تقارير

الحرس الثوري والقمع الرقمي في إيران

أدى استمرار تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، في ظل تطلُّع واشنطن إلى زيادة الضغط على طهران، إلى وضع الأنشطة الإلكترونية الإيرانية تحت دائرة الضوء، إذ قامت السلطات الأمريكية باتخاذ إجراءات صارمة ضد الجهات الفاعلة السيبرانية الإيرانية كجزء من حملة واسعة النطاق لملاحقة السلوكيات الإيرانية الضارة، -بدءًا من مهاجمة وتدمير مواقع الإنترنت إلى سرقة حقوق الملكية الفكرية- عَبْر فرض عقوبات مستهدفة.

ويشير تقرير لمعهد الشرق الأوسط (مقره واشنطن) إلى أن “إيران” بذلت جهودًا منسقة على مدى العقد الماضي لتوسيع قدراتها السيبرانية، وهو جهد لعب فيه الحرس الثوري دورًا مركزيًّا، لا سيما أنه يقدِّم تقاريره مباشرة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، ويعمل كعيون وآذان لنظام الملالي، حيث يتجسس رقميًّا وجسديًّا على المواطنين.

وبالنظر إلى القوة المتنامية للحرس الثوري داخل النظام، يعتقد العديد من المحللين والمراقبين للشأن الإيراني أنه في مرحلةٍ ما قد يتولى السيطرة على البلاد لتأتي حكومة عسكرية بدلًا من الحكومة الدينية، ومع اقتراب إيران من نقطة انعطاف حول مسألة الخلافة بعد خامنئي، قد يأتي ذلك اليوم قريبًا، فضلًا عن أن الحرس الثوري في وضع جيد لتحقيق مثل هذا الانتقال، نظرًا لما يمتلكه من قدرات مادية وإلكترونية.

تضييق الخناق على المعارضين ومراقبتهم في الفضاء الإلكتروني

ولقد لعب الحرس الثوري الإيراني دورًا رئيسيًّا في قمع الاحتجاجات وكبح المعارضة في إيران، كلما وصلت إلى كتلة حرجة، إذ كان هذا واضحًا خلال احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009، عندما سحق الحرس الثوري الإيراني معارضي فوز محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية.

وقد شهد العام نفسه أيضًا إدخال اتجاهين جديدين، الأول هو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تويتر، لتنسيق حركات الاحتجاج، لذلك يُشار أحيانًا إلى الحركة الخضراء باسم “حركة تويتر” نظرًا للدور الرئيسي الذي لعبته المنصة في الاحتجاجات.

أمَّا عن الاتجاه الثاني فهو الاستخدام واسع النطاق لنُظُم الاتصالات الرقمية من قِبَل معارضي الحكومة الإيرانية، بما في ذلك تطبيقات المراسلة وكذلك منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ممَّا أدى إلى مراقبة الحرس الثوري الإيراني لأنشطة المواطنين عبر الإنترنت للكشف عن الأصوات المعارضة وقمعها.

وبات هذا الاتجاه الأخير الأكثر إثارة للقلق، مع ازدياد وتيرة المراقبة الحكومية وتتبُّع المواطنين عبر الإنترنت في السنوات التي تلت احتجاجات 2009.

الدور السيبراني للحرس الثوري الإيراني

بالإضافة إلى كونه قوة عسكرية مسلحة، فإن الحرس الثوري أيضًا إحدى الهيئات السيبرانية الرئيسية في إيران، حيث يتحكم في الإنترنت والوصول إليه، ويستخدم التكنولوجيا كوسيلة للتأثير على كلٍّ من الأمن الداخلي وأيديولوجية الشعب الإيراني.

ويقوم الحرس الثوري الإيراني -بجانب وزارة الاستخبارات والأمن المدنية- بمراقبة جميع الاتصالات عبر الإنترنت، وكذلك الأخبار، ويمارس أعمالَ مراقبةٍ في جميع أنحاء البلاد من أجل تعقُّب المواطنين، فضلًا عن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، مثل “تويتر وفيسبوك وإنستغرام”، بالإضافة إلى منصات الدردشة الأخرى، مثل “واتس آب”، وحتى الأنظمة الأساسية المشفَّرة مثل “تيليجرام”.

وعلى الرغم من أن “إيران” تحظر رسميًّا كلًّا من “تويتر” و”فيسبوك”، فإن الإيرانيين يتحايلون على هذه القيود باستخدام تقنية الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN)، إلا أنه لا يزال بإمكان الحرس الثوري الإيراني اكتشاف استخدامهم لتلك التقنية ومعاقبتهم.

وقد أنشأت الحكومة الإيرانية منصات محلية للتواصل الاجتماعي وتطبيقات للدردشة، ممَّا دفع السكان إلى استخدام التطبيقات الإيرانية مثل “سروش- Souroush” و”أى جاب- iGap”، وتجنّب التكنولوجيا والمنصات الغربية. ومع ذلك فإن الجمهور حَذِرٌ من هذه التطبيقات ويدرك أن الحكومة تراقبها، لذا لا يشارك معظم المستخدمين معلوماتٍ حساسةً من خلالها.

وتعد هذه التطبيقات التي تم إنشاؤها محليًّا مجرد دليل آخر على المدى الذي تذهب إليه الحكومة الإيرانية لاعتراض المعلومات واستخدامها لأغراض مختلفة.

