تقارير

هل يمكن لبيانات وسائل التواصل الاجتماعي توقُّع الفائز في الانتخابات الأمريكية؟

حظيت وسائل التواصل الاجتماعي بأهمية كبرى في الحملات الانتخابية الأمريكية خلال الأعوام الأخيرة، من أجل جذب انتباه الناخبين كإحدى وسائل الدعاية في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وتَوَاكَبَ مع ذلك التوسع في استخدامها لأغراض الدعاية الانتخابية والتفاعل الذي يتم مع المستخدمين.

ومن هذا المنطلق، يعد مدى قدرة مواقع التواصل الاجتماعي على التنبُّوء بالفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، سؤالًا رئيسيًّا يطرحه الكثيرون، حيث تجري جهودٌ لمحاولة استنباط إجابة من خلال البيانات التي يوفرها المستخدمون وتتعلق بالتفاعل مع الانتخابات، لكن حتى الآن، لا توجد إجابة محددة.

وفي الوقت الذى تشير فيه الأبحاث الأكاديمية إلى أن مجرد معدل ذكر المرشح هو أفضل مؤشر على أدائه واحتمال فوزه، إلا أن الحالة الأمريكية تتسم بقدر من الخصوصية والتمايز، بالنظر إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتمتع بحضور هائل على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي لا يعد ذلك المعيار مؤشرًا ذا دلالة واضحة في السباق الانتخابي الراهن.

جدل أكاديمي حول أفضلية بيانات مواقع التواصل الاجتماعي أم استطلاعات الرأي التقليدية

ثمة جدل أكاديمي يدور حول أفضلية الاعتماد على بيانات مواقع التواصل الاجتماعي أم استطلاعات الرأي التقليدية في قياس حظوظ المرشحين في الانتخابات وتوقع النتائج.

وتشير ورقة بحثية حول دور بيانات منصات التواصل الاجتماعي في توقع نتائج الانتخابات ومعرفة توجهات الرأي العام منشورة على منصة “معهد النشر الرقمي متعدد التخصصات” (MDPIإلى أن التنبؤات المستندة إلى وسائل التواصل الاجتماعي تحدَّت المبادئ الأساسية للبحوث التقليدية القائمة على المسح، ومن أهمها أخذ العينات الاحتمالية، الذي يفترض أن جميع الآراء لها نفس القيمة ويجب ترجيحها، لكن وسائل التواصل لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات في مستويات التأثير بين الأشخاص والتي تعتبر مهمة للغاية في عملية تكوين الرأي العام.

كما أن بيانات وسائل التواصل الاجتماعي تختلف عن بيانات المسح المنظمة التي يتم الإبلاغ عنها ذاتيًّا في عدد من الجوانب الرئيسية ومنها أنها توفر حجمًا كبيرًا من المحتوى الذي ينشئه المستخدم، كما يمكن استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط لتوصيف المستخدمين النشطين ولكن أيضًا المستخدمين العاديين الذين يكون تفاعلهم قليلًا، فضلًا عن أن النظر إلى منشورات وسائل التواصل الاجتماعي بمرور الوقت، يُمكن من فحص ديناميكيات الرأي العام ونشر المعلومات بين المستخدمين.

ومع ذلك، يتم انتقاد بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لعدم تمثيلها لعامة الأشخاص، لأن المناقشات السياسية على وسائل التواصل الاجتماعي يهيمن عليها عدد قليل من المستخدمين النشطين، لكن رفض بيانات وسائل التواصل الاجتماعي على أنها غير صالحة بسبب عدم قدرتها على تمثيل المواطنين يمثل قصورًا في فهم ديناميكيات تكوين الرأي العام، نظرًا لأن الآراء والمناقشات التي تجريها بعض المجموعات النشطة سياسيًّا تستبق تلك التي تتطور في المجتمع الأوسع، فمن المحتمل أن تلعب محادثات وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المستخدمين النشطين دورًا أقوى في تشكيل الرأي العام.

ويرى الدكتور توم شاتفيلد، الخبير البريطاني في مجال التكنولوجيا أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تقدم رؤى قيمة يفوتها القائمون على استطلاعات الرأي، مشيرًا إلى أن استطلاعات الرأي التقليدية مرهقة وليست غنية بالبيانات.

ويوضح شاتفليد أن استطلاعات الرأي لم تعكس التعبئة العاطفية لبعض الأشخاص، فالناس يكونون أقل خجلًا على وسائل التواصل الاجتماعي ممَّا هم عليه عبر الهاتف لمنظمي الاستطلاعات.

في المقابل، يرى جان بيير كلوبيرز، مؤسس شركة “BrandsEye” لبحوث الرأي العام، أن الاستطلاعات التقليدية خيار أفضل من استخدام الخوارزميات، لافتًا إلى أن الأخيرة تجد صعوبة في التعرف على شعور الأشخاص، لا سيما في مواقف السخرية، لذلك فإن استخدام البشر لقراءة التغريدات يجعل الأمر أكثر دقة.

حجم التغريدات عن المرشح كمعيار للتنبُّوء بالنتائج

ووجدت دراسة أجرتها جامعة مدينة دبلن في عام 2011 أن حجم التغريدات كان “أكبر متغير تنبُّئِي منفرد” في نتائج الانتخابات، وهو الأمر الذي أكدته دراسة أخرى أجرتها جامعة ميونخ التقنية، حيث رأت أن مجرد عدد التغريدات يعكس تفضيلات الناخبين ويقترب من استطلاعات الرأي الانتخابية التقليدية.

