المواطن.

– تقديم وجهة نظر مختلفة: تساهم مشاركة الأشخاص العاديين في صحافة المواطن في تمثيلهم للحقائق والأخبار بناءً على منظورهم الخاص وهذا يساعد في نشر وتقديم وجهات نظر مختلفة.

وتبقى الميزة الرئيسية لصحافة المواطن، أنها لا تخضع للاعتبارات التي تتحكم في عمل وسائل الإعلام التقليدية خلال نقلها للأخبار، مثل مصالح الجهة المالكة أو المعلنين.

– مساعدة الصحفيين المحترفين: ترحب العديد من الصحف والقنوات التليفزيونية بصحافة المواطن، حيث إن  هناك بعض المواطنين الذين يقومون بدور نشط في هذا المجال، مما يجعلهم يحصلون في كثير من الأحيان على فرص مختلفة لظهور المحتوى الذي يقدمونه في العناوين الرئيسية للأخبار أو في مساعدة الصحفيين المحترفين.

وعلى هذا فقد أصبحت صحافة المواطن شغفًا يتبعه كثير من الناس، حيث يشاهد الجمهور بين الحين والآخر مقاطع فيديو وصورًا وحتى تحديثات إخبارية مكتوبة من مناطق مختلفة من العالم ينقلها هؤلاء الصحفيون المواطنون.

عيوب صحافة المواطن

في المقابل، تشير دراسات أكاديمية متعددة إلى عيوب صحافة المواطن، ومن أبرز تلك العيوب:

– إرباك الجمهور: يدرك الجمهور أن الصحافة ووسائل الإعلام التقليدية تتبع بروتوكولًا أو قواعد مهنية معينة قبل الإبلاغ عن شيءٍ ما، وهو عنصر غير متوفر في صحافة المواطن، ولهذا السبب فإن الموثوقية في محتواها محل شكوك.

ففي الوقت الحاضر، يمكن للجميع كتابة أو إظهار ما يريد على الإنترنت، والأمر متروك للجمهور ليصدق أو لا يصدق، مما ولّد حالة من الارتباك داخل المجتمع. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، قيام مستخدم لتويتر لديه 6 آلاف متابع في عام 2012 بنشر معلومات خاطئة حول الوضع المحيط بإعصار ساندي، وقد حظيت هذه المعلومات الخاطئة باهتمام كبير من الجمهور والقنوات الإعلامية، مما أدى إلى الذعر والفوضى في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وفقًا لمنصة “Folkspaper” المتخصصة في الإعلام.

ويتضح من ذلك أن صحافة المواطن يمكن أن تؤدي إلى إنتاج أخبار مزيفة، فضلًا عن الترويج للكراهية، ومن ثم تعريض الجمهور من مستخدمي الإنترنت لحالة من الاستقطاب الشديد.

– محدودية الجمهور: عادة ما تتخذ صحافة المواطن وسائل التواصل الاجتماعي التي يوجد عليها ملايين الأشخاص منصة لنشر محتواها، إلا أن هناك أماكن في العالم لا يُولِي فيها الأشخاص اهتمامًا كبيرًا بتلك المنصات، ولهذا السبب يستحيل عليهم الوصول إلى تلك الأخبار أو التقارير أو المدونات.

نتيجة لذلك، ووفقًا لمجلة ” Media and Communication“، يبقى تعاطي وسائل الإعلام التقليدية مع صحافة المواطن أمرًا حيويًّا لوجودها، حيث يظل لها دور كبير في إيصال محتواها للجمهور.

– غلبة الطابع الذاتي: قد تؤثر أفكار المرء ومعتقداته ومشاعره على صحافة المواطن، فيصبح ما يقدمه رأيًا وليس خبرًا أو رواية صادقة للأحداث.

ختامًا، يمكن القول إن المساهمة العامة من جانب المواطنين في صناعة المحتوى الإخباري باتت سمة أساسية في عصر الإعلام الجديد، وتجاهل تلك المساهمة ربما يحد من الوصول إلى معلومات ذات أهمية في القصة الخبرية، ويمنع تمثيل المجتمعات المحلية وقضاياها التي ربما لا تسلط الأضواء عليها في الإعلام التقليدي.

لكن ممارسة صحافة المواطن بالشكل الأمثل لا يمكن أن تمضي دون وجود ضوابط أو قواعد تضمن تطبيق الحدود الدنيا من المهنية، فهي في الأخير تجسد رسالة اتصالية بين شخص مرسل وجمهور مستقبل ومضمونًا تحمله تلك الرسالة سيكون له تأثير في وعي وإدراك وسلوك الجمهور.

ويتطلب ذلك الوضع إلزام الصحفيين المواطنين بميثاق شرف يتضمن معايير وضوابط مشابهة لتلك المعايير التي يعمل بموجبها الصحفيون المحترفون، كما يقع على عاتق شركات التكنولوجيا التي توفر منصات نشر مفتوحة لصحافة المواطن أن تكون جزءًا من ميثاق الشرف هذا وتعمل على إدراجه في سياساتها المتعلقة بالنشر، إضافة إلى ذلك يجب إلزام الوسيلة الإعلامية أو القائم بالاتصال الذي يعرض القصص الإخبارية المقدمة من الصحفي المواطن أن يتأكد أولًا من موثوقية المعلومات الواردة ومصداقيتها قبل نشرها، وأن يُعلي من قيمة الدقة قبل السبق الصحفي.

زر الذهاب إلى الأعلى