الحرس الثوري بين تحضير خامنئي لعملية انتقال السلطة وسيناريو الانقلاب

ووفقًا لمعهد الشرق الأوسط، فإن من المحتمل أن تكون التغييرات في المستويات العليا للسلطة في إيران والتي بدأت منذ عام 2018 تحمل مؤشرات على أن المرشد خامنئي يعد الساحة لخلافته، حيث تولَّت شخصيات في الحرس الثوري الإيراني مؤخرًا مناصب رئيسية، وفي حين أن خططه النهائية غير واضحة، فقد يكون أحد السيناريوهات المحتملة هو انقلاب للحرس الثوري.

وتشمل التطورات المهمة الأخيرة على هذه الجبهة سيطرة موسعة على وسائل الإعلام التي تديرها الدولة والصورة التي تقدمها دوليًّا، والمراقبة المستمرة للأنظمة المختلفة لتبادل الرسائل، والانتقادات العلنية التي يوجهها الحرس الثوري للرئاسة وتعيينات رفيعة المستوى، أجراها خامنئي بنفسه، وهو ما يتضح في النقاط التالية:

  •  يتم بَثُّ رسالة من خلال المنافذ الخاضعة للرقابة مثل القنوات الإخبارية التي تديرها الدولة ووسائل التواصل الاجتماعي المذكورة أعلاه، مفادها أن حكومة يديرها العسكريون ستحل المشكلات الاقتصادية للبلاد، وتقيم جسورًا لعلاقاتها مع الدول الأوروبية، وتجعل “إيران” أكثر قوة في المنطقة.
  •  من المرجَّح أن تزداد الرسائل المتعلقة بالحاجة إلى التغيير السياسي في إيران مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2021.

وتجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 2016، شهد العالم حملات دعائية خارجية إيرانية تستهدف الانتخابات في الولايات المتحدة وأوروبا باستخدام مواقع إخبارية مزيفة وشخصيات مزيفة أيضًا ونشر رواية معادية للغرب، ولذلك يمكن أيضًا استخدام نفس التكتيكات بسهولة داخل إيران للتأثير على الرأي العام لصالح تغيير الحكومة.

  •  إشراف خامنئي بنفسه على العديد من التعيينات المباشرة في الحرس الثوري الإيراني، اعتبارًا من عام 2018، والتي من خلالها يضمن تدفقًا مباشرًا للمعلومات إليه، فضلًا عن السيطرة على ذلك التنظيم العسكري.
  •  انتخاب اللواء السابق بالحرس الثوري محمد باقر قاليباف رئيسًا للبرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي) في مايو الماضي، وحقيقة أن أكثر من ثلثي النواب في المجلس هم أفراد سابقون أو حاليون في الحرس الثوري، ممَّا يعزِّز العلاقة بين الحرس الثوري والهيئات الحكومية الإيرانية الأخرى.

واللافت أن العديد من هؤلاء النواب كانوا نَشِطِين في قمْع الحركة الخضراء عام 2009، ومهاجمة واعتقال المشاركين فيها.

  •  مواصلة رجال الدين إلقاء اللوم على إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، لا سيما طريقة تعامله مع جائحة فيروس كورونا، كما انتقدوا سياساته الاقتصادية، فضلًا عن موقفه “الموالي للغرب” والاقتتال “النخبوي” الذي ينتقص -بحسب الحرس الثوري الإيراني- من جهود العمل لصالح الشعب الإيراني.
  •  دور الحرس الثوري الإيراني المتمرِّس في دعم رواية الحكومة ومنْع المواطنين من الوصول إلى الإنترنت تمامًا، والذي يبرز عندما تكون هناك حاجة لمزيد من الإجراءات الصارمة، مثلما حدث مع احتجاجات نوفمبر 2019، حين تم وقف خدمة الإنترنت لمنع الإيرانيين من نشْر الصور أو المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.

إطلالة على المستقبل

يشير تقرير معهد الشرق الأوسط إلى أن الحرس الثوري الإيراني هيَّأ الوضع لانقلابٍ محتمل، من خلال تسليط الضوء على أخطاء الهيئات الحكومية الأخرى، بينما يقوم بالترويج لـ”فوائد” الحكم العسكري من خلال الأخبار عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وبخلاف السيطرة الإعلامية يتمتع الحرس الثوري الإيراني أيضًا بقوة صلبة كبيرة، وقد أظهر استعدادًا لاستخدامها لسَحْق المعارضة وسجْن المتظاهرين، وهو ما تشهد عليه صور الانتهاكات الجسدية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما تمتد سيطرة الحرس الثوري إلى المجال الرقمي أيضًا، حيث قام بممارسة التكنولوجيا وإتقانها على مدار العقد الماضي، ممَّا مكَّنه من التجسُّس على الشعب الإيراني.

وخلص التقرير إلى أنه بعد تعزيز وتوسيع سلطاته المادية والرقمية على مر السنين، بات الحرس الثوري الإيراني لديه قدرة على التحكم في الوسائط والأدوات الرقمية والقوى المادية على الأرض لتحقيق الانتقال إلى الحكم العسكري، إذا رغب في ذلك.

ونظرًا للفوضى الناجمة عن الصعوبات الاقتصادية في الداخل بسبب العقوبات الدولية، والدمار الذي خلَّفَتْه جائحة فيروس كورونا 2020، بالإضافة إلى الانتخابات الإيرانية المقبلة عام 2021، فمن غير المرجَّح أنْ يكون هناك نقص في الفرص المتاحة أمام الحرس الثوري لاستغلالها.

زر الذهاب إلى الأعلى