ورأت هاتان الدراستان أن حجم التغريدات، الذي يعكس حالة النقاش والشعبية، مؤشر لأداء المرشح، لكن هذا لم يكن الحال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 فقد خسر الرئيس ترامب في التصويت الشعبي العام، على الرغم من كونه المرشح الأكثر ذكرًا على المنصات الاجتماعية، وإن كان قد فاز في نهاية المطاف بتصويت المجمع الانتخابي (يتألف من 538 من كبار المصوتين) الذي يحدد فعليًّا هوية الفائز برئاسة البلاد.

ويتضح من ذلك أن النتائج النهائية لانتخابات 2016 أظهرت أنه على الرغم من سيطرة ترامب على مناقشة وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك لم ينعكس في السلوك التصويتي للجماهير.

أمَّا عن المشهد الراهن الخاص بالانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر المقبل، فوفقًا لبيانات موقع “CrowdTangle” لتحليلات المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، فإن “ترامب” يتفوق على منافسه الديمقراطي جو بايدن في المشاركة الشاملة عبر موقع فيسبوك على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.

ويفوق معدل المشاركات المتعلق بترامب نظيره الخاص ببايدن بأكثر من 5 أضعاف، وينطلق ترامب من قاعدة أكبر، حيث يحظى حسابه على فيسبوك بـ32.5 مليون متابع مقارنة بـ 3.7 مليون متابع لبايدن.

وقد تم مشاركة العديد من تعليقات ترامب، مثل بيانه الأخير حول احتجاجات “حياة السود مهمة” بصورة انتقادية وليست داعمة له، لكن في المقابل من الواضح أن “ترامب” يقود النقاش على الشبكة الاجتماعية الأكثر تأثيرًا، حيث ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أن دونالد ترامب حصد ما يقرب من ضعف عدد الإعجابات والتعليقات على منصة إنستغرام مقارنة مع بايدن خلال الشهر الماضي.

ووفقًا لشركة “Socialbakers” لتحليلات الوسائط الاجتماعية، شهد حساب بايدن على موقع التدوينات القصيرة  “تويتر” نموًّا كبيرًا خلال العام الجاري، ففي يناير كان لدى بايدن  2,657,870 تفاعل إجمالي، أي 8,2%  فقط من المتوسط الشهري لترامب البالغ 60,518,463 تفاعل.

وبعد 7 أشهر فقط، بلغ بايدن ذروته عند 32,283,027 تفاعل إجمالي في أغسطس، وهي نسبة هائلة بلغت 50,34% من المتوسط الشهري لترامب.

ويشير موقع “Social Media Today” المتخصص في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنه في حين أن “بايدن” ليس بنفس مستوى ترامب من حيث حجم التفاعل على منصات التواصل، لكن البيانات تظهر أنه حقق مكاسب نسبية يمكن أن تكون مؤشرًا على أداء أفضل.

ترامب يتلقى ردود أفعال ومشاعر إيجابية أكثر من بايدن على تويتر

وفي محاولة للتعرف على طبيعة التفاعل مع المرشح، أشار تحليل باستخدام أداة “HappyGrumpy” لمتابعة الرأي العام على موقع تويتر، إلى أن المشاعر حول تغريدات ترامب إيجابية بنسبة 27% وسلبية بنسبة 38%، أمَّا بايدن فجاءت المشاعر تجاهه إيجابية بنسبة 20% وسلبية بنسبة 40%.

وعلى هذا فإن ردود الفعل تجاه ترامب أكثر إيجابية، لكن الفجوة بين المرشحين متقاربة للغاية.

كما وجدت الباحثة، كاجال ياداف في تحليلها للمشاعر حول المرشحين، بناءً على بيانات تويتر في أغسطس الماضي، أن “بايدن” يتلقى ردودًا أكثر إيجابية مقارنة بالتعليقات السلبية، لكن بشكل عام، الفجوة قريبة إلى حدٍّ ما، ولا يوجد فائز واضح عند رصد مشاعر الجماهير.

وتشير ياداف إلى أن ثمة قيودًا على التحليل بسبب السخرية، التي لا يتم رصدها بشكل عام بواسطة أنظمة التحليلات الآلية، فقد تكون الجملة تحتوي على عدد كبير من الكلمات الإيجابية مثل عظيم وممتاز في تعليق سلبي مكتوب بطريقة ساخرة، وهو ما يجعل المشاعر عنصرًا يصعب تحليله.

وتأسيسًا على ما سبق، يتضح أنه خلال السنوات الأخيرة، استخدمت العديد من الدراسات بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لعمل تقديرات لنتائج الانتخابات، إلا أن الاعتماد فقط على حجم التفاعل أو معدل ذكر المرشح كقياس كمي قد يكون عاملًا مضللًا، لأنه يغفل طبيعة السياق الذي يتم فيه التفاعل وأدوات التعبير التي يلجأ إليها المستخدم.

ومن هذا المنطلق فإن التحليلات التي تمزج بين السمات الهيكلية والمشاعر تكون أكثر التنبؤات دقة، ويتطلب ذلك تضافر جهود المجتمع الأكاديمي من أجل اعتماد نهج موحد لتحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي واستخلاص تنبؤات مستقبلية.

أمَّا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن المقارنة المباشرة للأرقام الإجمالية للتفاعل مع كلا المرشحين على منصات التواصل الاجتماعي لن توفر رؤية واضحة، بالنظر إلى مكانة الرئيس دونالد ترامب وشهرته الواسعة على هذه المنصات، وإن كان منافسه جو بايدن قد اكتسب مؤخرًا قدرًا من الزخم عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى